أكدت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، أن الصندوق يدرس بجدية زيادة برنامج القرض التي تحتاج إليه مصر، والذي تبلغ قيمته ثلاثة مليارات دولار.
وأضافت جورجيفا في تصريحات لوكالة “رويترز”، على هامش قمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي، إن الصندوق قد يتخذ هذه الخطوة بسبب الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن التصعيد في غزة، لافتة إلى أن له “آثارًا خطيرة” على اقتصاد الضفة الغربية، ويشكل أيضا صعوبات للدول المجاورة وهي مصر ولبنان والأردن، من خسائر محتملة ستتكبدها الدول في إيرادات السياحة وارتفاع تكاليف الطاقة.
خمسة مليارات
وتؤكد تصريحات مديرة الصندوق، ما كانت نقلته وكالة “بلومبرج” الشهر الماضي عن مصادر مطلعة قالت إن مصر تجري محادثات مع الصندوق بشأن زيادة برنامج الإنقاذ الخاص بها إلى أكثر من 5 مليارات دولار.
وقالت المصادر إن “أي إعلان عن زيادة محتملة عن مبلغ 3 مليارات دولار الذي تم الاتفاق عليه العام الماضي لن يأتي إلا بعد أن تُكمل مصر مراجعاتها المتأخرة للبرنامج”.
في ديسمبر من العام الماضي، أقرّ الصندوق برنامجا مدّته 46 شهرًا لمصر، تبلغ قيمته 3 مليارات دولار، على أن يخضع هذا البرنامج لمراجعتين سنويا حتى منتصف سبتمبر 2026، بإجمالي 8 مراجعات، لكن موعد المراجعتين مرّ من دون نتيجة، فقد كانت من المفترض أن تتم المراجعة الأولى في منتصف مارس الماضي، كما تأجلت المراجعة الثانية التي كان موعدها منتصف سبتمبر، حتى حذر الصندوق من أن الحفاظ على استقرار الجنيه سيؤدي إلى استنزاف النقد الأجنبي من الاقتصاد.
وإذا ما توصلت مصر إلى اتفاق مع الصندوق؛ فإن هذه الخطوة من شأنها ضخ المزيد من الأموال إلى الاقتصاد الذي يعاني من أعمق أزمة منذ عقود. ومن جانبه، قال الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، إنّ الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر حاليا هي أزمة عابرة.
انفراجة قريبة
وأكد خلال مؤتمر صحفي في ختام جولته التفقدية لعدد من المصانع بمدينتي العبور والعاشر من رمضان، السبت، أنّ أزمة العملة الأجنبية ستنتهي قريبا. وشدد على أنّ الأهم يتمثل فيما بعد ذلك، مشيرا إلى أنّ الدرس الذي يجب تعلُّمه من الأزمة هو لابد أن تملك الدولة مقدرات إنتاجها ومنتجاتها بأكبر قدر ممكن.
ونوه بأن الاستثمار الأجنبي المباشر يؤمن بقدرات الدولة المصرية ويستثمر مئات الملايين من الدولارات فيها خلال فترة زمنية قليلة على الرغم من وجود أزمة، لافتا إلى أن هؤلاء المستثمرين على دراية بأن الأزمة الاقتصادية هي أزمة عابرة وتنتهي، كما أنه يثقون في إمكانيات الدولة المصرية وقدراتها.
وارتفع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر خلال عام 2022 إلى 8.9 مليار دولار مقابل 5.2 مليار دولار في 2021، وخلال الربع الأول من العام الحالي 2023، ارتفع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر ليصل إلى حوالي 3.3 مليار دولار، لتحقق مصر المركز الأول على مستوى دول شمال إفريقيا في مؤشر التدفقات الواردة من الاستثمار الأجنبي والأولى عربيًا من حيث نمو الاستثمارات الأجنبية.
لكنّ الخبير الاقتصادي مدحت نافع، يعتبر تصريحات مدبولي “للاستهلاك المحلي أو لشحذ الحالة النفسية، لأنها لم تتضمن حلولا وخطوات واضحة”، مشددا على أنه كان من الضروري أن تكون هناك رؤية أو تصور حافل، على سبيل المثال لمسألة الولاية على الأراضي وحل أزمة الطاقة للصناعات الخفيفة عبر توفير الطاقة بأسعار مناسبة”.
ولفت إلى أن الاقتصاد المصري يعاني أزمات حادة في سعر الصرف وهي أزمة كاشفة وتكشف عن أزمة الإنتاج والإنتاجية، وهذا التفاوت بين سعري الصرف أصبح مدمراً وشالًا لأعصاب ومفاصل الاقتصاد، مضيفا “صحيح الأزمات ستمُرّ، لكن السؤال: ما التكلفة؟ المهم أن تنتهي دون أن تكون تكلفتها باهظة”.
الاحتياطي النقدي
فيما يخص الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة، أوضحت بيانات البنك المركزي المصري أن صافي الاحتياطيات الأجنبية لمصر ارتفع إلى 35.102 مليار دولار في أكتوبر من 34.97 مليار دولار في سبتمبر، بزيادة بقيمة 132 مليون دولار.
وبحسب البيانات السابقة للمركزي، فإن هذه هي المرة الأولى التي تتخطى فيها احتياطيات مصر الأجنبية مستويات الـ 35 مليار دولار منذ مايو من العام 2022.
لكن مصر لم تتمكن حتى الآن من الوفاء بوعودها بالسماح بما وصفه البنك المركزي بنظام سعر الصرف “المرن الدائم”، وهو ما حذرت مديرة صندوق النقد الدولي من تبعاته، قائلة إن البلاد “سوف تستنزف” احتياطياتها الثمينة ما لم تخفض قيمة عملتها مرة أخرى.
تعليقا على دراسة الصندوق زيادة قيمة القرض الذي تحتاج إليه مصر، قال الدكتور فخري الفقى، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إن من الممكن زيادة برنامج القرض بطريقتين: هما التمويل الممدد، أو إتاحة تمويل استثنائي فيما يُعرف بتمويل الصلابة والاستدامة، والذي أتاح الصندوق للدول الأعضاء التي تحتاج إليه الاتفاق على التقديم له.
وأكد أن مصر مؤهلة لذلك، لا سيما أن لديها برنامجًا وسجلًّا جيدًا مع الصندوق، كما أنها لم تتخلف عن سداد التزاماتها تجاهه من قبل. وتدين مصر لصندوق النقد الدولي بنحو 22 مليار دولار، بحسب البنك المركزي، وهي ثاني أكبر مقترض من الصندوق بعد الأرجنتين.
تحدٍ كبير
لكنّ الخبير الاقتصادي علي متولي، يشدد على أنّ موضوع التحول الدائم إلى نظام سعر الصرف المرن يمثل تحديا كبيرا لأنه يواجه مقاومة من المواطنين بعكس التخفيضات المحسوبة للعملة، وهو ما قد يؤجل منح مصر الأموال المطلوبة.
وقال في مقابلة مع قناة العربية “نحن في السيناريو الأساسي نري أن صانع القرار والعديد من المحللين يرون أن قرض صندوق النقد مفيد ولكنه ليس ضروريا بشكل حاسم للاقتصاد المصري في المرحلة الحالية لأن القرض نفسه أو الشريحة المقرر صرفها بعد إتمام شروط المراجعتين الأولى والثانية أقل من مليار دولار، لكن تبعات الاتفاق هي التي كانت مهمة ومصر ما زالت مستفيدة منه حتى الآن بغض النظر عن إتمام المراجعات”.
أما الخبير مدحت نافع، فيرى أن الاتجاه لتحريك سعر الصرف مجددا “سيكون بالغ الصعوبة في الوقت الحالي”؛ لعدة أسباب أهمها ضرورة أن يسبق ذلك ضبط مالي من قبل السياسة المالية والنقدية والتي يجب أن تتحرر من هيمنة المالية العامة، وفي حال عدم وجود خطوات ناجعة قبل ذلك، فسيكون هناك موجة تضخمية عنيفة وغير مسبوقة.
وأشار إلى أن أزمة سعر الصرف ووجود فجوة بين سعر الصرف الرسمي والموازي يعطل بقدر كبير استقبال التدفقات الدولارية، مؤكدا أن الأزمة الدولارية لن تنتهي بالتخارج الحكومي فقط، ولكن بمجموعة من السياسات المتكاملة.
وقال نافع إن صندوق النقد كان سعيدًا بحصيلة بيع الأصول التي وصلت إلى 1.9 مليار دولار في نهاية شهر يونيو الماضي، لافتًا إلى أن الدولة المصرية في حاجة إلى بيع الأصول قبل تحريك سعر الصرف، حتى تستطيع تغطية الفجوة بين سعر السوق السوداء والسوق المصرفي.
يساوي الدولار في السوق المصرفي نحو 31 جنيها، فيما يساوي 51 جنيها في السوق الموازية.