تجارة وصناعة

حركة الشحن والسكك الحديدية في مصر.. كيف يمكن تطوير شبكة النقل الثقيل؟

تمتلك مصر واحدة من أضخم شبكات السكك الحديدية في إفريقيا والشرق الأوسط، حيث تغطي أكثر من 10,500 كيلومتر تربط بين القاهرة ومرسى مطروح جنوباً وحتى أسوان شمالاً، بالإضافة إلى 705 محطات تقريبًا، وعلى الرغم من هذه الهياكل الكبيرة، تعتمد البلاد بشكل واضح على الطرق – فحوالي 96% من الشحن يتم عبر الشاحنات، بينما لا يمثل النقل بالقطارات سوى نحو 2% من إجمالي حركة البضائع، وبالتالي، فإن التحول نحو النقل السككي الثقيل يمكن أن يجلب فوائد كبيرة من حيث الكفاءة وتقليل الانبعاثات.
ودعم البنك الدولي شبكة السكك الحديدية المصرية بمشاريع تمويلية بقيمة تزيد على 840 مليون دولار لدعم النقل السريع للبضائع وتحديث نظم الإشارات وتطوير الخدمات، من أبرزها مشروع “Cairo–Alexandria Trade Logistics” الذي يهدف لرفع حركة القطارات على الخط الرابط بين ميناء الإسكندرية وميناء أكتوبر الجاف إلى 15 قطار يوميًا بحلول 2030، ومعاضدة للنقل بين بورسعيد والصعيد وفي اتجاه البحر الأحمر.
وبحسب وزارة النقل، سيُفعل نظام “infrastructure access charging” لتشجيع المشغلين الخاصين على الانخراط في تشغيل القطارات والخطوط مقابل رسوم تُدفع للحكومة.
فحتى الآن، تنقل السكك الحديدية نحو 6 ملايين طن من البضائع سنويًا، مع طموح للوصول إلى 13 مليون طن بحلول 2030، كما تُشير تأكيدات من البنك الدولي لاتساع قدرات النقل لتصل نحو 25 مليون طن سنويًا، مقارنة بـ 4.6 مليون طن قبل خمس سنوات.
وقد تزايد اعتماد مصر على النقل السككي الثقيل على الرغم من حداثة التطويرات التي تربط بين خطوط مترو القطارات وآليات النقل القارية بإنشاء محور “السكك الخضراء” المعروف بمشروع “Suez Canal on Rails”، الذي اصطلح على تسميته “قناة السويس على سكك”، هذا المشروع الضخم بتكلفة تقدر بـ 12 مليار يورو سيوفر خطوطاً بطول 2,000 كيلومتر، يخدم 60 محطة، وينقل الركاب بسرعات تصل إلى 230 كم/س، والبضائع حتى 120 كم/س.
شهدت السكة المصرية تحديثًا واسع النطاق في الأسطول، فقد وصل عدد الجرارات والمقطورات الجديدة إلى مئات، حيث تم تجديد 81 جرار في تجهيزات GE وتوريد أكثر من 140 عربة بضائع من مصنع SÉMAF مقابل 544 مليون جنيه، وأُبرمت عقود كبيرة مع شركات عالمية مثل Alstom وسيمنس لتعزيز نظم الإشارات في خطوط بني سويف – أسيوط وتطبيق ETCS على أكثر من 160 كيلومتر في دلتا النيل.
وفي هذا السياق، جاء قرض بقيمة 440 مليون دولار ضمن “RISE Project” لتطوير السلامة وتشغيل الإشارات على خط القاهرة – بني سويف بطول 763 كيلومتر، وسط توقعات بزيادة دقة المواعيد من 75% إلى 90%.
يكشف مسار الربط الإقليمي عزيمة مصر في تحويل السكك الحديدية لأداة لحركة البضائع العابرة للقارات. فقد تم الإنجاز بمشروع الربط بين مصر والسودان عبر خط فيردان/بير العبد بطول 364 كيلومتر، أحد مشروعات الربط الشامل ضمن اتفاقية النقل بالشرق العربي. كما تتواصل الخطوات لتفعيل الربط مع ليبيا وتونس مستقبلاً ضمن رؤية “السكة الكبرى لشمال إفريقيا”.
يسهم نقل الحاويات بشبكة السكك الحديدية بدلاً من الطرق في خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة تصل إلى 4 أضعاف لمعدل النقل نفسه، مما يدعم أهداف مصر في خفض الانبعاثات وتحقيق التحوّل الأخضر في النقل، ويقدّر البنك الدولي أن توفير أكثر من 965 ألف طن من انبعاثات الكربون خلال 30 عامًا سيأتي من هذا الانتقال.
أما من الناحية الاقتصادية، فإن تقليل الاعتماد على الطرق يقلل تكاليف النقل والصيانة، ويحفّز إنشاء مناطق لوجستية وموانئ جافة، مثل محطة أكتوبر الجافة ومحور العاشر من رمضان السريع.
رغم هذا التقدم، يعاني القطاع من عدد من التحديات: ضعف كميات البضائع المنقولة حاليًا بسبب قيود السعة، وتأخر إدخال القطاع الخاص في التشغيل الكامل، بالإضافة للتحديات الفنية والتشغيلية مثل توحيد التقنيات في الإنارة والإشارات، كما أن النفط والقطارات لا تزال تعاني هوامش ربح منخفضة تجعل المستثمرين على الحذر.
وتعليقًا على محور الربط الدولي، قال وزير النقل كامل الوزير خلال مؤتمرات سابقة إن رفع وتيرة الربط الإقليمي والمرتبط بمشاريع “Green Line” و”RISE” و”DB IOC Suez Canal on Rails” سيعزز طموحات مصر لتكون مركز لوجستي يمتد إلى أوروبا، والمنطقة الشرقية الإفريقية، وصولاً لخطوط الشحن البينية وعبر البحر الأحمر.
يشير الواقع إلى أن مصر بدأت فعليًا تحويل السكك الحديدية من شبكة نقل تقليدية إلى منصة لوجستية ثقيلة، ومع مشاريع كبرى، وتمويل دولي، وشراكات عالمية فإن فرص تحقيق نقلة نوعية في النقل الثقيل ورفع نسبة البضائع المنقولة إلى نحو 30 مليون طن سنويًا بحلول 2030 واردة، لكن النجاح الكلي يقف على حائط التنظيم الفني والعدالة الاقتصادية، وفاعلية إدخال القطاع الخاص، وتوسيع الاستخدام الفعلي للبنى التحتية المطورة.
فإن مصر تقف اليوم عند مفصل تاريخي، بين قفزة نوعية في الربط الإقليمي والتبادل الدولي، وبين التحديات المطروحة على أرض الواقع، فإذا تم الالتفات للشقين التقني والقانوني كليهما، فسيكون المستقبل للنقل الثقيل بمصر واعدًا بالتوسع والاستدامة حتى 2050.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *