
مع إشراقة شمس اليوم، السابع من أغسطس 2025، دخلت حزمة الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إطار خطته الاقتصادية لولايته الثانية، حيز التنفيذ رسميًا.
هذه الرسوم، التي وصفت بـ “المدمرة” من قبل بعض المحللين، تستهدف مجموعة واسعة من السلع المستوردة من مختلف أنحاء العالم، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام جولة جديدة من التوتر التجاري العالمي.
الرسوم الجديدة، التي أقرها الكونغرس الأمريكي بصعوبة، تستند إلى مبدأ “أمريكا أولاً” الذي طالما رفعه ترامب شعارًا لحملاته. وتتضمن الحزمة زيادات كبيرة في الرسوم على واردات الصلب والألومنيوم من الاتحاد الأوروبي، ورسومًا إضافية على المنتجات الإلكترونية من الصين، بالإضافة إلى رسوم على السيارات وقطع غيارها من اليابان وكوريا الجنوبية.
لكن ما يميز هذه الجولة عن سابقتها في ولاية ترامب الأولى هو شموليتها وتعمقها. فقد امتدت الرسوم لتشمل قطاعات جديدة مثل الأدوية، والمنتجات الزراعية، والمنسوجات، مما يضع ضغوطًا غير مسبوقة على سلاسل الإمداد العالمية التي لا تزال تتعافى من تداعيات جائحة كورونا.
أسباب ودوافع الرسوم الجديدة جاءت هذه الرسوم بعد أشهر من المفاوضات الشاقة بين البيت الأبيض والشركاء التجاريين الرئيسيين، والتي لم تسفر عن أي تقدم يذكر. وقد أصرت إدارة ترامب على أن هذه الرسوم ضرورية لحماية الصناعات الأمريكية من “الممارسات التجارية غير العادلة” و”الإغراق” من قبل الدول الأجنبية. كما زعمت الإدارة أن هذه الإجراءات ستعزز التصنيع المحلي وتخلق فرص عمل جديدة في الولايات المتحدة، وهو ما يتماشى مع الوعود التي قطعها ترامب خلال حملته الانتخابية الأخيرة.
على الصعيد المحلي، هناك انقسام واضح داخل الولايات المتحدة حول هذه الرسوم. ففي حين يرى مؤيدو ترامب أنها خطوة ضرورية لحماية الوظائف المحلية، فإن الشركات التي تعتمد على الاستيراد، وخاصة في قطاعات التكنولوجيا والبيع بالتجزئة، تعرب عن قلقها من ارتفاع التكاليف وانخفاض هوامش الربح. وقد أشار اتحاد تجار التجزئة الأمريكي إلى أن هذه الرسوم ستؤدي في النهاية إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، مما يضع عبئًا إضافيًا على المستهلك الأمريكي.
أما على الصعيد العالمي، فإن تأثيرات الرسوم الجمركية الجديدة ستكون محسوسة على نطاق واسع. قد تجد الشركات الأوروبية والآسيوية نفسها مضطرة لإعادة هيكلة سلاسل الإمداد، أو نقل المصانع إلى دول أخرى، مما يؤدي إلى تغييرات جوهرية في خريطة التجارة العالمية. كما أن المستثمرين في جميع أنحاء العالم يراقبون الوضع عن كثب، وقد يؤدي عدم اليقين إلى تباطؤ في الاستثمار الأجنبي المباشر.
ردود الفعل الدولية والتحذيرات الاقتصادية لم تكن ردود الفعل الدولية مفاجئة، حيث سارعت العواصم الكبرى إلى التنديد بالقرار الأمريكي. فالاتحاد الأوروبي، وعبر رئيسة المفوضية الأوروبية، وصف الرسوم بأنها “ضربة قوية للتعاون الدولي” وتعهد بالرد بالمثل، مشيرًا إلى أن المفوضية تدرس فرض رسوم على واردات أمريكية محددة.
أما الصين، التي كانت هدفًا رئيسيًا لرسوم ترامب في ولايته الأولى، فقد أصدرت بيانًا شديد اللهجة عبر وزارة التجارة، واصفةً الخطوة الأمريكية بـ “الأحادية” و”الاستفزازية”، ومؤكدةً أنها “ستدافع بحزم عن مصالحها المشروعة”. ويتوقع المحللون أن يكون الرد الصيني قاسيًا، وقد يشمل قيودًا على الاستثمار الأمريكي في الصين، بالإضافة إلى رسوم على منتجات أمريكية رئيسية.
اليابان وكوريا الجنوبية، وهما حليفان تقليديان للولايات المتحدة، أعربتا عن “خيبة أمل عميقة”، ودعتا إلى “ضبط النفس”، لكنهما لم تستبعدا اتخاذ إجراءات انتقامية. وقد أصدرت طوكيو وسول بيانات مشتركة أكدتا فيها على أهمية نظام التجارة العالمي القائم على القواعد، وحذرتا من أن هذه الإجراءات الأحادية قد تؤدي إلى انهيار الثقة بين الشركاء التجاريين.
ويشعر الاقتصاديون بالقلق من أن يؤدي هذا التصعيد إلى حرب تجارية قد تكون أكثر تدميرًا من سابقتها. علمًا بأن الرسوم الجمركية لا تضر فقط بالبلد المستهدف، بل تؤدي إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين في البلد الذي يفرضها، وتؤثر سلبًا على الشركات التي تعتمد على سلاسل إمداد عالمية.
ما نشهده اليوم قد يدخلنا في دوامة من الإجراءات الانتقامية التي قد تقود إلى ركود عالمي. الأمر لا يقتصر على التجارة فقط، بل يمتد إلى الثقة بين الدول. فعندما تتخذ قوة اقتصادية كبرى مثل الولايات المتحدة قرارات أحادية الجانب، فإنها تقوض نظام التجارة العالمي القائم على القواعد، مما يجعل الجميع في وضع غير مستقر.
مستقبل التجارة العالمية على المحك ومع دخول الرسوم حيز التنفيذ، يتجه العالم نحو فترة من عدم اليقين الاقتصادي. الأسواق المالية العالمية تشهد حالة من التذبذب، والشركات الكبرى تعيد تقييم استراتيجياتها.
يبقى السؤال الآن: هل ستستمر الدول في الرد بالمثل، أم ستنجح الدبلوماسية في نزع فتيل الأزمة؟ الأيام والأسابيع القادمة ستكون حاسمة في تحديد مسار الاقتصاد العالمي. ومع وصول ترامب إلى ذروة نفوذه في ولايته الثانية، فإن قدرة العالم على مواجهة “عاصفة” الرسوم الجديدة ستكون على المحك.
ستظل الأعين شاخصة على ردود فعل الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وعلى كيفية تعامل ترامب مع هذه الردود، في سيناريو قد يحدد مستقبل التجارة العالمية لسنوات قادمة.