اقتصادسلايدرملفات وحوارات

السيناريو الأكثر تشاؤما.. كيف تستعد مصر للحرب التجارية المرتقبة بين الكبار؟

بدأ الاقتصاد بداية مبشرة هذا العام؛ فقد سجل القطاع الخاص غير النفطي أفضل أداء له منذ ما يزيد على أربع سنوات خلال يناير الماضي، لينهي بذلك نحو خمسين شهرًا من الانكماش، مدفوعا بزيادة قوية في حجم الإنتاج والمبيعات.

وارتفعت قراءة المؤشر إلى 50.7 نقطة في يناير، من 48.1 نقطة في ديسمبر الماضي، لتصبح هذه المرة الثانية التي ينمو فيها نشاط القطاع الخاص غير النفطي فوق حاجز الـ50 نقطة الذي يفصل بين النمو والانكماش منذ نوفمبر 2020.

وبالتزامن مع ذلك، واصل سهم الاحتياطيات الأجنبية الارتفاع على مدار 29 شهرا متتاليا، إذ سجل احتياطي النقد الأجنبي 47.3 مليار دولار بنهاية يناير، بزيادة قدرها 156 مليون دولار عن الرقم المسجل في ديسمبر الماضي، بحسب ما أعلن البنك المركزي.

السناريو الأكثر تشاؤما

على الرغم من البداية المبشرة والتوقعات التي تبعث على التفاؤل، قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، إنَّ الحكومة تتحضر وتستعد دائمًا للسيناريو الأكثر تشاؤما في ظل تسارع الأحداث. وأضاف خلال مؤتمر صحفي، أن البعض طالب بأن تضع الدولة إدارة للأزمة والمخاطر والسيناريوهات اللازمة، مؤكدا أن هذا الأمر قائم بالفعل ويمثل الشغل الشاغل للحكومة والدولة.

وذكر رئيس الوزراء أن المواطن في الوقت نفسه يجب أن يكون واعيًّا بحجم التهديدات والتحديات التي تواجه المنطقة بصفة عامة، وكذلك تواجه مصر.

ونبه مدبولي إلى أهمية دور المواطن، وهو المشاركة مع الدولة في عمليات الحوكمة وترشيد حجم الاستهلاك لكل المستلزمات الأساسية. وضرب مثالًا على الكهرباء قائلا إنه كلما استشعر المواطن أهمية الترشيد، فإن هذا يقلل فاتورة استيراد الدولة للوقود والنفط.

وشدد على أنه كلما قلّل المواطن من هذه السلوكيات أو الممارسات فإن هذا يساعد الدولة على الاستمرار في مواجهة التحديات، لافتا إلى أن وضع الدولة في المحيط يؤكد أن مصر دولة مستقرة، وأن المواطن يجد كل احتياجاته ويحظى بالأمن والأمان ويمكن التحرك بسهولة ويسر وأن الدولة قوية ومتماسكة. وجدّد التأكيد على أن الدولة تخطط جيدًا لاحتياجاتها، مطمئنا المواطنين في هذا الصدد.

يأتي ذلك وسط مخاوف من أن تؤثر الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين على الاقتصاد المصري. فقد أصدر المركز المصري للدراسات الاقتصادية، دراسة ترصد تقييم تأثير تلك الحرب على الاقتصاد المصري. وناقشت الدراسة تفاقم نقاط الضعف القائمة التي يعاني منها الاقتصاد المصري نتيجة الحرب التجارية وتأثير ذلك على مختلف القطاعات. واقترحت الدراسة أن تقوم مصر بتخفيف هذه الآثار السلبية، من خلال تنويع شركائها التجاريين، وتحسين القدرة التنافسية للصادرات، والاستفادة من موقعها الجغرافي.

مخاوف متزايدة

أشار رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى المخاوف المتزايدة من اندلاع حروب تجارية عالمية بسبب فرض تعريفات جمركية متبادلة بين الدول الكبرى، مشيرًا إلى أن هذه التوترات قد تؤدي إلى موجة تضخم جديدة وارتفاع أسعار السلع عالميًا.

وأكد رئيس الوزراء أن الحكومة تتابع عن كثب تطورات المشهد الاقتصادي العالمي وتأثيره على السوق المحلية، معربًا عن أمله في التوصل إلى توافق دولي للحد من التصعيد التجاري، مشددا على أن حكومته تعمل على خفض معدلات التضخم محليًا، في ظل التحديات الاقتصادية العالمية.

من جهته أفاد الخبير الاقتصادي مدحت نافع، بأن العالم أصبح في قلب حرب تجارية بين أكبر اقتصاديين، الولايات المتحدة والصين، مشيرًا إلى أن هذا الصراع سيؤثر على العديد من الدول، بما فيها مصر.

وأضاف نافع أن السياسة الحمائية التي تتبناها الدول يمكن أن تؤدي إلى تراجع تدفقات رؤوس الأموال وتعزيز العقوبات والتصرفات الانتقامية، مما يخلق سيناريو من الارتفاع ثم التهدئة في التوترات، مشيرا إلى ترامب قد حول 500 مليار دولار كانت مخصصة لدعم البنية التحتية الخضراء إلى قطاع البنية الرقمية، مما يعكس تحولًا في الأهداف الاقتصادية.

وقال نافع إن مصر لن تكون محورية في هذا الصراع، مشددًا على أن تأثير الحروب التجارية عليها سيكون محدودًا، ولن تمثل أي عبء اقتصادي كبير في ظل هذه التوترات.

أما الخبير الاقتصادي محمد فؤاد، فيرى أن الاقتصاد المصري سيتأثر بتصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين بسبب علاقته التجارية الوثيقة مع الدولتين، حيث تعد شريكًا تجاريًا كبيرًا لهما.

وأوضح في تصريحات صحفية أن هناك أربعة عوامل رئيسية تؤثر على الاقتصاد المصري في مثل هذه الظروف: سعر الصرف، وتدفقات رأس المال الأجنبي، والتضخم، والاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وأشار إلى أن الاضطرابات الاقتصادية العالمية تجعل المستثمرين أكثر حذرًا، مما يقلل من تدفقات رأس المال إلى الدول النامية، بما في ذلك مصر، كما أن التضخم يعد عاملًا آخر يجب مراعاته، حيث يمكن أن يؤدي ارتفاع الأسعار العالمية إلى زيادة الضغوط التضخمية محليًا.

وعن الحلول الممكنة لمواجهة هذه التحديات، أكد فؤاد أن مصر لديها عدة خيارات، لكنها تحتاج إلى وقت لتنفيذها، مشيرًا إلى أن تعزيز القاعدة الصناعية المحلية وتنويع الشركاء التجاريين يعدان من أهم الخطوات التي يمكن أن تتخذها مصر لتقليل اعتمادها على الأسواق الخارجية. ودعا إلى التركيز على تصدير السلع ذات القيمة المضافة بدلاً من المواد الخام، والاستفادة من الاتفاقيات التجارية الثنائية مع الدول العربية والأفريقية.

وأضاف أن التوسع في الأسواق الجديدة وتفعيل التكتلات الاقتصادية يمكن أن يساعد في تعزيز الصادرات المصرية، مشيرًا إلى أن مصر متأخرة في بناء قاعدة صناعية قوية، مقارنة ببعض الدول الأخرى مثل فيتنام وتركيا، مما يجعل من الصعب تحقيق نتائج سريعة في هذا المجال.

اكتشاف بترولي جديد

إلى ذلك، أعلن مدبولي عن اكتشاف بترولي جديد في منطقة كينج مريوط على سواحل البحر المتوسط، وذلك بواسطة شركة “بريتيش بتروليوم” واصفا الكشف بأنه “واعد”، حيث يتضمن النفط والغاز معًا، مشيرًا إلى أن تفاصيله الكاملة ستُعلن خلال الفترة المقبلة. وأضاف أن هذا الاكتشاف يأتي ضمن سلسلة من النجاحات الاستكشافية التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة، نتيجة انتظام الحكومة في سداد مستحقات الشركات الأجنبية، مما شجعها على التوسع في أعمال الحفر والتنقيب.

وفي هذا السياق، وافق مجلس الوزراء اليوم على خمسة مشروعات اتفاقيات بترولية بين الهيئة المصرية العامة للبترول، والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية، وشركة جنوب الوادي المصرية القابضة للبترول، وعدد من الشركات العالمية. وتشمل الاتفاقيات استثمارات تقدر بحوالي 225.3 مليون دولار، مع التزام الشركات بحفر 40 بئرًا جديدة، مما يعزز الإنتاج المحلي من الغاز والنفط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *