بنوك وتامينسلايدر

سلاح ذو حدين.. ماذا يعني ترخيص أول بنك رقمي في مصر؟ وما مزاياه وعيوبه؟

في منتصف مارس الماضي، انعقد الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للمجتمع الرقمي بعد إعادة تشكيله، برئاسة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في إشارة قوية على عزم الحكومة المضي بخطى ثابتة وحثيثة نحو التحول الرقمي.

وقد أكد رئيس الوزراء خلال الاجتماع، أهمية دور المجلس في تحقيق مجموعة من الأهداف، والتي من بينها إقرار الاستراتيجية القومية لبناء دولة رقمية متكاملة، واعتماد السياسات والإجراءات والآليات الخاصة بالتغيرات الهيكلية اللازمة لبناء مجتمع رقمي، بجانب إقرار سياسات تقديم الخدمات الحكومية الرقمية، والسياسات الهادفة لبناء صناعة رقمية جاذبة للاستثمارات وفرص العمل.

في ذلك الإطار، منح البنك المركزي شركة مصر للابتكار الرقمي الموافقة المبدئية على إطلاق أول بنك رقمي في الدولة باسم “وَن بنك”، الذي تسعى الشركة لإطلاقه خلال الربع الأخير من العام الحالي بعد الانتهاء من المرحلة الثانية للفحص النافي للجهالة والحصول على رخصة التشغيل.

وفي وقت سابق تقدمت 6 بنوك عاملة في السوق المصرية لترخيص بنوك رقمية، هي البنك الأهلي، وبنك مصر، وبنك قطر الوطني الأهلي QNB، والمؤسسة العربية المصرفية ABC، والإمارات دبي الوطني، وبنك فيصل الإسلامي المصري.

وكان البنك المركزي أصدر بيانا في يوليو الماضي، بشأن بدء إصدار التراخيص للبنوك الرقمية، حدد فيه قواعد ترخيص وتسجيل البنوك الرقمية والرقابة والإشراف عليها، إذ تضمنت الاشتراطات أن يكون المساهم الأكبر مؤسسة مالية ذات سابقة أعمال في أنشطة مماثلة بنسبة لا تقل عن 30% من إجمالي قيمة رأس المال، وألا يقل رأس المال المصدر والمدفوع عن ملياري جنيه مصري في حالة ممارسة كافة أعمال البنوك باستثناء تمويل الشركات الكبرى، مع إمكانية تمويل تلك الشركات شريطة زيادة رأس المال إلى 4 مليارات جنيه مصري.

فما هي هذه البنوك؟ وما تأثيرها على النظام المصرفي؟

ظهرت البنوك الرقمية لأول مرة في العام 2015، من خلال بنك “مونزو” البريطاني و “أتوم بنك” ومقرهما المملكة المتحدة، إذ هما من أوائل البنوك الرقمية في العالم، ويملك بنك مونزو أكثر من مليون عميل، ويخطط حالبا للتوسع وإطلاق منتجاته في الولايات المتحدة قريبا وبقية دول العالم.

وفقا للبنك المركزي، البنوك الرقمية هي تلك البنوك التي تقدم الخدمات المصرفية عبر المنصات الرقمية، باستخدام التقنيات التكنولوجيا الحديثة، بدلا من تقديمها من خلال مقر رئيسي وفروع وتعامل الجمهور مع موظفي البنك وجها لوجه.

انضمام البنوك الرقمية إلى 36 بنكا تجاريا تقليديا عاملا في مصر سيساهم في تسارع وتيرة انضمام المواطنين إلى القطاع المصرفي الرسمي بدلا من الاعتماد على “البنكنوت” في تعاملات السوق غير الرسمي، وفقا للخبير الاقتصادي هاني جنينة، الذي يؤكد في مقال أن “من المتوقع أن يؤدي دخول البنوك الرقمية إلى احتدام المنافسة بصورة ملحوظة في قطاع البنوك التجارية في مصر نظرا لاختلاف هيكل التكاليف بصورة ملحوظة بين البنوك التقليدية والبنوك الرقمية”.

ويشرح ذلك بقوله إن “متوسط نسبة التكاليف الإدارية إلى إيرادات البنوك التقليدية تقارب 40 % ومن المتوقع أن تقل النسبة كثيرا في البنوك الرقمية نتيجة غياب الاستثمار في الفروع والعنصر البشري، وبالتالي، من المتوقع أن تتسارع وتيرة استثمار البنوك التجارية التقليدية في تقديم خدمات رقمية لمواجهة المنافسة الشرسة المتوقعة”.

يبلغ عدد المواطنين الذين لديهم حسابات في البنوك وحسابات في مكاتب البريد بالإضافة إلى محافظ الهاتف المحمول والبطاقات مسبقة الدفع (مثل بطاقة ميزة) نحو 40 مليون مواطن من إجمالي 65 مليون مواطن بالغ (أكبر من 16 عاما) وهو ما يعادل 60% من السوق المستهدف فقط، وفقا لبيانات البنك المركزي المصري.

يعمل البنك الرقمي عن طريق توفير منصات إلكترونية متطورة تسمح للعملاء بإجراء معاملاتهم المالية بسهولة وأمان، يمكن للعملاء فتح الحسابات، وتلقي الودائع، وإجراء التحويلات المالية، وطلب القروض، وإدارة الحسابات، والوصول إلى الخدمات المصرفية الأخرى باستخدام التطبيقات المصرفية عبر الإنترنت أو التطبيقات الهاتفية الذكية، بحسب تصريحات للخبير المصرفي هاني أبو الفتوح.

سلاح ذو حدين

يمثل إطلاق البنوك الرقمية في مصر سلاحاً ذا حدين، بحسب أبو الفتوح؛ فمن ناحية، يسمح البنك الرقمي بتعزيز مرونة النظام المصرفي وزيادة انتشاره وسط شرائح أكبر من السكان، خاصة بين الأفراد الذين يعيشون في المناطق النائية والمحافظات البعيدة، لكنه ينطوي على مخاطر محتملة، كمخاطر الأمن السيبراني إذ يمكن أن تتعرض البنوك الرقمية والمؤسسات المالية الرقمية للاختراقات السيبرانية والاحتيال الإلكتروني، ما يعرض سرية المعلومات والأموال للخطر.

ويتفق معه جنينة، الذي يرى أن المشكلة الأكثر شهرة هي تعرض الحسابات لمخاطر الهجمات السيبرانية، لكنه يعتقد أن هناك خطرا أكبر من هذا وهو الارتفاع الحاد في القروض الشخصية في مصر مما قد يفقد الدولة أحد أهم نقاط قوتها وهي انخفاض حجم القروض الشخصية وقروض الشركات مقارنة بمديونيات القطاع العام.

ويشرح قائلا “في مارس 2013، بلغت القروض القائمة للقطاع العائلي في مصر حوالي 120 مليار جنيه. ولكن نظرا لتفاقم معدلات التضخم خلال السنوات العشر الماضية واعتماد الكثير من المصريين على تمويل مشترياتهم من خلال كروت الائتمان أو القروض الشخصية، فمن المتوقع أن تقترب القيمة من 800 مليار جنيه في منتصف 2023 أي بنسبة نمو سنوي تقترب من 21 بالمئة، وبالتالي، من المتوقع أن يتزامن مع دخول البنوك الرقمية السوق المصري تعاظم دور ما يعرف بالإجراءات الاحترازية الكلية؛ للحد من أي ارتفاع حاد في مستوى مديونيات الأفراد والشركات.

استراتيجية التحول الرقمي

بدأت عملية التحول الرقمي من خلال إنشاء وتطوير البنية المعلوماتية المصرية، بالتعاون بين جهات الدولة المختلفة والتنسيق مع هيئة الرقابة الإدارية لإنشاء البنية المعلوماتية المصرية التي ساهمت في تكوين صورة مرقمنة متكاملة لاستحقاقات المواطن، بالإضافة إلى بناء مراكز بيانات عملاقة لاستضافة هذه الثروة من البيانات وتأمينها والحفاظ عليها والتأكد من سلامتها، إذ بنيت هذه المراكز على أعلى مستوى تقني وتأميني.

وبدا من الواضح أنّ الدولة تتبنى استراتيجية قوية لتحويل الخدمات الحكومية القائمة والنظام البيئي المجتمعي إلى نظام بيئي رقمي قائم تمامًا على البيانات، من خلال ميكنة كل الإجراءات الحكومية وتقديمها عن طريق منظومة حوسبية رقمية دون تدخل بشري.

وتماشيًا مع رؤية مصر 2030 واستراتيجية مصر لتحقيق التحول الرقمي، شرعت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في بناء مصر الرقمية، وهي رؤية وخطة شاملة وتُعد بمثابة حجر الأساس لتحويل مصر إلى مجتمع رقمي.

وأشار تقرير لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية إلى توجه الدولة المصرية الجاد نحو التحول الرقمي، حيث أصبح هذا التحول وتكثيف الاستثمار في مجالات تكنولوجيا المعلومات وتحفيز الابداع والابتكار مكونًا أساسيًا في خطط وبرامج التنمية للدولة المصرية، ومن هذا المنطلق ضاعفت الدولة المصرية استثماراتها في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات حتى تخطت 82 مليار جنيه فى الأعوام من 14/2015 إلى 22/2023، بزيادة بلغت 2200%، أي تجاوزت 20 ضعفا مقارنة بالعام المالي 2014/2015.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *