
تشهد الساحة العالمية اليوم ثورة تكنولوجية غير مسبوقة يقودها الذكاء الاصطناعي، تُعيد رسم موازين القوى الاقتصادية بين الدول، وتفتح الباب أمام عصر جديد من الابتكار، لكنه في الوقت نفسه يثير مخاوف متزايدة من تعميق الفجوة بين الاقتصادات المتقدمة والدول النامية٬ حيث يتجه الذكاء الاصطناعي ليكون المحرك الرئيس للنمو العالمي خلال العقد المقبل.
ووفقًا لتقرير صادر عن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أشار إلى أن الولايات المتحدة ما تزال تتصدر المنافسة في قدرات الحوسبة الفائقة والتطوير التقني، بينما تسعى الصين والاتحاد الأوروبي للحاق بها في هذا السباق.
ويؤكد التقرير أن الذكاء الاصطناعي أصبح تكنولوجيا عامة تؤثر على جميع القطاعات، من الصناعة والزراعة إلى الخدمات الصحية والمالية.
وفي سياق متصل، أطلقت كريستالينا جورجييفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، تحذيرات قوية من مخاطر اتساع الفجوة بين الدول في مجال الذكاء الاصطناعي.
وقالت جورجييفا في تصريح رسمي:“العالم يعاني من نقص واضح في الأسس التنظيمية والأخلاقية اللازمة لمواكبة التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي، والفجوة بين الاقتصادات المتقدمة والدول النامية تتسع بوتيرة مقلقة.”
وأضافت أن 40% من الوظائف حول العالم قد تتأثر بتقنيات الذكاء الاصطناعي، فيما ترتفع النسبة إلى 60% في الاقتصادات المتقدمة، ما يستدعي سياسات عاجلة لضمان “انتقال عادل وآمن نحو الثورة الرقمية الجديدة”.
فيما تشير تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) والمنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) إلى أن الدول المتقدمة لا تكتفي بالتفوق التقني، بل ترسم الأطر التنظيمية التي تحدد شكل المنافسة في الاقتصاد العالمي.
وتُظهر هذه المؤسسات أن السبيل إلى السيطرة في عالم الذكاء الاصطناعي يمر عبر ثلاثة مسارات رئيسية:
- الاستثمار في البنية التحتية الرقمية والحوسبة السحابية.
- تطوير القدرات البشرية والتعليم التكنولوجي.
- سنّ تشريعات متقدمة تنظّم الذكاء الاصطناعي وتحد من احتكاره.
وفي بيان مشترك صدر عن هيئات المنافسة في الولايات المتحدة وأوروبا، أكدت الجهات التنظيمية “ضرورة مراقبة ممارسات الاحتكار في سوق الذكاء الاصطناعي”، مشددة على أن “الابتكار لا يجب أن يتحول إلى أداة هيمنة اقتصادية.”
ورغم التفاؤل السائد، حذرت تقارير اقتصادية عدة من تكرار سيناريو فقاعة الإنترنت في مطلع الألفية.
وأشارت جورجييفا إلى أن “التقييمات المفرطة لشركات الذكاء الاصطناعي قد تؤدي إلى اضطراب مالي عالمي إذا فقد المستثمرون الثقة فجأة.”
وأوضحت أن مثل هذا السيناريو قد يضرب بشدة الاقتصادات الناشئة التي تعتمد على تدفقات التمويل الخارجي.
ويرى الخبراء أن أمام الدول النامية خيارين لا ثالث لهما: إما اللحاق بالثورة التكنولوجية، أو البقاء في الهامش الاقتصادي العالمي.
هذا وتوصي مؤسسات التنمية الدولية بالاستثمار المكثف في البنية التحتية الرقمية وإدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم والبحث العلمي.
كما توصي المؤسسات بصياغة تشريعات تحمي البيانات وتضمن المنافسة العادلة٬ وايضًا دعم الشركات الناشئة المتخصصة في التكنولوجيا والبرمجيات.
ويُجمع المراقبون على أن مستقبل النمو الاقتصادي سيتحدد بقدرة الدول على التحول من مستهلكين للتكنولوجيا إلى مبتكرين ومنتجين لها.
الثورة التكنولوجية التي يقودها الذكاء الاصطناعي لا تعرف الحدود، لكنها تُعيد ترسيمها بين من يمتلك أدواتها ومن يفتقر إليها.
وبينما تتسابق الاقتصادات المتقدمة لترسيخ هيمنتها في هذا المجال، يبقى التحدي الأكبر أمام العالم النامي هو كيف يحول هذه الموجة من التهديد إلى فرصة تنموية شاملة.