قبل أيامٍ قليلة، وقف رئيس الغرفة التجارية بالإسكندرية، أحمد الوكيل، يشرح بالأرقام كيف تداعت حركة التجارة بين مصر وليبيا خلال السنوات الماضية.
كان ذلك نهاية الشهر الماضي، خلال لقاء وفد ليبي رفيع المستوى بحضور قنصل عام دولة ليبيا بالإسكندرية صالح خطاب الساعدي، وصالح العبيدي، رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة بنغازي، وعدد من أعضاء غرفتي التجارة والصناعة بليبيا وغرفة الإسكندرية، وقيادات الجمارك الليبية والمصرية.
انخفاض التبادل التجاري
من بين ما ذكره الوكيل، أن حجم التبادل التجاري بين مصر وليبيا انخفض من مليار و377 مليون دولار في 2013 إلى 455 مليون فقط حاليًّا، معللا ذلك بعدم فتح اعتمادات وتأخر سداد المديونيات إلى جانب معوقات عبور الحاويات.
كما انخفض حجم الاستثمارات الليبية في مصر بنسبة 25% لتصبح 511 شركة فقط برأس مال مصدر 4 مليارات دولار ومساهمة 2،4 مليار دولار فقط، وفي المقابل لا تتجاوز الاستثمارات المصرية في ليبيا 520 مليون دولار، في الوقت الذي تعتزم مصر المشاركة بقوة في مراحل إعادة إعمار الدولة التي ترزح تحت وطأة التناحر السياسي والعسكري منذ سنوات.
حجم التبادل التجارى بين مصر وليبيا انخفض من 2.5 مليار دولار في عام 2010 إلى نحو 500 مليون دولار في 2018، ثم شهدت العلاقات التجارية بعض التحسن فارتفعت قيمة التبادل التجاري إلى نحو مليار دولار خلال عام 2021، مقابل 645.9 مليون دولار خلال عام 2020 بنسبة ارتفاع قدرها 60.5 %، بحسب تصريحات رسمية.
وبمراجعة أحدث تقرير صادر عن الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات في مصر، يتضح أن حجم التبادل التجاري بين مصر وأسواق القارة الأفريقية سجل نحو 2.11 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الجاري، إذ بلغت قيمة الصادرات السلعية المصرية إلى القارة 1.6 مليار دولار، فيما بلغت الواردات نحو 506 ملايين دولار.
ومع أن التقرير الصادر في أبريل الماضي يظهر تصدُّر ليبيا لقائمة الدول الأفريقية المستقبلة للصادرات المصرية، فإنّ الرقم في حد ذاته قليل على دولتين تتشاركان حدودا برية كبيرة تمتد بطول 1049 كم، إذ بيّن التقرير أن ليبيا تستورد من مصر بـ”317 مليون دولار” فقط، من أصل 455 مليون دولار، حجم التجارة البينية الحالي، وفقا لما ذكره رئيس الغرفة التجارية بالإسكندرية.
ووصلت قيمة التبادل التجاري بين مصر والدول العربية إلى 14 مليارًا و400 مليون دولار في النصف الأول من العام 2022 وهو ما يعنى أن التبادل التجارى المصرى الليبى يستحوذ على نسبة قليلة من قيمة التبادل التجارى المصرى العربي.
لذلك، تسعى مصر إلى البدء المباشر في العمل المشترك لغزو الأسواق الخارجية، استعدادا لاستغلال منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهى منطقة ذات قوة شرائية تتجاوز 1،4 تريليون دولار.
منطقة لوجستية ضخمة
وبحسب الوكيل، فقد انتهت مصر من دراسات إنشاء مركز لوجيستي عالمي بجوار منفذ السلوم بمنطقة الهضبة، وذلك ليس فقط بهدف دعم التجارة البينية، ولكن دعم صادرات البلدين إلى دول الجوار، التي ستتنامى مع إعادة تشغيل الطريق المتوسطي الدولي.
وفي لقاء مع شيوخ وأهالي مرسى مطروح، أمس الأربعاء، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن هناك الكثير من المشروعات التي تستهدف محافظة مطروح، سواء من جهة المواني أو القطار السريع الذي سيصل إلى مدينة السلوم.
وأشار السيسي في حديثه إلى أن الحكومة عملت خلال السنوات الثلاث الماضية على تطوير منفذ السلوم للحفاظ على حركة التجارة مع ليبيا، كاشفاً عن مخطط لإنشاء منطقة لوجستية على مساحة تصل إلى 300 فدان (أكثر من مليون متر مربع) قرب المنفذ، بهدف خلق فرص عمل وتنمية المنطقة والمحافظة.
في فبراير الماضي، كان وزير النقل كامل الوزير، قد شهد توقيع مذكرة تفاهم بين هيئة المواني البرية والجافة وتحالف مصري من شركات مصرية وطنية متخصصة لإنشاء وإدارة وتشغيل المنطقة اللوجستية المتكاملة بالسلوم.
وتنص المذكرة على قيام التحالف بإنشاء وإدارة وتشغيل المنطقة التي ستقام على مساحة 700 فدان، وإدارة وتشغيل منطقة المخازن والثلاجات داخل ميناء السلوم البري، التي تبلغ مساحتها حوالي 21 فدانا وتم إنشاؤها من قبل الهيئة العامة للمواني البرية والجافة والتي تتكون من 10 مخازن (24 ثلاجة).
وبحسب تصريحات وزير النقل، سيسهم مشروع المنطقة اللوجستية في تشجيع تصدير المنتجات المصرية إلى ليبيا وشمال أفريقيا، وتنفيذ أعمال قيمة مضافة مثل أعمال التعبئة والتغليف والتخزين، وإعادة التوزيع ومعارض المنتجات المصرية والصناعات الخفيفة والمتوسطة.
وتابع أن التحالف وضع خطة تمويلية أوروبية للمشروع عن طريق بنك الاستثمار الأوروبي، وكذلك تنمية صناعية عن طريق توطين صناعات هندسية وغذائية، هدفها الأساسي التصدير لدول الشمال الأفريقي ووسط أفريقيا وأوروبا عن طريق ميناء جرجوب البحري؛ مما يساهم في خلق محور لوجيستي متكامل يعمل على المساهمة في تحقيق تنمية حقيقية بالاشتراك مع كبرى الشركات الأجنبية في المجالات الصناعية والغذائية.
رغبة ثنائية في انطلاقة جديدة
وتأكيدا لوجود رغبة ثنائية في تدشين مرحلة جديدة تشهد رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى أعلى مستوى، شدد محمد الرعيض رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة بليبيا على ضرورة تفعيل غرفة التجارة المصرية الليبية المشتركة، معتبرا إياها خطوة لتعزيز التعاون التجاري والتكامل الاقتصادي بين البلدين وتسهيل انتقال الافراد ورؤوس الأموال والسلع والخدمات والعمل على إزالة العراقيل لدعم التجارة البينية بين البلدين لزيادة التبادل التجارى كالسابق بل وزيادة نسبتة نظرا للتوافق القائم بين الغرف التجارية ورجال أعمال البلدين.
وفي ملتقى الأعمال المصري الليبي الذي انعقد في مارس الماضي، بعنوان “مصر وليبيا نحو تنمية متكاملة ومستدامة، طالب صالح العبيدى رئيس غرفة بنغازي، رجال الأعمال المصريين باقتحام السوق الليبى والتعاون مع رجال أعمال ليبيا عبر شراكات تجارية وصناعية مؤكدا تنفيذ آلية اللقاء المباشر بين رجال الأعمال المصريين ونظرائهم فى ليبيا فى كل المجالات لوضع أسس التعاون المباشر بينهم، حيث إن البلدين يسعيان لتنفيذ مشاريع مشتركة، مع الترتيب لإقامة معرض ضخم بليبيا تحت شعار صنع فى مصر.
حكومتان في ليبيا
وتشهد ليبيا نزاعا على الشرعية بين حكومتين، الأولى في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية في بنغازي (شمال شرقي البلاد) برئاسة أسامة حماد الذي خلف فتحي باشاغا، وهي مدعومة من قائد الجيش المشير خليفة حفتر.
وتوقف هجوم شنّه الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر، على طرابلس في الغرب عام 2020، ما أدى إلى وقف لإطلاق النار وضع حدا لأغلب المعارك الكبرى.
وتمثل ليبيا بالنسبة لمصر مسألة أمن قومي، ففي يونيو 2020؛ عندما كانت حدود مدينتي سرت والجفرة ساحة معركة بين قوات حفتر والدبيبة؛ أكد السيسي على أنهما “خط أحمر”، وأنَّ مصر ستساعد أهل المنطقتين في الدفاع عنهما، وأنَّ الشرعية الدولية باتت تتوفر لأي تدخل مصري مباشر في ليبيا.
وفي حين شهدت طرابلس اشتباكات بين المجموعات المسلحة فيها عدة مرات؛ يحظى الشرق عمليا بهدوء نسبي.