
لجنة أزمات وخطة طوارئ لحماية الأسواق..
بينما يتصاعد التوتر العسكري بين إيران وإسرائيل، تتجه أنظار العالم إلى التداعيات المتسارعة لهذا الصراع على الأسواق العالمية، وفي القلب منها مصر، التي تجد نفسها مرة أخرى في مواجهة ضغوط جيوسياسية تفرض أولويات جديدة وتعيد صياغة أجندتها الاقتصادية.
من جهته، أصدر الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، قراراً بتشكيل لجنة أزمات برئاسته، لمتابعة تداعيات العمليات العسكرية الإيرانية ـ الإسرائيلية، بما يُسهم في الاستعداد لأي مُستجدات بمختلف القطاعات.
وصرح المستشار محمد الحمصاني، المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء، بأن لجنة الأزمات تضم في عضويتها: محافظ البنك المركزي، ووزراء: الصناعة، والتخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، والكهرباء والطاقة المتجددة، والمالية، والتموين والتجارة الداخلية، والبترول والثروة المعدنية، بالإضافة إلى مُمثلي وزارة الدفاع، والداخلية، وممثلي جهاز المخابرات العامة، وهيئة الرقابة الإدارية.
وأعلنت وزارة البترول، تفعيل “خطة الطوارئ” المُعدة مسبقا، والخاصة بأولويات الإمداد بالغاز الطبيعي، “نظرًا للأعمال العسكرية التي نشبت بالمنطقة وتوقف إمدادات الغاز من الشرق”.
وأعلنت الوزارة في بيان إيقاف إمدادات الغاز الطبيعي لبعض الأنشطة الصناعية، “نظرا للأعمال العسكرية التي نشبت بالمنطقة وتوقف إمدادات الغاز من الشرق، كما أعلنت رفع استهلاك محطات الكهرباء للمازوت إلى أقصى كمية متاحة والتنسيق لتشغيل بعض المحطات بالسولار، وذلك في إجراء احترازي حفاظا على استقرار شبكة الغاز الطبيعي وعدم اللجوء لتخفيف أحمال شبكة الكهرباء، ترقبا لإعادة ضخ الغاز الطبيعي من الشرق مرة أخرى.
ورغم أن الصراع لم يمتد جغرافيًا إلى الأراضي المصرية، بدأت التأثيرات غير المباشرة في الظهور على أكثر من صعيد، من أسعار الطاقة والتأمين، إلى حركة التجارة والملاحة والاستثمار، مرورًا بقطاعات حيوية مثل السياحة والصناعة، ووصولًا إلى سياسات الدولة المالية والنقدية.
وفق ما أكده أحمد زكي، أمين عام شعبة المصدرين باتحاد الغرف التجارية، فإن أي حرب سياسية بهذا الحجم، خصوصًا عندما تضم أطرافًا إقليمية وازنة كإيران وإسرائيل، تكون لها ارتدادات مباشرة على الاقتصاد العالمي، وهو ما بدأ بالفعل في الأسواق، من ارتفاع أسعار النفط إلى اضطراب سلاسل التوريد.
ويشير زكي إلى أن مصر، وإن كانت ستتأثر بشكل طبيعي بهذه التطورات، فإن تأثيرها سيكون محدودًا نسبيًا مقارنة بدول تعتمد بشكل كامل على الطاقة المستوردة، موضحًا أن اعتماد مصر على مزيج من مصادر الطاقة، وعلى رأسها الغاز الطبيعي، يوفر لها هامشًا أكبر من المرونة. ومع ذلك، فإن استمرار التوتر من شأنه أن يضغط على ميزان المدفوعات المصري، وعلى الموازنة العامة للدولة.
وفي تقدير أكثر تفصيلًا، يقول الدكتور عبد المنعم السيد، رئيس مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن الحرب قد تتسبب في خسائر مباشرة وغير مباشرة للاقتصاد المصري، تبدأ بتراجع إيرادات قناة السويس التي قد تنخفض بأكثر من 60% حال اتساع رقعة الصراع في البحر الأحمر، وهو ما يمثل ضربة موجعة لأحد أهم مصادر العملة الصعبة.
كما أن قطاع السياحة، الذي بدأ يتعافى تدريجيًا خلال العامين الماضيين، بات مهددًا بتقلبات جديدة، خاصة في مناطق مثل شرم الشيخ ودهب وطابا، القريبة نسبيًا من بؤر التوتر، حيث تم إلغاء العديد من الحجوزات مؤخرًا.
وفي السياق ذاته، أدى اضطراب إمدادات الغاز -نتيجة توقف صادرات الغاز الإسرائيلي- إلى نقص في كميات الوقود اللازمة للمصانع، وتقليص أحمال الكهرباء، ما أثر سلبًا على عدد من القطاعات الإنتاجية.
ومع ارتفاع أسعار النفط العالمية إلى مستويات قاربت 90 دولارًا للبرميل، وتحذيرات من تجاوزها حاجز 100 دولار إذا طال أمد الحرب، تتزايد المخاوف من موجة تضخمية جديدة قد تضرب الاقتصاد العالمي، ومصر ضمنه. ويُشير السيد إلى أن كل زيادة بنسبة 10% في أسعار النفط تُترجم عادة إلى ارتفاع في معدل التضخم العالمي بواقع 0.2 نقطة مئوية، وهو ما يهدد مكاسب الاستقرار النسبي التي حققها البنك المركزي المصري في الأشهر الأخيرة.
ولا تتوقف التداعيات عند هذا الحد، فأسواق الشحن والتأمين العالمية بدأت فعليًا في رفع أسعارها، حيث ارتفعت عقود الشحن الآجلة بنسبة 15%، وارتفعت أسعار التأمين على السفن المارة عبر الخليج، وهو ما ينعكس في نهاية المطاف على أسعار السلع المستوردة، ويزيد الأعباء على المستهلك المصري.
في ضوء هذه التحديات، تجد الحكومة نفسها أمام خيارات ضيقة، إذ بات عليها التوفيق بين إدارة الأزمة الحالية ومواصلة برنامج الإصلاح الاقتصادي. ويطالب الخبراء باتباع سياسات مالية أكثر انضباطًا، تشمل إعادة هيكلة الدعم، وترشيد الإنفاق العام، وزيادة المخزون الاستراتيجي من السلع، خاصة مع اقتراب بداية العام المالي الجديد في يوليو 2025.
من جهته، يعتقد الخبير المصرفي محمد عبد العال، أن الحكومة بكل أجهزتها واعية تماما للدروس السابقة التي لازمت الصدمات الخارجية السابقة مثل كورونا والحرب الروسية الأوكرانية والحرب الاسرائيلية على غزة، ولديها خبرة التعامل في ظل اقتصاد الحرب واقتصاد الأزمة، وأنها اتخذت فعلا أقصى الإجراءات الممكنة، وتسلحت بإجراءات استباقية لتعزيز أمن إمداداتها، وتنويع مصادرها، وتفعيل استراتيجياتها الاقتصادية لمواجهة الآثار المحتملة، وأضاف أن أحد أهم المخاوف من تصاعد وتعمق الصراع هو التأثير السلبي المحتمل على قرارات المستثمرين وإضعاف قدرتهم على تحمل المخاطر، والتأثير السلبي على قطاع السياحة، أحد أهم مصادر النقد الأجنبي.