مصر

سامي أبو العز يكتب: العودة إلى الحق

تمر سنوات العمر في غفلة وتظهر تأثيرات الأيام على الوجوه لتأخذ من نضارتها وترسم ملامح الشيب على الرأس وتحفر التجاعيد خطوطها العريضة دون استئذان، وتكفي لحظات أمام المرآة لتخبر صاحبها أن ما فات أكثر مما هو آت، وأن لحظات الحياة المتبقية مربوطة بعدد الأنفاس، فلا تدري نفس ما بين طرفة عين وإفاقتها هل ستبقى على قيد الحياة.

فلسفة الحياة يا سادة أننا جميعاً راحلون وأن بيوتنا الحقيقية نشيدها بأعمالنا وصدقاتنا، وأن أموالنا نرسلها للآخرة مغلفة بما اقترفت يدينا لنبني بها منازل الخلد عند مليك مقتدر«إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» لقمان (34).

من هذا المنطلق ومن خلاصة تجربة الحياة فلا شيء يبقى إلا الأثر وكلا إلى زوال ولو كان لبشر أن يخلد لخلد الله الأنبياء والرسل، فما استطاع فرعون الذي ملك الدنيا وقال أنا ربكم الأعلى أحيي وأميت على البقاء، وما لحقه الجبابرة والأكاسرة على من التاريخ.

 

نحن لا نناقش فكرة الخلود والبقاء «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ» الزمر (30)، ولكنها فرصة من تلك الأيام المباركة لتذكر أنفسنا وكل من تقع عيناه على كلماتنا أن الحياة أقصر من أن نقضيها في معصية الله ورضاء شيطان النفس لنعيم زائل، والأصل أن الإنسان خلق لعبادة الله وتنفيذ فرائضه ووصايا رسله لينعكس الدين على أخلاقنا ومعاملاتنا ومراعاة قواعده وأحكامه السامية في كل أمور حياتنا فننعم وينعم غيرنا تنفيذاً لوصية رسولنا الكريم «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

نعم ما أحوجنا إلى العودة لأصول ديننا الذي وضع أحكاماً ثابتة لتنظيم أمور حياتنا في أبسط صورها لتعود لأمنتنا هيبتها وكرامتها وقوتها بدلا من الفرقة والضعف والهوان ليصدق علينا قول الرسول الكريم «توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن». فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت».

إصلاح النفس هو البداية.. ابدأ بنفسك ومن تعول سيصلح الله حال المجتمع كله لتتسع الدائرة، ويصلح الله حال الأمة كلها فقد بدأت الدولة الإسلامية قوتها من دعوة في الخفاء للنبي المختار، ثم بدأت عملية الإصلاح تنتقل إلى مجموعة معدودة على أصابع اليد ثم إلى مجموعات تكبر وتكبر لتنتشر الدعوة الربانية حتى سادت العالم بقوانين لا تفرق بين غني ولا فقير تحت دستور رباني شعاره «والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».

الآن وقد بلغ عدد المسلمين حول العالم أكثر من 2 مليار مسلم يملؤون بقاع الأرض مسلمين اسميا دون وجود فعلي للإسلام قولاً وعملا فهانت علينا أنفسنا وهان علينا ديننا فتكالبت علينا الأمم قتلا وتجويعاً وتشريداً وسلبا ونهبا واعتداء على المقدسات والحرمات واكتفينا بالشجب ومصمصة الشفاه ودعاء الغلابة والمقهورين ومسلوبي الإرادة.

باختصار.. النجاة في العودة إلى الدين والتمسك بأصوله وثوابته وإفراغ النفس من شهواتها واليقين أن العمل الخالص هو أساس النجاح والتوكل على الله في كل أمورنا والبعد عن التواكل الذي يفتح الباب على مصرعيه للشيطان ليأتي على ما تبقى منا ويزيد ضعفنا ويهزم إرادتنا وتخور عزائمنا فتتكالب علينا الأمم فنخسر دنيانا وآخرتنا.

تبقى كلمة.. ما يشهده عالمنا الإسلامي ووطننا العربي من صراعات وتناحرات وفرق وشيع مرجعه الأساسي هو التكالب على الدنيا والبعد عن الأسس والقواعد التي وضعها الدين الحنيف والتي ترسم خريطة النجاة المبنية على العدل والقواعد الربانية ولا أمل لدينا سوى العودة إلى الحق وتعديل المسارات الخربة قبل فوات الأوان.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *