
انطلقت صباح أمس الجمعة، الموافق الأول من أغسطس 2025، أولى أيام التصويت في انتخابات مجلس الشيوخ للمصريين المقيمين في الخارج، وتستمر حتى مساء اليوم السبت، في استحقاق ديمقراطي جديد يهدف إلى إثراء الحياة النيابية المصرية بغرفة تشريعية ثانية.
يعمل مجلس الشيوخ كعامل مساعد لمجلس النواب وللسلطة التنفيذية، مقدماً المشورة والرأي المستنير لضمان أن القوانين والسياسات العامة للدولة تصب في نهاية المطاف في الصالح العام وتتوافق مع الدستور ومقومات الدولة الأساسية، حيث تجرى الانتخابات وسط متابعة حثيثة من الهيئة الوطنية للانتخابات التي تشرف على كافة مراحل العملية الانتخابية.
مواعيد وإجراءات التصويت
بدأ المصريون في الخارج الإدلاء بأصواتهم في 136 لجنة فرعية بمقار البعثات الدبلوماسية المصرية حول العالم، وذلك على مدار يومي الجمعة والسبت، الأول والثاني من أغسطس، حيث من المقرر أن ينطلق الماراثون الانتخابي داخل مصر يومي الإثنين والثلاثاء، الرابع والخامس من الشهر ذاته، حيث يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم.
ويشهد السباق الانتخابي تنافسًا قويًا على المقاعد الفردية، حيث يخوض 424 مرشحًا غمار المنافسة على 100 مقعد يتم انتخابهم بهذا النظام، وتتنوع انتماءات هؤلاء المرشحين بين المستقلين والمنتمين لأحزاب سياسية مختلفة، مما يضفي على المنافسة طابعًا من الحيوية والتنوع.
أما على صعيد نظام القائمة، فقد تم حسم المعركة الانتخابية إلى حد كبير لصالح “القائمة الوطنية من أجل مصر”، التي تعد التحالف الانتخابي الأبرز والأوحد في هذا السباق، وتضم في طياتها 12 حزبًا سياسيًا.
وتتنافس هذه القائمة على 100 مقعد مخصصة لهذا النظام موزعة على أربع دوائر انتخابية على مستوى الجمهورية.
ويبلغ إجمالي عدد مرشحي القائمة 200 مرشح، بواقع 100 مرشح أساسي و100 مرشح احتياطي.
ويأتي توزيع المقاعد داخل “القائمة الوطنية” على النحو التالي: حزب مستقبل وطن“ 44 مقعدًا“، حماة الوطن” 19 مقعدًا“، الجبهة الوطنية”12 مقعدًا”، الشعب الجمهوري” 5 مقاعد“، الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي” 5 مقاعد“
، حزب الإصلاح والتنمية”4 مقاعد“، حزب العدل” 4 مقاعد“، التجمع”مقعدان“، حزب الوفد” مقعدان“، حزب المؤتمر”مقعد واحد“، حزب إرادة جيل” مقعد واحد“، حزب الحرية المصري”مقعد واحد“،
وينص قانون مجلس الشيوخ على أن يُشكل المجلس من 300 عضو، يُنتخب ثلثاهم (200 عضو) بواقع 100 بالنظام الفردي و100 بنظام القوائم المغلقة المطلقة، بينما يعين رئيس الجمهورية الثلث الباقي (100 عضو).
تجرى العملية الانتخابية برمتها تحت إشراف قضائي كامل لضمان نزاهتها وشفافيتها. وقد أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات، وهي الجهة المنوط بها إدارة وتنظيم الانتخابات، عن جاهزية 8,825 لجنة فرعية داخل 8,286 مركزًا انتخابيًا على مستوى الجمهورية لاستقبال الناخبين في الداخل، كما يتولى الإشراف المباشر على عمليات الاقتراع والفرز أعضاء من هيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة.
وتتابع الهيئة الوطنية للانتخابات عن كثب سير العملية الانتخابية في الخارج من خلال غرفة عمليات مركزية، مؤكدة على توفير كافة التسهيلات للمواطنين المصريين لممارسة حقهم الدستوري في اختيار ممثليهم في مجلس الشيوخ، الذي يُعد بمثابة صوت الخبرة والعقل المستنير للسلطة التشريعية في مصر.
“بيت الخبرة” للسلطة التشريعية
أُعيد إحياء مجلس الشيوخ بموجب التعديلات الدستورية لعام 2019، ليمثل “بيت خبرة” برلمانية وركيزة أساسية في دعم الدولة وتوسيع دائرة المشاركة الديمقراطية.
لا يُعتبر مجلس الشيوخ غرفة تشريعية ثانية موازية لمجلس النواب، بل هو مجلس ذو طبيعة استشارية تهدف إلى إثراء العملية التشريعية والسياسات العامة للدولة.
وتتركز اختصاصاته المحددة في الدستور والقانون في دراسة وإبداء الرأي (غير المُلزم) في عدد من المسائل الجوهرية، وهي: أولاً الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور: لضمان دراسة متعمقة لأي تعديل على الوثيقة الأسمى للدولة.
بالإضافة لمشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، حيث يقدم المجلس رؤيته وخبراته حول خطط الدولة المستقبلية لضمان تحقيقها أهدافها التنموية، بجانب
معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة: نظراً لأهميتها القصوى في رسم علاقات مصر الخارجية والحفاظ على سيادتها الوطنية.
ومشروعات القوانين المكملة للدستور: وهي القوانين التي تتطلب طبيعة خاصة في إصدارها، ويضمن تدخل مجلس الشيوخ مزيدًا من الدقة والضبط في صياغتها، ومشروعات القوانين التي يحيلها إليه رئيس الجمهورية أو مجلس النواب، للاستفادة من الخبرات المتنوعة لأعضاء المجلس في دراسة تشريعات معينة قبل إقرارها النهائي من مجلس النواب.
كما يبدى رأيه ما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها في الشؤون العربية أو الخارجية لأخذ رأيه فيها.
وتكمن أهمية وجود مجلس الشيوخ في كونه يمثل ضمانة لعدم التسرع في إصدار التشريعات، ويمنح مساحة أوسع للنقاش الفني والسياسي المتعمق بعيداً عن الضغوط السياسية اليومية.
ويهدف تشكيله، الذي يجمع بين الانتخاب والتعيين، إلى ضم قامات وطنية وشخصيات عامة وخبراء متخصصين في شتى المجالات، ممن قد لا يخوضون عادةً غمار الانتخابات التنافسية، مما يثري الحياة النيابية ويضمن تمثيلاً أوسع لمختلف فئات المجتمع وخبراته.