ملفات وحوارات

نادي المقترضين… كيف تخطط الحكومة للنجاة من دوامة الديون؟

تواجه مصر واحدًا من أكثر مواسمها المالية تعقيدًا في ظل تصاعد ضغوط الديون وتنامي كلفة خدمتها، الأمر الذي دفع الحكومة إلى التفكير في أدوات غير تقليدية، من بينها مقترح إنشاء «نادٍ للمقترضين» كآلية دولية للتعامل الجماعي مع أزمة المديونية.

تكشف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة المالية خلال العام المالي الجاري (2025-2026) عن اتساع ملحوظ في العبء المتأتي من فوائد الديون، التي التهمت الإيرادات العامة في الربع الأول بنحو 50 مليار جنيه، بعدما ارتفعت بنسبة 54% لتسجل 695 مليار جنيه، مما رفع العجز الكلي إلى 2.5% من الناتج المحلي مقارنة بـ2.1% للفترة نفسها من العام الماضي.

ولم يختلف المشهد كثيرًا في الأشهر الأربعة الأولى من العام، إذ ارتفع إجمالي الفوائد إلى 899.11 مليار جنيه متجاوزًا الإيرادات بنحو 104%، ومعززًا العجز الكلي إلى 3.2% من الناتج المحلي مقابل 2.6% قبل عام.

وتزامن ذلك مع ارتفاع الدين الخارجي إلى أكثر من 156 مليار دولار، وفق بيانات البنك المركزي، في وقت تشير فيه تقديرات صندوق النقد الدولي إلى ارتفاع مطلق في قيمة الديون الخارجية خلال السنوات المقبلة، وصولًا إلى 202 مليار دولار بحلول يونيو 2030، رغم توقع تراجع نسبي لنسبة الدين إلى الناتج المحلي نتيجة التعويل على توسع اقتصادي متدرج.

نادي المقترضين

وفي خضم هذه الضغوط، أعلن وزير المالية المصري أحمد كجوك أن مصر وعددًا من الشركاء الدوليين يدرسون إنشاء «نادٍ للمقترضين» على مستوى الدول، بهدف توحيد الصوت وتبادل الخبرات وبناء أجندة مشتركة للتعامل مع قضايا الديون.

يؤكد الوزير أن الفكرة لا تخص دولة بعينها، بل تحتاج إلى بناء مؤسسي محكم يضمن استدامة النتائج، مشيرًا إلى أن الحكومة تتبنى منهجًا يقوم على تحويل المديونيات إلى استثمارات تدر عائدًا بدل الإبقاء عليها كأعباء مالية.

وأوضح أن مصر تمتلك بالفعل تجارب ناجحة، وصفها بأنها «بعشرات المليارات من الدولارات»، جرى تنفيذها خلال السنوات الأخيرة، مع التوسع في برامج مبادلة الديون بمشروعات تنموية وبالتعاون مع عدد من الشركاء الدوليين، مضيفًا أن الحكومة تعمل على هيكلة احترافية لهذه الآليات تشمل العرض والتسويق، وأن هناك جهودًا لتحويل بعض القروض التنموية إلى منح تدعم مشروعات البنية الأساسية والتنمية البشرية.

وتلقى المقترح دعمًا مباشرًا من مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة الدكتور محمود محيي الدين، الذي أكد أن إنشاء منتدى أو نادي للمقترضين يمثل إحدى أبرز توصيات لجنة الخبراء التي يرأسها لمعالجة أزمة الديون العالمية.

محيي الدين أوضح أن الآليات الحالية لتسوية المديونيات، ولاسيما التابعة لمجموعة العشرين، تستغرق وقتًا قد يتجاوز السنتين، وتمنع الدول الداخلة فيها من الحصول على تمويل جديد، وهو ما يدفعها إلى تغليب سداد الدين العام على حساب أولويات التعليم والرعاية الصحية.

وكشف أن ثماني دول، من بينها مصر وزامبيا ودول من أمريكا اللاتينية وآسيا، تعمل بالفعل على إعداد هيكل الحوكمة وآليات التشغيل للنادي قبل اجتماعات الربيع المقبلة في واشنطن، مشيرًا إلى أن تبادل المعرفة وتحسين وحدات إدارة الدين وتسريع عمليات إعادة الهيكلة ستكون من مهام المنتدى المقترح.

خطة للسيطرة على الدين

وبينما تتحرك مصر دوليًا لإيجاد مظلة تعاونية، تعمل الحكومة داخليًا على ضبط إيقاع المالية العامة عبر ما وصفه وزير المالية بخطة «للسيطرة على الدين الذي يقيد حركة الاقتصاد بصورة كبيرة».

وخلال اجتماع رئاسي ضم الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير المالية، جرى استعراض الجهود الرامية إلى رفع الفائض الأولي وخفض الدين العام، بالتوازي مع الانتهاء من إعداد استراتيجية خفض الدين على المدى المتوسط.

وأكد السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، أن الرئيس وجّه باستمرار الجهود للحد من التضخم وتحسين الإنتاجية ودعم إجراءات الانضباط المالي بما يسهم في تحسين أداء الاقتصاد المحلي.

وفي السياق نفسه، أعلن وزير الاستثمار حسن الخطيب إعداد خطة لعرضها على رئاسة الوزراء تتضمن الأصول المزمع نقلها إلى صندوق مصر السيادي، بهدف تعظيم العائد منها كجزء من توجه الدولة لتوسيع مصادر التمويل بعيدًا عن الاقتراض.

وتشير بيانات وزارة التخطيط إلى ارتفاع الدين العام إلى 13.3 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر 2024، مقابل 12.5 تريليون بنهاية يونيو، بزيادة 6.5%.

وبينما لم تعلن وزارة المالية بعد النسبة الرسمية للدين إلى الناتج المحلي خلال العام المالي الجاري، تتوقع التقديرات تجاوزه 17 تريليون جنيه، بعدما بلغ الدين 89.6% من الناتج المحلي في نهاية يونيو الماضي.

وتأتي هذه الأرقام بالتزامن مع ضغوط خدمة الدين الخارجي، حيث أظهر تقرير الوضع الخارجي للبنك المركزي أن مصر سددت نحو 30.1 مليار دولار خدمة دين خلال الأشهر التسعة الأولى من 2024-2025، مقابل 23.8 مليار دولار في الفترة نفسها من العام السابق.

وفي الوقت نفسه ارتفعت نسبة الديون قصيرة الأجل إلى 19.2% من إجمالي الدين الخارجي، مقارنة بـ17% سابقًا، مما يعزز الحاجة إلى تمديد آجال السداد وتقليل الاعتماد على التمويل قصير الأجل.

مؤسسات التصنيف.. تراقب

وتتابع مؤسسات التصنيف الائتماني هذا المشهد بكثير من الحذر. فـ«فيتش» ترى أن بقاء الدين الخارجي فوق مستوى 40% من الناتج المحلي يمثل هشاشة مالية تستلزم إجراءات صارمة، بينما تعوّل «موديز» على توسع الطروحات الحكومية وجذب رؤوس أموال طويلة الأجل من مستثمرين خليجيين.

أما «ستاندرد أند بورز» فتشير إلى أن استقرار سعر الصرف وتراجع التضخم من شأنهما تخفيف كلفة خدمة الدين، لكنها تحذر من أي تباطؤ في تنفيذ الإصلاحات المالية.

وتزامن ذلك مع دخول أدوات تمويل جديدة إلى السوق المحلية، إذ طرحت وزارة المالية أول إصدار من الصكوك السيادية المحلية بقيمة 3 مليارات جنيه لأجل ثلاث سنوات، محققًا عائدًا بلغ 21.56%، وسط طلبات اكتتاب تجاوزت أربعة أضعاف القيمة المطروحة، في مؤشر على رغبة المؤسسات المحلية في أدوات استثمارية مرتفعة العائد ومتحوطة المخاطر.

وبينما تراهن الحكومة على زيادة الإيرادات الضريبية، التي ارتفعت بنسبة 37% في الربع الأول إلى 566 مليار جنيه وبنسبة 35% في الأربعة أشهر الأولى إلى 756.7 مليار جنيه، تتأكد الحاجة إلى استمرار الجهود المتعلقة بتوسيع القاعدة الضريبية وتحسين الإدارة المالية والاعتماد على التحول الرقمي، وهي عناصر أكد وزير المالية أنها جزء أساسي من معالجة جذور أزمة الدين، إلى جانب محاولات خلق حيز مالي جديد عبر مبادلة الديون واستقطاب استثمارات أجنبية مباشرة، خصوصًا في ظل بيئة دولية تتسم بارتفاع معدلات الفائدة وصعوبة النفاذ إلى أسواق التمويل الدولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *