لم يشغل المصريين خلال الساعات الماضية شاغلٌ أكثر مما شغلتهم أنباء عن بيع مدينة “رأس الحكمة” الواقعة على شاطئ البحر المتوسط، إلى مستثمرين إماراتيين، في صفقة قيل إن مقدم قيمتها يبلغ 22 مليار دولار.
تقع “رأس الحكمة” على الساحل الشمالي، وهي مدينة تابعة لمحافظة مرسى مطروح، تمتد شواطئها من منطقة الضبعة في الكيلو 170 بطريق الساحل الشمالي الغربي، حتى الكيلو 220 بمدينة مطروح التي تبعد عنها 85 كم. وكانت الحكومة قد اتخذت قرار إنشائها في شهر أغسطس الماضي، على مساحة 55 ألف فدان، لتكون ” مقصدا سياحيا عالميا، يتماشى مع الرؤية القومية والإقليمية لمنطقة الساحل الشمالي الغربي” وفقا لتصريحات وزير الإسكان آنذاك، الدكتور عاصم الجزار.
موجة جدل
ومع أنّ تلك الأنباء فجرت موجة ضخمة من الجدل في الشارع المصري، إلا أنّ الحكومة لم تعلق رسميًا عليها، في حين أنّ إعلاميين بارزين نفوا أن تكون الصفقة “بيعة” لأرض مصرية، وإنما هي استثمار يساعد مصر في التخفيف من وطأة أزمة النقد الأجنبي التي تعانيها البلاد.
الإعلامي البارز والنائب مصطفى بكري، قال في برنامج تلفزيوني إن مشروع “رأس الحكمة” هو مشروع استثماري سيسهم في حل أزمة الدولار في البنك المركزي خلال الأيام المقبلة، إذ من الممكن أن يضخ ما بين 22 إلى 42 مليار دولار.
وأضاف أن العديد من الشائعات أثيرت حول هذا المشروع وأن الدولة المصرية ستبيع أرضها وهو أمر غير صحيح بالمرة، مؤكدا أن مصر لا تبيع أرضها، ولكنها تخلق فرصا استثمارية لمواجهة أي تحديات.
واتفق معه الإعلامي أحمد موسى، الذي دافع عن الموضوع واعتبره “أحد أهم المشروعات القومية التنموية في مصر”، مؤكدا أن أرض المشروع مصرية وستظل مصرية وأن ما يحدث هو “استثمار”.
وقال في برنامج تلفزيوني إن “أعداء الوطن يحاولون التشكيك في كل مشروعات الدولة، لكنّ التشكيك في مشروع رأس الحكمة؛ أدى إلى وجود دعاية إيجابية تقدّر بـ400 مليون دولار، على حد تعبيره.
وأكد أن المشروع “خيرٌ للبلاد” سيسهم في حل أزمة الدولار، إذ ستدخل خزائن الدولة قريبا 20 مليار دولار دفعة واحدة لإنهاء أزمة سعر الصرف.
وأبدى الإعلامي عمرو أديب امتعاضًا مما اعتبره صمتًا حكوميًّا إزاء المشروع، وقال “صمت الحكومة لا يريحني”، مشدّدًا على ضرورة إطلاع الرأي العام على التفاصيل كاملة.
وقال “الناس تقول إن الصفقة بأكثر من 40 مليار دولار، وإن مصر ستحصل على مقدم 22 مليار دولار كاش، أنا ما أعرفش صفقة تتم بالشكل ده، إن حد يدفع لك 22 مليار دولار مقدما، حاجة من الاثنين، إما أنك شاطر أوي أو اللي بيديك الفلوس عاوز يسندك جامد بسرعة”.
وأضاف موجهًا حديثة للحكومة “أنتم ليه سايبين الدنيا كدا؟ ما تطلع تقول، الناس كلها مستنية فلوس رأس الحكمة، أنتم ليه مش بتكلمونا، قل لي وفرحني معاك”.
مخطط تنمية
ونقلت قناة “القاهرة الإخبارية”، عن مصدر مسؤول لم تسمه، أن “الدولة تعكف حاليا على إنهاء مخطط تنمية مدينة رأس الحكمة من خلال الشراكة مع كيانات عالمية ذات خبرة فنية واسعة وقدرة تمويلية كبيرة، تُمكنها من وضع المدينة على خريطة السياحة العالمية خلال 5 سنوات على الأكثر، كأحد أرقى المقاصد السياحية على البحر المتوسط والعالم”.
وأضاف المصدر أن التفاوض “يجري بالفعل مع عدد من الشركات وصناديق الاستثمار العالمية الكبرى للوصول إلى اتفاق يُعلن قريبا عن بدء تنمية المنطقة التي تبلغ مساحتها أكثر من 180 كم مربعا”.
ويأتي المشروع في إطار مخطط التنمية العمرانية لمصر 2052، الذي يستهدف منطقة الساحل الشمالي الغربي، بوصفها من “أكثر المناطق القادرة على استيعاب الزيادة السكانية المستقبلية لمصر”، ويشمل تنمية مدن أخرى بجانب رأس الحكمة، وهي: النجيلة، وجرجوب، إضافةً لتطوير المدن القائمة مثل مرسى مطروح والسلوم، حسب المصدر المسؤول.
ونقل موقع “القاهرة 24” عن مصادر حكومية لم يسمها، أنه لا يوجد أي اتفاقات في الوقت الحالي تم إبرامها مع رجال أعمال إماراتيين لتخصيص أراضٍ بمنطقة رأس الحكمة في الساحل الشمالي.
لكنّ المهندس طارق شكري، وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب، رجّح أن يتم التوقيع على صفقة مدينة رأس الحكمة خلال أسبوع أو 10 أيام، موضحا أن الإعلان الرسمي عن الصفقة تأخر “لكونها في مرحلة التفاصيل الفنية والقانونية”.
وأضاف في تصريحات لبرنامج تلفزيوني أن هناك الكثير من الشركات السعودية والإماراتية والكويتية التي حققت نجاحات في منطقة الساحل الشمالي، وأتاحت الكثير من فرص العمل، مؤكدًا أن المنافسة القائمة حاليًّا تتيح مناخًا إيجابيًّا بما يصنع مستقبلا جيدًا.
وأكد شكري أنّ الفرص الاستثمارية في هذه المدينة ليست سياحية فقط، لكنها تشمل أيضًا فرصًا صناعية وسكنية وتجارية وخدمية، لتكون المدينة حية طوال العام.
تراجع الدولار
وأشار إلى أن التسريبات التي انتشرت عن المشروع وحصيلته الدولارية لعبت دورًا كبيرًا في انخفاض سعر الدولار بالسوق الموازية. وهو ما أكده للبورصجية متعاملون في السوق الموازية، حيث أفادوا بأن الدولار الذي كان قد تخطى حاجز السبعين جنيها تراجع إلى نحو 64 جنيها فور انتشار تلك الأنباء.
وردًا على ما تردد بشأن أن المقدم الذي سيدفعه المستثمرون في هذه الصفقة سيكون قرابة 22 مليار دولار، قال حازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهوري، إنه “عندما يكون إجمالي حجم أصول شركة (إعمار) الإماراتية حول العالم أجمع مقدرا بـ38 مليار دولار، فمن المستحيل أن تستطيع ضخ سيولة نقدية فورية قدرها 22 مليار دولار” مناشدا “من يتحدثون بالأرقام عن مشروع رأس الحكمة توخي الدقة فيما يطرحونه”.
لكنّ المهندس طارق شكري، وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب، قال إن الحديث عن دفع 22 مليار دولار مقدمًا للصفقة ليس فيه نوع من المبالغة إذا ما قورن بحجم وموقع المدينة، موضحًا في الوقت نفسه أنه لا يملك المعلومات الكافية عن الصفقة.
من جهته، قال مجدي صادق، عضو غرفة شركات السياحة، إن منطقة رأس الحكمة “استراتيجية ومتوقع لها أن تصبح مصدر دخل لملايين الدولارات إلى خزينة الدولة”، لافتا إلى أن السبيل الأساسي لتحقيق المستهدف من المشروع هو اشتراط مواعيد للتنمية، وحال عدم الالتزام بها يتم سحب المنطقة والبحث عن مستثمرين آخرين.
وأشار إلى أن المشروع سيكون له تأثير كبير ومميز على السياحة، ويساعد في زيادة أعداد السائحين بشكل كبير على غرار مدينة العلمين الجديدة، لكن يجب أن يكون هناك مخططات يتم الالتزام بها على غرار مخططات هيئة التنمية السياحية إلى أي شركة أو مستثمر يقوم بالتعمير، وفق قوله.