عالم

سوريا: بين أنقاض الحرب ورماد الفساد.. هل يشرق فجر جديد بعد رفع العقوبات؟

في إشارة إلى تحول محتمل في مسار الأزمة السورية الممتدة منذ ما يقرب من 14 عاما، صرحت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية “هند قبوات”، أن رفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد سيمكن الحكومة الجديدة من الشروع في معالجة مهام جسيمة، تتصدرها مكافحة الفساد المستشري وإعادة ملايين اللاجئين إلى ديارهم.

 

تصريحات وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية، التي أدلت بها لوكالة “أسوشيتد برس”، تسلط الضوء على آمال كبيرة معلقة على هذا التخفيف في القيود، في ظل حكومة انتقالية تشكلت في مارس الماضي عقب الإطاحة بالرئيس السابق “بشار الأسد” في ديسمبر من العام 2024.

 

وتعتبر “قبوات”، وهي المرأة الوحيدة والمسيحية الوحيدة في التشكيلة الحكومية الحالية، أن حقيبتها الوزارية ستكون من أهم الحقائب مع بدء البلاد مرحلة إعادة الإعمار الشاملة.

 

وتشير الوزيرة إلى أن الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي لتخفيف معظم العقوبات المفروضة على سوريا على مدى عقود، ولو بشكل مؤقت، ستمثل نقطة الانطلاق لهذا العمل الشاق، في السابق، كنا نتحدث ونضع الخطط، لكن لم يكن من الممكن تحقيق أي شيء على أرض الواقع لأن العقوبات كانت تعيق كل شيء وتقيّد عملنا”، تقول “قبوات”، مؤكدة أن رفع العقوبات سيسمح بالانتقال من مرحلة التخطيط إلى “التنفيذ”، ومن أبرز الخطوات الفورية التي تخطط لها الحكومة الجديدة هو إطلاق “مدارس مؤقتة” لاستقبال أطفال اللاجئين والنازحين العائدين، في محاولة لضمان استمرار تعليمهم وإعادة دمجهم في المجتمع.

 

تحديات عميقة وأهداف طموحة

 

على الرغم من التفاؤل الحذر الذي يعتري تصريحات الوزيرة، إلا أنها لم تخفِ التحديات الكبيرة التي تنتظرهم، فالتخفيف من وطأة العقوبات سيستغرق وقتًا حتى تظهر آثاره على أرض الواقع، خاصة وأن تخفيف بعض القيود المالية سيتطلب إجراءات بيروقراطية معقدة، “نسير خطوة بخطوة. لا نقول إن أي شيء سهل – لدينا العديد من التحديات – ولكن لا يمكننا أن نكون متشائمين. علينا أن نكون متفائلين”، تضيف “قبوات”.

 

وتطمح الحكومة الجديدة إلى تجاوز مرحلة الاعتماد على المساعدات الإنسانية التي طالما لازمت البلاد، وتصرح ” قبوات” بأن الرؤية هي “أننا لا نريد سلالًا غذائية ولا خيامًا بعد خمس سنوات”، في إشارة إلى ضرورة بناء اقتصاد قوي ومستدام، ومع ذلك، يواجه هذا الهدف طموحًا تحديًا هائلاً، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 90% من سكان البلاد يعيشون حاليًا تحت خط الفقر، وهي نسبة تعكس حجم الدمار الاقتصادي والاجتماعي.

 

الفساد: معركة شاقة في ظل واقع اقتصادي مرير

 

الحرب الأهلية التي اندلعت عام 2011 أدت إلى نزوح نصف سكان سوريا، والبالغ عددهم 23 مليون نسمة، وعلى الرغم من تقديرات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بعودة حوالي نصف مليون لاجئ إلى سوريا منذ الإطاحة بالأسد، إلا أن الوضع الاقتصادي المتردي والبنية التحتية المتهالكة يشكلان عائقًا كبيرًا أمام عودة المزيد، والأخطر من ذلك، أن انتشار الفقر أسهم بشكل كبير في ترسيخ ثقافة الفساد العام التي كانت سائدة في عهد الأسد، والتي تتجلى في طلب الرشاوى من الموظفين العموميين وابتزاز قوات الأمن عند نقاط التفتيش.

 

تعهد حكام سوريا الجدد بالقضاء على هذا الفساد المتجذر، لكنهم يواجهون معركة شاقة ومعقدة، فرواتب موظفي القطاع العام لا تزال أقل بكثير من تكلفة المعيشة الأساسية، ولم تتمكن الحكومة الجديدة حتى الآن من الوفاء بوعدها بزيادة أجور القطاع العام بنسبة 400%، وتتساءل “قبوات”: “كيف يمكنني مكافحة الفساد إذا كان الراتب الشهري 40 دولارًا، وهذا لا يكفي لشراء الطعام لعشرة أيام؟” هذا التساؤل يعكس بوضوح التحدي الهيكلي الذي يواجه جهود مكافحة الفساد في ظل واقع اقتصادي منهك.

 

دعوات شمولية أوسع لتمثيل الأقليات والمرأة

 

تخضع الحكومة الجديدة، بقيادة “أحمد الشرع” القائد السابق لهيئة تحرير الشام، وهي جماعة مسلحة قادت الهجوم على الرئيس السابق “بشار الأسد”، لتدقيق مكثف من الدول الغربية بشأن معاملة النساء السوريات والأقليات الدينية، ففي مارس الماضي، شهدت البلاد اشتباكات بين قوات الأمن الحكومية وجماعات المسلحة تطورت إلى هجمات انتقامية طائفية ضد أفراد من الطائفة العلوية، مما أسفر عن مقتل مئات المدنيين.

 

وقد شكلت الحكومة لجنة للتحقيق في هذه الهجمات، ولم تُعلن نتائجها بعد، وعلى نطاق واسع، انتقد الكثيرون الحكومة الانتقالية لعدم منحها تمثيلًا كافيًا للنساء والأقليات في التشكيلة الوزارية، فباستثناء الوزيرة “قبوات”، تضم الحكومة عضوًا واحدًا فقط من كل من الطائفتين الدرزية والعلوية، وعضوًا كرديًا واحدًا، مما يثير تساؤلات حول مدى شمولية التمثيل في مرحلة حساسة تتطلب بناء الثقة بين جميع مكونات المجتمع.

 

“أينما أسافر… يكون السؤال الأول والأخير: ما هو وضع الأقليات؟”، تقول “قبوات”، وتضيف: “أتفهم مخاوف الغرب بشأن الأقليات، لكن عليهم أيضًا أن يقلقوا على السوريين والسوريات ككل”، مؤكدة أن الأولوية القصوى للمجتمع الدولي يجب أن تكون مساعدة سوريا على بناء اقتصادها وتجنب سقوط البلاد في “الفوضى”.

 

وعلى الرغم من كونها المرأة الوحيدة في الحكومة، تؤكد “قبوات” أن “الآن هناك فرصة أكبر للنساء” مما كانت عليه في عهد الأسد، وأن “لا توجد لجنة تُشكل اليوم لا تضم ​​نساءً”، وتشدد على أن “المرأة السورية عانت كثيرًا خلال هذه السنوات الأربع عشرة، وعملت في جميع المجالات، ويجب أن يكون لجميع السوريين والسوريات دور في إعادة بناء مؤسساتنا.”

 

دعوة لمنح “أحمد الشرع” فرصة

 

في ختام تصريحاتها، وجهت “قبوات” دعوة صريحة للمتشككين في الرئيس الجديد “أحمد الشرع” لمنحه فرصة، ورغم ترحيب الغرب الحذر بالرئيس الجديد، لا سيما بعد لقائه الأخير رفيع المستوى مع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، لم ينس البعض ماضيه القتالي ضد القوات الأمريكية في العراق بعد غزو عام 2003، أو أن جماعة هيئة تحرير الشام التابعة له تشكلت كفرع من ت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *