بعد صمت طويل امتد لسنوات، تستعد مصر لأن تحكي للعالم قصتها من جديد، لا عبر الكتب أو الشاشات، بل من قلب التاريخ نفسه، تستعد للحدث الذي يترقبه الجميع الحدث الذي لا يُعد مجرد افتتاح لمتحف، بل توثيق عالمي لتاريخ مصر واستعادة لحقها في سرد روايتها الحضارية بنفسها.
يقف المتحف شامخًا عند سفح الأهرامات، محتضنًا أكثر من مائة ألف قطعة أثرية، تُجسّد فصولًا من المجد الإنساني الممتد من فجر التاريخ إلى العصر الحديث، في عرضٍ متحفيٍّ متطور يمزج بين التكنولوجيا وروح الحضارة المصرية الخالدة
في الأول من نوفمبر المقبل، تفتح مصر أبوابها لحدثٍ عالمي استثنائي، هو افتتاح المتحف المصري الكبير، في احتفالية تمتد لثلاثة أيام متتالية، بمشاركة عدد من رؤساء الدول والشخصيات العامة والدولية البارزة، ليشهد العالم عودة مصر إلى صدارة المشهد الحضاري كما كانت منذ آلاف السنين.
تكمن أهمية افتتاح المتحف المصري الكبير في كونه حدثًا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا شاملًا، يجمع بين رمزية الماضي وطموح الحاضر، فمن الناحية السياسية، يعكس المشروع قدرة الدولة المصرية على تنفيذ إنجازات كبرى تؤكد استقرارها وريادتها الإقليمية والعالمية، ومن الناحية الاقتصادية، يُحدث طفرة غير مسبوقة في السياحة الثقافية ويجذب استثمارات ضخمة تضع مصر في موقع متقدم على خريطة التراث العالمي.
ومن الناحية الثقافية، يكرّس المتحف دور مصر كمنارة حضارية تُعيد تعريف علاقتها بتاريخها وتقدمه برؤية معاصرة تواكب العالم.
ويقف وراء هذا المشروع العملاق تعاون غير مسبوق بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، في شراكة تمزج بين الدقة الهندسية والرؤية الثقافية، فقد أشرفت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة على تنفيذ المشروع، بمشاركة عدد من الشركات الوطنية الكبرى، من بينها حسن علام للإنشاءات، والمقاولون العرب، وأوراسكوم للإنشاءات، بينما ساهمت شركات مثل حديد عز ومنصور في توفير الدعم اللوجستي ومواد البناء.
كما شاركت الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA) في تمويل وتنفيذ الأعمال الفنية والتقنية، إلى جانب دعم دولي من عدد من المؤسسات الثقافية العالمية.
لكن في عمق هذا المشهد المهيب، تبرز دعوة غير مباشرة إلى إعادة النظر في طريقة تدريس التاريخ للأجيال الجديدة، فبينما تتجه أنظار العالم إلى المتحف الكبير، تبدو الحاجة ملحّة لأن يتحول التاريخ في مدارسنا إلى تجربة تُعاش، لا مادة تُحفظ، فالحضارة ليست نصًا في كتاب، بل وعيًا يُبنى داخل كل طالب يرى في أجداده نموذجًا وقدوة.
قال الدكتور محمد إسماعيل، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إن المتحف المصري الكبير لا يُعد مجرد مبنى يضم آثارًا، بل يمثل وثيقة حية تسرد تطور الحضارة المصرية منذ فجر التاريخ، مؤكدًا أنه سيكون منصة تعليمية وثقافية للأجيال القادمة.
وأوضح إسماعيل، أن المشروع هو ثمرة سنوات طويلة من العمل والتعاون الدولي، مشيرًا إلى أن افتتاح المتحف يمثل لحظة تاريخية ينتظرها العالم بأسره، لأنها لا تخص مصر وحدها بل تمثل إنجازًا للإنسانية جمعاء، مضيفًا أن المتحف يحمل رسالة حضارية تعكس قدرة مصر على إعادة تقديم تراثها بروح معاصرة تُلهم المستقبل.
وأشار الأمين العام إلى أن وزارة السياحة والآثار تعمل على تحويل المتحف إلى مركز تفاعلي للتعلم، يربط الطلاب بتاريخ بلادهم من خلال أنشطة تعليمية حية تعزز الانتماء والوعي الوطني.
واختتم إسماعيل حديثه بالإشارة إلى أن الافتتاح المنتظر سيشهد حضور قادة وزعماء دول، وممثلين عن اليونسكو والمتاحف العالمية الكبرى، إلى جانب شخصيات ثقافية وفنية بارزة من مختلف أنحاء العالم، وسط تغطية إعلامية غير مسبوقة.





