بعد سنوات اتسمت بالاضطرابات العنيفة التي أصابت الاقتصاد العالمي- من جائحة كورونا إلى الحرب الروسية/ الأوكرانية-، مرورًا بارتفاع أسعار الطاقة وتقلبات سعر الصرف، بدأ قطاع الغزل والنسيج المصري يستعيد توازنه تدريجيًا خلال عامَي 2024 و2025، ورغم أن التحديات لم تتلاشَ بالكامل، إلا أن المؤشرات الحالية تكشف عن مسار تعافٍ مستدام يعتمد على سياسات حكومية أكثر مرونة، واستثمارات ضخمة في البنية الإنتاجية، وتحولات جوهرية في سلاسل الإمداد العالمية تدفع الشركات الأجنبية لإعادة التموضع واختيار مصر كمركز إنتاجي بديل وأكثر استقرارًا.
شهد قطاع الغزل والنسيج المصري خلال العامين الأخيرين بوادر انتعاش واضحة، بعد فترة طويلة من الضغوط التي شملت ارتفاع تكلفة الطاقة والمواد الخام وتراجع الطلب الخارجي. ورغم ذلك، تمكنت الصناعة، التي تُعد إحدى أهم قلاع التشغيل والصادرات المصرية، من إعادة بناء جزء كبير من قدرتها الإنتاجية عبر سياسات حكومية داعمة واستثمارات جديدة في خطوط الإنتاج.
ويمضي قطاع الغزل والنسيج المصري يمضي بخطوات ثابتة نحو تعافٍ حقيقي، مستفيدًا من موقعه الجغرافي، واتفاقيات التجارة الدولية، وبرامج الدعم الحكومية، وتحديث المصانع. ورغم التحديات، يرى المستثمرون أن الصناعة أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء سلسلة قيمة تنافسية عالميًا، تعزز الاعتماد على القطن المصري وترفع القيمة المضافة للصادرات، وتعيد مصر إلى موقعها الطبيعي على خريطة النسيج العالمية.
ضغوط الطاقة وارتفاع الخامات
لم يكن طريق التعافي ممهدًا، فارتفاع تكلفة الطاقة ما زال يمثل تحديًا رئيسيًا للمصانع. وقد أكد المهندس محمد عبد السلام، رئيس غرفة الملابس الجاهزة، أن أسعار الطاقة ارتفعت بنحو 22% خلال عام واحد، وهو ما أثّر مباشرة على تكلفة الإنتاج، خاصة لدى المصانع الصغيرة والمتوسطة.
وفي المقابل، لعب برنامج دعم الصادرات دورًا محوريًا في تخفيف حدة الأزمة، إذ ساعد -بحسب بيانات وزارة التجارة والاستثمار- على توفير سيولة للمصانع ودعم قدرتها على دخول أسواق جديدة وتعويض ارتفاع التكلفة.
وفي الوقت نفسه، سجلت أسعار القطن العالمية ارتفاعًا بنحو 17% منذ عام 2022، وفق تقرير منظمة التجارة العالمية الصادر في مايو 2025. وبما أن مصر تعتمد على استيراد ما يقرب من 40 إلى 45% من احتياجاتها من القطن قصير التيلة، انعكس هذا الارتفاع على السوق المحلي، ما دفع العديد من الشركات لإعادة تقييم استراتيجيات شراء الخامات وإدارة المخزون.
نماذج شركات ناجحة
تُعد شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى أحد أبرز النماذج الدالة على قدرة القطاع على النهوض من جديد، فقد دخلت الشركة مرحلة تشغيل جديدة بعد تحديث خطوط إنتاجها بتكنولوجيا حديثة ضمن خطة التطوير الحكومية، بطاقة تصل إلى 182 ألف مردن وباستثمارات تجاوزت 21 مليار جنيه.
ونقلت الشركة طفرات الجودة إلى الأسواق الأوروبية، حيث ارتفعت تعاقداتها في إيطاليا وإسبانيا بنسبة 25% بنهاية 2024، إلى جانب تقليل الفاقد في الإنتاج بنسبة 18%.
وفي جنوب مصر، اتخذت شركة كوم أمبو للنسيج مسارًا استراتيجيًا بالدخول إلى مجال القطن العضوي المخصص للتصدير، ما فتح أمامها أبواب السوق الألماني البالغ الحساسية بيئيًا. ووفق إدارة الشركة، ارتفعت صادراتها إلى أوروبا بنحو 40% خلال 2024–2025.
أما في قطاع الملابس الجاهزة، فقد لعب إعادة فتح السوقين السعودي والإماراتي دورًا مهمًا في دعم كبار المصدّرين. ويؤكد هاني الصفتي، عضو المجلس التصديري للملابس الجاهزة، أن صادرات القطاع إلى الخليج ارتفعت 18% خلال 2024 مدفوعة بتحسن الجودة وزيادة الإنتاج بأسعار تنافسية.
تحديات
ورغم التحسن الملحوظ، يظل الاعتماد الكبير على استيراد الخامات -الذي تتجاوز قيمته 2.5 مليار دولار سنويًا من الصين وحدها- من أكبر التحديات التي تجعل الصناعة عرضة لتقلبات الأسعار العالمية، كما يشكل ارتفاع تكاليف النقل والطاقة عالميًا ضغوطًا إضافية على المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة.
ويرى الخبراء، أن تعميق التصنيع المحلي وزيادة القيمة المضافة يُعدان ضرورة ملحة، وليس خيارًا، لضمان استدامة النمو في قطاع الغزل والنسيج.
أسواق جديدة واستثمارات أجنبية
سجلت الصادرات المصرية توسعًا كبيرًا في أسواق أفريقيا وآسيا، إذ ارتفعت الصادرات إلى كينيا وتنزانيا ونيجيريا بنسبة 22% بين 2024 و2025، كما بدأت مفاوضات لفتح أسواق في فيتنام وإندونيسيا من خلال اتفاقات شحن تفضيلية.
كما ضخت شركات تركية وآسيوية استثمارات جديدة أدخلت تقنيات متطورة رفعت جودة المنتج المصري وزادت قدرته على المنافسة عالميًا. وحصلت مصانع مصرية على عقود إنتاج لشركات أمريكية بنسبة زيادة بلغت 30% خلال 2024.
وحققت صادرات القطاع 577 مليون دولار في النصف الأول من 2025 مقابل 538 مليون دولار في الفترة نفسها من 2024، بنمو 7%. أما صادرات الملابس الجاهزة فقد بلغت 1.939 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من 2025 مقارنة بـ 1.539 مليار دولار قبل عام، بنسبة نمو 26%.





