بدأت هدايا الحكومة تتوالى على جموع المصريين مع بداية العام الميلادي الجديد في صورة زيادات متعاقبة بدأت بتذاكر المترو مرورًا بالنت الأرضي وزيادة في أسعار زيوت السيارات وتذاكر القطارات وتسجيل السيارات وغيرها.. والشعب على يقين أن ماسورة الزيادات التي انفجرت سوف تطول كل شيء في حياتنا وأن البطون الخاوية والغالبية التي لا تملك من أمرها شيئًا أصبحت تنام بدون عشاء والأمر في النهاية يؤثر على عدد اللقيمات على مدار اليوم.
في ظل الزيادات التي تفرض وتوازيًا مع تسريب الإعلان عن مزيد من الزيادات، خرجت الحكومة علينا بتصريح للمرة الثالثة أنه لا مساس بـ7 سلع استراتيجية وأن الدولة سوف تستنفر كل جهود الأجهزة المعنية لضبط الأسواق فيما يتعلق بهذه السلع والتي لا تسمح بالتلاعب في أسعارها أو زيادة قيمتها تحت أي سبب أو ظرف من الظروف وأنها سوف تتخذ كافة الإجراءات تجاه المتلاعبين.
تصريح الحكومة يعنى أنها صاحبة القبضة القوية في مواجهة التجار وأن ما أشيع خلال العام المنصرم أن التجار هزموا الحكومة «كلام على ورق» وأن الحكومة تستطيع ونحن نؤكد على هذا القول.
لكن إذا كانت الحكومة تستطيع فلماذا تركتنا فريسة للتجار طوال العام الماضي تلاعبوا بالأسعار وفرضوا أسعارًا خرافية وتحكموا في كل شيء بداية من أسعار الخضراوات في الأسواق مرورًا بالأدوية وأسعار الشقق السكنية والسيارات وغيرها.. حتى باتت السلعة الواحدة في المكان الواحد تباع بأكثر من سعر.
نعم.. حدث كل ذلك في غياب الحكومة وفي غياب أجهزتها الرقابية وتركت التجار يتلاعبون في أرواح المصريين وأوجدوا بورصة في كل شيء وباتت مصائر جموع المصريين في يد السماسرة الجدد الذين لم يتركوا شاردة أو واردة إلا وتاجروا فيها.
والآن إذا كانت الحكومة تستطيع وهي حقًا تملك ذلك السيطرة على 7 سلع استراتيجية فلماذا لم تبسط سيطرتها على باقي السلع؟ والأهم في ظل هذه الزيادات التي تبدو في تفرقها لا تساوي شيئًا، ولكن في تجمعها تعني عبئًا على الأسر المصرية، أليس هذا سببًا كافيًا لتشمل مظلة السلع الاستراتيجية كل متطلبات المصريين وكل ما يتعلق بحياتهم اليومية؟
حتى تشعر الحكومة بمأساتنا وحتى تشرع وتفرض ما يناسب إمكانياتنا فإنني أقترح أن نعطى وزير المالية الدكتور محمد معيط بصفته أكثر أفراد الحكومة خبرة في الصرف والتدقيق، مرتب موظف مصري من أصحاب الفئات المرتفعة رحمة به ويشرح لنا وفقًا لأحدث النظريات المالية في فنون الصرف والإنفاق كيف سيدبر حاله وحال أسرته ومتطلباته ونفقات التعليم والعلاج والسكن والمواصلات والأكل والشرب وفواتير التليفون والغاز والمياه وغيرها بهذا المبلغ الزهيد وسوف نضع تلك النتيجة روشتة علاج دائم لإنهاء آلام المصريين.
باختصار.. الشعب في وادٍ والحكومة في وادٍ آخر وكل يعزف بطريقة مختلفة، الأمر الذي أحدث تلك الفجوة الكبيرة وحول حياتنا المشرقة تحت ضغوط الحياة ومستلزماتها إلى جحيم لا يطاق، الأمر الذي يستلزم البحث عن بدائل بدلاً من الجيوب الخاوية والبطون الجائعة، فلم يعد في مقدرة الغالبية العظمى من الشعب المصري رفاهية التنازل عن مقوم جديد من مقومات الحياة.