لا تزال وزارة التربية والتعليم ونقابة المعلمين تلتزمان الصمت إزاءَ الجدل المثار حول استبعاد بعض المشاركات في مسابقة الثلاثين ألف معلم، بسبب الوزن الزائد أو الحمل.
حتى إنّ الوزير الدكتور رضا حجازي، لم يتطرق من بعيد أو قريب إلى الموضوع، خلال كلمة ألقاها اليوم الأحد، في ملتقى عن “تطوير المناهج”، بالتعاون مع منظمة “يونيسف”، على الرغم من تقدم عدد من النواب بأكثر من طلب إحاطة، في مقدمتهم الإعلامي البارز مصطفى بكري، يطالبون الوزير بالتراجع عن هذا الإجراء لما ينطوي عليه من ظلم.
النائب مصطفى بكري، في طلب الإحاطة العاجل الذي قدمه، قال إن قرار استبعاد المتقدمات من السيدات الحوامل وصاحبات الوزن الزائد، أمر ترتب عليه حرمان الآلاف من المتسابقات من توقیع عقود العمل، بالرغم من أن هذه الشروط لا تعوق عملهم بأي حال من الأحوال. وفي تصريحات متلفزة، أعرب بكري عن استغرابه القرار، فقد ظن الجميع أن معايير الاختيار للمعلمين متعلقة بالكفاءة، لكن فوجئ الكثيرون بأن أصحاب الوزن الزائد والحوامل ممنوعون من استكمال المسابقة، وفق قوله.
الكفاءة أهم من شرطين فيهما ظلم كبير
وتمنى بكري على وزير التعليم التراجع عن القرار، متسائلا عما يعنيه استبعاد سيدة حامل، خصوصا أنها ستلد، لكن ستكون الفرصة قد ضاعت عليها، كما تساءل عن علاقة الوزن الزائد بالتدريس، مضيفا أن بإمكان زائد الوزن أن يفقد وزنه. وأكد أنه طالب الوزير في طلب الإحاطة الذي قدمه بأن يتراجع، وأن تكون المعايير الخاصة بالكفاءة هي الأساس، لأن “هذين الشرطين فيهما ظلم كبير”، على حد تعبيره.
أما النائبة حنان حسني يشار، عضوة لجنة التعليم والبحث العلمي، قد ذكرت في سؤال موجه لوزير التعليم، إن استبعاد الكثير من المتقدمات بسبب الوزن الزائد (السمنة)، بعد اجتياز كل التدريبات والاختبارات على مدار سنة كاملة في مسابقة ليس لها ميزانية من الأساس، هو أمر يخالف القانون والدستور، الأهم التركيز على مدى كفاءة الجوانب العقلية والمعرفية والشخصية واللياقة الصحية للمعلم والمهارات التي يتمتع بها، لأنها أساس العملية التعليمية.
وفي برنامج “آخر النهار”، قال الإعلامي محمد الباز، إن مآلات هذا القرار على الأرض مؤذية، على الرغم من نبل مقاصده، وهذا لا يرضى الرئيس ولا رئيس الوزراء”. وتابع: “هذا القرار لا يمكن أن يتحمل رضا حجازي مسئوليته بمفرده” معتبرا أن استبعاد مدرس كفء ناجح في كل الاختبارات الرياضية والنفسية، والأمور المعرفية، لأن وزنه زائد، “بمثابة إصدار حكم بالإعدام على أصحاب الوزن الزائد”.
ونيابة عن “كل المدرسين الذين أهانهم الوزير وأزعجهم”، طالب الباز بالتراجع عن القرار، مقترحًا أن تساعدهم الدولة في فقدان أوزانهم، فهم يريدون أن يكونوا أصحاء، بدلا من استبعادهم، لأنه قرار مؤذٍ جدًا، ويدمر حياتهم”.
السمنة تؤثر في الأمن القومي
ويعيد هذا الإجراء، تصريحات سابقة للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى دائرة الضوء؛ على نحوٍ يشي بأن هناك علاقة ما؛ فقد سبق أن تناول الرئيس مسألة زيادة الوزن لدى آلاف المواطنين من منطلق أنها تؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي للبلاد. وشدد الرئيس في رسالة وجهها لخريجي الدفعة الأولى من كلية الطب للقوات المسلحة عام 2019، على أهمية مراقبة الأكل وأن تَعُمَّ هذه الثقافة أنحاء مصر، قائلا: “سينعكس ذلك على الأمن القومي المصري بشكل كبير”.
وتطرّق الرئيس إلى تلك المسألة بناءً على ما أظهرته حملة “100 مليون صحة” التي أطلقتها الدولة في كل المحافظات، إذ اتضح منها أن “عددا كبيرا جدا أوزانهم زائدة”. وفي أكثر من مناسبة تحدث الرئيس عن مشكلة السمنة والوزن الزائد في مصر، على نحوٍ يظهر اهتماما شخصيا منه بهذه المشكلة، فقد نبّه إلى أن 75 % من المواطنين يعانون السمنة، فيما تُقدّرُ نسبة أصحاب الأوزان الطبيعية وما أقل بـ25 %، فقط. كما لفت الرئيس إلى أنه حين يلاحظ عاملا زائد الوزن، فإنه يعلم أن هذا العامل لا يؤدي عمله كما هو مطلوب، وإلا لكان نحيفا.
ومما يُبرز اهتمام الرئيس بالأمر، أنه علّق خلال مشاركته في ندوة “كيف نبني قادة المستقبل” في منتدى شباب العالم، عام 2018، على أوزان بعض طلاب الجامعات الذين ظهروا في أحد التقارير المصورة. وقال إن “الشباب لن يستطيع أن يؤدي أعماله ومهامه بوزنه الزائد. فلا بد أن تقل أوزان الأولاد والبنات في الجامعة. يجب أن يخسروا نصف أوزانهم”. كما شدد الرئيس على أن هناك حاجة إلى برنامج يمكن أن تكون الرياضة فيه جزءا من الشهادة الدراسية “كي ينزل الآباء ويمارسوا الرياضة مع أبنائهم”.
وتعد مصر من البلدان التي تنتشر فيها معدلات سمنة عالية، وفقا لمنظمة الصحة العالمية. وقد ألقى الرئيس باللوم على مركبات “التوك توك” بعدما صار الناس يستقلونها في مسافات لا تزيد على مئة متر، مشددا على ضرورة أن يعتاد المواطن المشي، وألا يلجأ إلى استقلال وسائل المواصلات إلا إذا كانت المسافة فوق كيلو متر، ما دامت الصحة بخير.
ولما أثارت تعليقات الرئيس على مسألة السمنة بعض الجدل، حرص على الرد متسائلا “هل أسخر من أهلي؟ المصريون هم أهلي لكن (…) هل من الأفضل أن أراهم وأنظر إليهم وأبقى ساكتا؟ أم نتوجه إلى المدارس مع غيري من المسؤولين لكي أطمئن على أولادي؟ أولاد مصر هم مستقبلها”. وأضاف “لما أتكلم عن ذلك فلأنها ظاهرة يعني معناها أن العدد كبير”.
وفي مايو الماضي، تداول مستخدمو مواقع التواصل، صورًا لمجموعة من المعلمين والمعلمات الفائزين في مسابقة الـ30 ألف معلم، وهم يقومون بعمليات إحماء خلال تدريبات بدنية، ما أثار جدلا واسعا. وتعليقا على ذلك، أكد وزير التعليم أهمية تلك التدريبات للمعلمين الجدد، وأهمية رفع اللياقة البدنية والذهنية لهم. كما أكد الوزير أن ممارسة الرياضة ستعود على صحة المعلمين الجدد، وتفيدهم جسديا وعقليا، ليكونوا قادرين على أداء عملهم على الوجه الأكمل ورفع وعيهم الصحي.
عجز كبير والرواتب أبرز التحديات
تعاني مصر عجزا يبلغ 400 ألف معلم في مختلف التخصصات، وفقا لنقيب المعلمين خلف الزناتي، وهو تصريح يخالف تصريحا لوزير التعليم الأسبق الهلالي الشربيني، الذي قال إن “هناك مليون و300 ألف معلم وإدراي على رأس المنظومة التعليمية بمصر، وهذا يعنى أننا لا نعاني نقصا في المعلمين، إذ يوجد لدينا 450 ألف فصل، وإذا التزمنا بالمعدل العالمي، فسنحتاج إلى 900 ألف معلم فقط بواقع اثنين لكل فصل وهذا يؤكد أننا لسنا في حاجة إلى معلمين”.
وسبق أن قال الوزير السابق طارق شوقي، إن المثبت على الورق أن في مصر مليونا و300 ألف معلم، لكن هناك نحو 800 إلى 900 ألف معلم منهم يمارسون المهنة على أرض الواقع، لكنّ هناك 400 ألف آخرين لا يمارسون المهنة.
وانطلقت من أجل تعويض العجز، مبادرة رئاسية لتعيين 150 ألف معلم على مدار خمس سنوات بواقع 30 ألف معلم سنويًا، حيث يتم انتقاء المعلمين عن طريق اختبار المعلم في خمسة مكونات أساسية هي: المكون المعرفي والتربوي والسلوكي واللغوي والاتصالات. ومن بين 140 ألف متقدم، كانت أوراق 95 ألفا سليمة، ما أهّلهم لمرحلة الاختبار بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، الأمر الذي انتهى بنجاح 28 ألفا منهم. وقد أكدت وزارة التعليم أن ذلك يؤكد أنه لا مجال للواسطة أو المحسوبية في تعيين المعلمين نتيجة للحوكمة. وقال المتحدث باسم الوزارة شادي زلطة، إن الاختبارات تمت بشكل إلكتروني دون تدخل العنصر البشري تبعا لآليات شفافة واضحة.
غير أن تعيين المدرسين في حد ذاته، ترافقه تساؤلات عن الرواتب، وهي مسألة أثارتها نقابة المهن التعليمية، التي أكدت أنه لإحداث تطوير بمنظومة التعليم، لابد أن تكون البداية بزيادة رواتب المعلمين، موضحة أن هناك أكثر من 400 ألف معلم، تقل مرتباتهم عن 1500 جنيه. وأوضحت النقابة أن تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أكد أن أقل رواتب في الدولة هي رواتب المعلمين.
لكن تصريحات لوزير التعليم السابق، طارق شوقي، تلقي الضوء على حجم هذه المشكلة مع الأزمة الاقتصادية التي تواجهها الدولة، فقد قال إن زيادة مئة جنيه فقط لكل معلم، تساوي مليار جنيه في الموازنة، وزيادة 500 جنيه فهذا يساوي 5 مليارات جنيه في الموازنة. وأضاف “نحن نتحدث عن 10 مليارات جنيه لزيادة الرواتب مثلا ومع ذلك لن يُعجب ذلك المدرسين، وحتى يكون المعلمون معنا في الصورة، نذكر هذه الحسبة دون ضرائب أو خصومات، ونضربها في 800 ألف معلم فقط” متسائلا “من أين آتي بهذه المليارات كلها؟”، ما يشير إلى حجم العبء الذي تتحمله الدولة في سبيل تحسين أحوال المعلمين، الذين هم عصب العملية التعليمية.