شهد قطاع التعليم الخاص والدولي في مصر تطورًا ملحوظًا خلال العقود الماضية، حيث بات يلعب دورًا مهمًا في تقديم خدمات تعليمية تتسم بالتنوع وتلبي تطلعات شرائح مختلفة من المجتمع. ومع ذلك، أصبح هذا القطاع يواجه تحديات متزايدة ترتبط بغياب الضوابط الفعالة، مما أثر سلبًا على مستوى الثقة بين الأطراف المعنية كأولياء الأمور والطلاب وإدارات المدارس.
وتأتي هذه التحديات في سياق تحولات اقتصادية واجتماعية طرحت متطلبات جديدة على المؤسسات التعليمية، لكنها كشفت أيضًا عن ثغرات في الإطار التنظيمي لهذه المدارس. فقد ساهمت التشريعات القديمة والرقابة المحدودة في تمكين بعض المدارس من تبني سياسات مالية وإدارية لا تخضع لمعايير واضحة، وهو ما أثار تساؤلات حول مدى التزامها بدورها التربوي والمجتمعي.
يتزامن ذلك مع تصاعد الشكاوى من قِبل أولياء الأمور بشأن الممارسات المالية، كالزيادات غير المبررة في المصروفات، إلى جانب قضايا أخرى تتعلق بجودة التعليم، أوضاع المعلمين، والعدالة في تقديم الخدمات التعليمية. في ظل هذا المشهد، تبرز أهمية إعادة النظر في العلاقة بين وزارة التربية والتعليم والمدارس الخاصة والدولية من أجل ضبط الإطار العام بما يحقق مصلحة كافة الأطراف المعنية.
وفي هذا الإطار، قالت رودي نبيل، مؤسس معا لغد مشرق التعليمي وادمن جروب حوار مجتمعي تربوي، لـ”البورصجية”، ان
أصبحت المدارس الخاصة والدولية في مصر تحديًا متزايدًا للمنظومة التعليمية، حيث تفاقمت المشكلات المتعلقة بالإدارة المالية والانضباط السلوكي، مما جعل أولياء الأمور يشعرون بالعجز أمام حالة من “التسيب الإداري”، وفي ظل غياب رقابة صارمة، باتت هذه المدارس تتصرف وكأنها كيانات مستقلة تمامًا، مستغلة الثغرات القانونية التي تمنحها مساحة واسعة لفرض قراراتها دون قيود أو رقابة فعالة.
التلاعب المالي.. مشكلة تتطلب حلولًا جذرية
كما ذكرت تتصدر قضية التلاعب في المصروفات الدراسية قائمة الشكاوى المتكررة من أولياء الأمور، حيث تعمد العديد من المدارس إلى زيادة الرسوم بشكل مفاجئ، دون أي تبرير منطقي أو تحسن ملحوظ في الخدمات المقدمة. وتنعكس هذه الزيادات على الأسر بشكل مباشر، مما يضعها أمام خيارين أحلاهما مر: الاستسلام للأمر الواقع أو البحث عن بدائل أقل تكلفة قد لا توفر المستوى التعليمي المطلوب.
دور الوزارة في مواجهة التحديات الحالية
لا تزال وزارة التربية والتعليم مطالبة باتخاذ خطوات أكثر صرامة لضبط العلاقة مع المدارس الخاصة والدولية، حيث إن ضعف التدخل الرقابي خلال السنوات الماضية سمح بتنامي الشعور لدى بعض إدارات المدارس بأنها كيان مستقل عن المنظومة التعليمية الرسمية. ومن هنا، يأتي التساؤل: هل آن الأوان لتعديل التشريعات وإعادة رسم حدود العلاقة بين الوزارة وهذه المدارس بما يحفظ حقوق الطلاب وأولياء الأمور؟
التشريعات القديمة.. عقبة أمام الإصلاح الحقيقي
ويعاني القطاع من قوانين قديمة لم تعد تتماشى مع التطورات الحالية، حيث إن اللوائح المنظمة لعمل المدارس الخاصة لم تشهد تحديثًا جوهريًا منذ أكثر من عقد. هذه القوانين تمنح المدارس هامشًا واسعًا من التحكم في سياساتها المالية والإدارية، في حين تكتفي الوزارة بدور المشرف دون أدوات فعالة للتدخل عند حدوث تجاوزات.
المرتبات المتدنية.. تحدٍ يهدد جودة التعليم
تعتبر الأجور الهزيلة للمعلمين والإداريين إحدى القضايا الجوهرية التي تحتاج إلى حلول عاجلة، فبينما تستمر المدارس في تحصيل مبالغ ضخمة من أولياء الأمور، تظل رواتب العاملين في كثير من الأحيان دون الحد الأدنى المقرر قانونيًا. هذا الواقع ينعكس سلبًا على جودة العملية التعليمية، حيث يؤدي إلى تسرب الكفاءات وعدم تحفيز الكوادر للعمل بفاعلية داخل المؤسسات التعليمية.
التحرك المطلوب.. استعادة الهيبة وبناء الثقة
ولتحقيق التوازن المطلوب بين القطاع الخاص والوزارة، هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة تشمل:
1. مراجعة شاملة للقوانين الحالية لضمان منح الوزارة صلاحيات أقوى في الرقابة والتدخل عند الضرورة.
2. إطلاق منصات إلكترونية تتيح لأولياء الأمور تقديم الشكاوى وتتبع الإجراءات المتخذة بشفافية تامة.
3. فرض غرامات مشددة على المدارس المخالفة لضوابط المصروفات، بما يضمن التزامها بالقواعد المحددة.
4. تحسين أوضاع المعلمين عبر فرض حد أدنى عادل للرواتب يتماشى مع طبيعة العمل وأهميته.
5. إلزام المدارس بتقديم خطط مالية شفافة تشرح كيفية توظيف المصروفات لصالح العملية التعليمية.
و اختتمت رودي نبيل قائلة: إن مواجهة التحديات الراهنة تتطلب قرارات جريئة تعيد رسم العلاقة بين الوزارة والمدارس الخاصة والدولية، بحيث تصبح الرقابة أكثر فاعلية، والالتزام بالقوانين أمرًا حتميًا، حفاظًا على مستقبل الأجيال القادمة، وضمانًا لتحقيق العدالة التعليمية. فالرهان الحقيقي يكمن في قدرة الوزارة على فرض هيبتها وتحقيق التوازن المطلوب لصالح الجميع.