أوقفت البنوك المصرية بطاقات الخصم بالجنيه المصري في الخارج لوقف استنزاف العملات الأجنبية مع تفاقم نقص العملة في البلاد، حيث شهدت الفترة الأخيرة استخدام عدد كبير من حاملي بطاقات الخصم المباشر لإجراء عمليات شراء بكميات كبيرة للذهب والهواتف المحمولة وغيرها من المنتجات للاستفادة من انخفاض سعر الصرف الرسمي للجنيه المصري.
ووجه البنك المركزي المصري، البنوك بوقف استخدام “بطاقات الخصم المباشر” للعملاء في الخارج، على أن يقتصر استخدامها داخل مصر فقط، دون أن يُحدد الفترة الزمنية للعمل بهذا التوجيه.
تأتي التعليمات الشفهية للبنوك، في وقت تعاني فيه البلاد من شح واضح في العملة الصعبة، على الرغم من تخفيض مصر قيمة الجنيه ثلاث مرات منذ بداية 2022 وفقدانه ما يقرب من نصف قيمته أمام الدولار.
ولجأت البنوك وشركات الصرافة في الأشهر الماضية إلى تقليص مقدار العملة الأجنبية التي تبيعها للعملاء عند السفر، كما خفضت البنوك المبلغ الذي يمكن للعملاء الشراء به من بطاقاتهم الائتمانية أثناء وجودهم بالخارج.
ويعتمد العملاء في مصر بشكل أساسي على البطاقات البنكية في أغلب معاملاتهم، إذ وصل عدد بطاقات الدفع الإلكتروني بالبنوك إلى 59.98 مليون بطاقة بنهاية يونيو 2023، منها 30.3 مليون بطاقة مدفوعة مقدمًا، و 24.4 مليون كارت خصم، و 5.2 مليون بطاقة ائتمان.
كما يأتي هذا بعد نحو 9 أشهر من قرار البنك المركزي الصادر بنهاية العام الماضي، والذي أشار إلى وجود استخدامات لبعض البطاقات الائتمانية وبطاقات الخصم المباشر في عمليات خارج مصر، على الرغم من تواجد العملاء حائزي البطاقات داخل البلاد، وكذا إساءة استخدام تلك البطاقات، بالإضافة إلى تدبير العملة لبعض العملاء بغرض السفر للخارج والذين يتضح لاحقًا عدم مغادرتهم البلاد.
وقال الخبير المصرفي هاني ابو الفتوح، أن البنك المركزي المصري يستهدف من هذه الخطوة الحد من مسحوبات النقد الأجنبي، حيث أن المعاملات ببطاقات الخصم تحسب بالسعر الرسمي البالغ نحو 31 جنيها للدولار، بينما سعر صرف الدولار في السوق السوداء للعملة يبلغ بنحو 40 أو 41 جنيها.
وتابع ابو الفتوح أن هذا القرار يأتي في ظل أزمة اقتصادية تعاني منها البلاد، حيث يعاني الاقتصاد المصري من نقص حاد في العملات الأجنبية.
وأوضح الخبير المصرفي إيجابيات القرار والتي تشمل الحد من استنزاف العملات الأجنبية، حيث كان بعض الأشخاص يستخدمون بطاقات الخصم المباشر لإجراء عمليات شراء مكثف لبضائع مرتفعة القيمة في الخارج أو السحب النقدي المتكرر و استخدام بطاقات متعددة في ذلك.
وأكد أنه من ناحية أخرى سيكون لهذا القرار سلبيات تشمل التأثير على قطاعات الأعمال و الأفراد الذين لهم احتياجات مشروعة لاستخدام العملة الأجنبية، حيث سيواجهون صعوبات في إجراء عمليات الشراء وسداد الالتزامات المختلفة مثل سداد رسوم الامتحانات والشهادات الدولية، ورسوم التطبيقات الإلكترونية والبرمجيات واستضافة المواقع و الإعلانات الممولة و العلاج وغيرها من المدفوعات التي يصعب حصرها على وجه الدقة .
ولفت إلي أن هذا القرار سيزيد من تكلفة السفر، حيث يضطر المسافرون المصريون إلى استخدام بطاقات الائتمان أو الدفع نقدًا في الخارج بعد اللجوء إلى السوق السوداء في ضوء صعوبة الحصول على العملة الأجنبية من البنوك ومكاتب الصرافة.
واقترح ابو الفتوح أن يتم وضع ضوابط صارمة على استخدام بطاقات الخصم المباشر في الخارج ومعاقبة الذين يستخدمون البطاقات بطريقة سيئة وغير مشروعة بدلا من حرمان حاملي البطاقات الأخرين من الاستخدام المشروع، حيث يمكن استخدام الحلول التكنولوجية التي تُراقب اساءه الاستخدام إلى جانب تحديد الحد الأقصى للمبلغ المسموح به في كل عملية شراء أو السحب المتكرر أو المتزامن، كما نوصي بأن يتم توفير البدائل للقطاعات والأفراد المتضررين من القرار.
من جانبه كشف خالد إبراهيم، رئيس مجلس إدارة غرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات CIT راعي الصناعة الرقمية، ان الغرفة طالبت باجتماع عاجل مع محافظ البنك المركزي المصرى لبحث وتوضيح الآثار بالغة السلبية على الشركات المصرية والاقتصاد المصري لقرار وقف التعاملات بالعملة الأجنبية لبطاقات الخصم المباشر على شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وأشار الى إن تطبيق هذه القرارات على شركات تكنولوجيا المعلومات سوف يؤدي إلى زيادة انتقال مراكز أعمال والمراكز الرئيسية للعديد من الشركات المصرية إلى الدول المجاورة التي تقدم تسهيلات وحزم حوافز متكاملة لجذب الاستثمارات في هذا المجال وتكوين صناعة تكنولوجيا معلومات واتصالات قوية في دولها لسحب البساط من الصناعة المصرية في هذا المجال ونقل مركز الثقل لهذه الصناعة خارج مصر، كما سيؤدي انتقال مراكز الشركات من مصر إلى دول أخرى بطريقة مباشرة إلى تدهور ترتيب مصر في العديد من المؤشرات الدولية سواء المتعلقة بالأعمال او المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وأكدت الخبيرة المصرفية الدكتورة سهر الدماطي أن قرار وقف التعاملات على بطاقات الخصم المباشر خارج البلاد هو قرار صائب في ظل الحاجة الماسة للدولار لاستخدامه في السلع الاستراتيجية ولمنع سوء استخدام بعض حاملي تلك البطاقات في شراء سلع غير أساسية والضغط على قيمة الدولار.
وأضافت أنه تم رصد عدد من حاملي تلك البطاقات وهم يستغلون الفروقات في أسعار صرف الدولار بين السوق الرسمية والسوق الموازية لشراء كميات كبيرة من الذهب والهواتف المحمولة. وأكدت أنه تم اتخاذ نفس القرار في عام 2016 عندما تم تعويم سعر الدولار أمام الجنيه.
وأشارت إلى أن المصانع والشركات تحتاج إلى الدولار لاستيراد المواد الخام والسلع الأساسية التي يحتاجها المواطن المصري، وهذا يعتبر التزامًا من الحكومة لتوفير تلك السلع. وبالتالي، فالقرار يأتي استجابة لتوجيهات البنك المركزي للحد من استهلاك الدولار والنقد الأجنبي في شراء سلع غير أساسية، وذلك نظرًا للحاجة الضرورية للنقد الأجنبي لتوفير السلع الأساسية والاستراتيجية.
ومن جانبه أكد الخبير المصرفي محمد عبدالعال أن القرار يستهدف الحد من استهلاك الدولار والنقد الأجنبي غير المبرر في شراء سلع تكميلية وغير أساسية، وذلك في ظل الحاجة الماسة للدولار لتوفير السلع الأساسية والاستراتيجية. وأشار إلى أنه في الفترة الماضية، استغل العديد من حاملي بطاقات الخصم تلك في استيراد سلع للتجارة والبيع، مما أثر بشكل كبير على نقص الاحتياطيات الأجنبية.
وأوضح أن القرار يشمل فقط بطاقات الخصم المباشر المرتبطة بحسابات العملاء بالجنيه المصري، سواء في السحب النقدي من أجهزة الصراف الآلي بالخارج أو في عمليات الشراء من المحلات التجارية، ومع ذلك يسمح لاستخدام البطاقات الائتمانية الأخرى بشرط وضع ضوابط صارمة تشمل وضع حدود قصوى للسحب النقدي بها.