تجارة وصناعة

«درع حديدى» لحماية «صناعة الصلب»

 

توقيت مناسب للقرار الحكومى ولا أعباء على المستهلك

تشهد صناعة الصلب المصرية، وبخاصة قطاع الصاج المدرفل بأنواعه: الساخن، والبارد، والمجلفن، والملون، مرحلة حاسمة تعكس مدى قدرة الدولة على حماية أحد أهم القطاعات الإنتاجية التي تمثل قاعدة رئيسية للصناعات الثقيلة والهندسية والإنشائية.

بدعم نمو الإيرادات .. 80.5 مليون جنيه أرباح الحديد والصلب للمناجم بارتفاع 238%

ومع تفاقم الفوائض العالمية في إنتاج الصلب وتزايد تدفق الواردات بأسعار منخفضة بشكل غير عادل، واجهت الصناعة المحلية في مصر تحديات غير مسبوقة هددت قدرتها على الاستمرار والمنافسة.

وأمام هذه التطورات التي دقّت ناقوس الخطر بشأن مستقبل الصناعة الوطنية، تحرّكت الدولة بخطوات حاسمة لمعالجة الأزمة من خلال فرض رسوم وقائية نهائية على واردات منتجات الصاج.

وجاء هذا القرار استنادًا إلى نتائج التحقيقات التي أجراها قطاع المعالجات التجارية بوزارة الاستثمار والتجارة الخارجية، والتي أثبتت بشكل قاطع أن الصناعة المحلية تعرّضت لضرر جسيم نتيجة الزيادة الكبيرة وغير المبرّرة في حجم الواردات.

وأظهرت نتائج التحقيق أن الواردات من مسطحات الصلب المدرفلة على الساخن والبارد، وكذلك الصاج المجلفن والملون، قد شهدت زيادات حادة تجاوزت احتياجات السوق المحلي، حيث بلغت قيمة واردات مصر من مسطحات الصلب الساخن نحو 260 مليون دولار خلال النصف الأول من عام 2025.

وتُظهر البيانات الرسمية، أن واردات مصر من الصلب المدرفل على الساخن بلغت 962.8 مليون دولار خلال عام 2024، مقابل 860 مليون دولار في عام 2023، أي بزيادة نسبتها 12%.

كما سجّلت واردات الحديد والصلب ارتفاعًا بنسبة 32.8% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، لتصل إلى نحو 3.989 مليار دولار مقارنةً بـ 3.004 مليار دولار خلال الفترة نفسها من عام 2023.

وقد أدّت هذه الزيادة إلى تراجع الحصة السوقية للمصانع الوطنية وانخفاض معدلات التشغيل داخلها، إلى جانب تراكم المخزون غير المباع من الإنتاج المحلي.

وأوضحت النتائج، أن هذا الارتفاع في الواردات جاء نتيجة ممارسات تجارية غير منصفة من قِبل بعض الدول المصدّرة، التي تقوم بطرح منتجاتها بأسعار أقل من التكلفة الحقيقية للإنتاج؛ وهو ما أدّى إلى تشويه المنافسة داخل السوق المصري والإضرار بالصناعة المحلية.

وهو ما دفع حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، إلى إصدار قرارات نهائية بفرض رسوم وقائية على واردات الصاج المدرفل لفترة زمنية محددة، وذلك على النحو التالي:

فرض رسوم بنسبة 13.6% على المسطحات المدرفلة على الساخن بحد أدنى 3673 جنيهًا للطن، و11.11% على المسطحات المدرفلة على البارد بحد أدنى 4152 جنيهًا للطن، و12.16% على الصاج المجلفن بحد أدنى 4812 جنيهًا للطن، و4.94% على الصاج الملون بحد أدنى 2584 جنيهًا للطن، إلى جانب 16.2% على منتجات البيليت بحد أدنى 4613 جنيهًا للطن.

ورحّب المهندس طارق الجيوشي، رئيس مجموعة الجيوشي للحديد والصلب، بالقرارات الأخيرة، معتبرًا إياها خطوة ضرورية جاءت في توقيت بالغ الحساسية لحماية صناعة تُعد من ركائز الاقتصاد الوطني.

وقال الجيوشي – في تصريحات خاصة لـ البورصجية-: إن فرض الرسوم الوقائية النهائية يؤكد أن الدولة تعي تمامًا حجم التحديات التي تواجه صناعة الحديد والصلب في ظل المنافسة غير العادلة، مشيرًا أن القرارات تستند إلى دراسات واقعية لا تهدف إلى غلق السوق، بل إلى ضمان استقراره واستمرار الإنتاج المحلي.

وأضاف: أن هذه الإجراءات ستُسهم في إعادة التوازن بين الواردات والإنتاج المحلي، وتمنح المصانع المصرية فرصة حقيقية لزيادة معدلات التشغيل وتطوير خطوط الإنتاج ورفع قدرتها التنافسية في السوقين المحلي والخارجي.

وأشار إلى أن القرار من شأنه أن يدعم الاستثمارات القائمة ويضمن استمرارها في التوسع، بما يُعزّز من مساهمة القطاع في الناتج القومي وتوفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة.

وشدّد الجيوشي على أن الرسوم الوقائية لا تمثل عبئًا على المستهلك كما يروّج البعض، موضحًا أن تأثيرها على الأسعار النهائية محدود للغاية، وأن الهدف الحقيقي منها هو حماية الصناعة الوطنية من ممارسات الإغراق غير المشروع التي تُهدد البنية الإنتاجية وتقوّض الاستثمارات المحلية.

وأكد الجيوشي أن صناعة الصاج المدرفل في مصر تمتلك كل مقومات الريادة الإقليمية، شريطة استمرار الدعم الحكومي الموجّه لضبط الأسواق ومنع الممارسات غير العادلة، مع تشجيع المصنعين المحليين على تحديث تقنيات الإنتاج والتوسع في التصدير.

وأكد الخبير الاقتصادي أحمد عبد الرازق أن قرار فرض الرسوم الوقائية يُعد توجهًا رشيدًا يتماشى مع سياسات الحماية الذكية التي تطبّقها معظم دول العالم للحفاظ على صناعاتها الاستراتيجية.

وأوضح أن صناعة الصلب المحلية واجهت خلال الأعوام الماضية ضغوطًا شديدة نتيجة الممارسات الإغراقية وتذبذب الأسعار العالمية، وهو ما استدعى تدخّلًا عاجلًا من الدولة لضبط السوق وحماية الاستثمارات القائمة.

وأشار عبد الرازق – في تصريحات خاصة لـ البورصجية-، إلى أن القرار من شأنه دعم توجهات الدولة نحو توطين الصناعات الأساسية وتعميق المكوّن المحلي في سلاسل الإنتاج، مؤكدًا أن فرض الرسوم الوقائية لا يعني الانغلاق التجاري، بل هو إجراء مؤقت لحماية القاعدة الإنتاجية الوطنية إلى أن تستعيد توازنها الكامل.

وأضاف: أن هذه الخطوة ستنعكس إيجابيًا على مؤشرات التشغيل والاستثمار والناتج الصناعي خلال الفترة المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *