اقتصادسلايدر

ثورة القرارات… كيف تحولت مصر من الفقر الاستثماري إلى “حالة استثنائية”؟

على مدار السنوات العشر الماضية، شهد منحنى الاستثمارات الأجنبية في مصر تذبذبا ملحوظًا بين الصعود والهبوط، حتى استقرّ إلى أكبر رقم في العام المالي 2022-2023.

وقد كانت حصيلة الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر خلال العام المالي 2013 – 2014 نحو 4.2 مليار دولار، ثم قفزت بنسبة 52.7 بالمئة إلى نحو 6.4 مليار دولار خلال العام المالي 2014-2015، ثمّ سجلت نموًا بنسبة 8.7 بالمئة لتصل إلى 6.9 مليار دولار خلال العام المالي 2015 -2016، وواصلت الارتفاع بنسبة 14.4 بالمئة لتسجل نحو 7.9 مليار دولار خلال العام المالي 2016-2017.

لكنّها تراجعت بنسبة 2.7 بالمئة لتسجل نحو 7.7 مليار دولار في العام المالي 2017-2018 قبل أن تعاود الارتفاع خلال العام الذي يليه لتسجل نموًا بنسبة 6.7 بالمئة وتصل إلى 8.2 مليار دولار، غيرَ أنّها انخفضت مجددًا بنسبة 9.5 بالمئة خلال العام المالي 2019-2020 لتصل إلى نحو 7.5 مليار دولار، ثم واصلت التراجع إلى 5.2 مليار دولار خلال العام المالي الذي يليه بنسبة بلغت نحو 30 بالمئة.

حالة استثمار استثنائية

وفي العام المالي 2021-2022، بلغت حصيلة الاستثمار الأجنبي المباشر نحو 8.9 مليار دولار، وهي زيادة تساوي 71.4 بالمئة من حصيلة العام المالي الذي سبقه، التي بلغت نحو 5.2 مليار دولار. وخلال عام 2022 – 2023، اجتذبت مصر 11 مليار دولار خلاله من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهو رقمٌ وضعها على رأس قائمة البلدان الإفريقية الأعلى جذبا للاستثمارات الخارجية، وفقا لتقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد” عن أوضاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة للعام 2023، وهو تقرير يغطي الفترة من أول يوليو 2022 وحتى 30 يونيو 2023.

وكشف التقرير، أن مصر هي البلد الوحيد في القارة الإفريقية الذى شهد زيادة تعادل الضعف على أساس سنوي في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي دخلت اقتصادها خلال عام 2023، مُشكّلةً بذلك حالةً استثنائية إيجابية مقارنة بكافة البلدان الإفريقية الأخرى الأعلى جاذبية لأموال المستثمرين الأجانب.

وتشير بيانات موازنة المواطن، إلى أن الحكومة تستهدف رفع قيمة الاستثمارات الأجنبية لتصل إلى 12 مليار دولار بزيادة 20 بالمئة عن الأرقام المتوقعة للسنة المالية الحالية، وهو رقمٌ لا يزال بعيدًا من طموحات الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أكد في تصريحات سابقة أن الدولة تحتاج إلى استثمارات بقيمة 100 مليار دولار على مدى 5 سنوات لسد الفجوة الاستيرادية التي تصل إلى نحو 30 مليار دولار سنويا، لافتا إلى استعداد الدولة لتقديم كافة التسهيلات اللازمة في هذا الشأن.

وسجلت قيمة صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر 66.7 مليار دولار خلال السنوات العشر الماضية، بحسب ما أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

إجراءات لجذب الاستثمارات

وقال حسام هيبة رئيس هيئة الاستثمار، إن مصر التي جاءت في المركز الأول في جذب الاستثمارات علي مستوي القارة الإفريقية والثانية في الشرق الأوسط بعد الإمارات، تمتلك قوة جذب كبيرة وتعد مركزا إقليميا لجذب الاستثمار الأجنبي ورؤوس الاموال التي تبحث عن الاستقرار واستهداف دول التصدير خاصة في ظل ما تعانيه العديد من دول العالم من ارتفاع تكلفة الانتاج ومشكلات في الطاقة وسلاسل الإمداد والنفاذ إلي الأسواق.

وفي إشارةٍ إلى عزم الدولة على تذليل العقبات الماثلة أمام حصان الاستثمار، أوضح رئيس هيئة الاستثمار أن الهيئة مع بداية العام الحالي وضعت استراتيجية الترويج لفرص الاستثمار وتهيئة مناخ الأعمال في محورين رئيسين، الأول حصر المشكلات ووضع حلول جذرية لها وثانيا المصالحة مع المستثمرين من خلال فض المنازعات بعيدًا عن المحاكم.

وكشف هيبة، أنه تنفيذا لرؤية القيادة السياسية بزيادة الصادرات إلي 100 مليار دولار، فإنّ العمل جارٍ علي إعداد دراسة قطاعية تفصيلية من واقع الفاتورة الاستيرادية، تشمل تحديد قائمة بالصناعات التي تستهدف التصدير والتي تمتلك فيها مصر ميزة نسبية من أهمها صناعات الغزل والنسيج بجانب قائمة بالنواقص من الخامات ومستلزمات الانتاج.

ولفت إلى أنه تم تحديث الخريطة الاستثمارية بما يتيح للقطاع الخاص بوضع فرصه الاستثمارية والشراكات بها حيث تتضمن حاليًا 60 فرصة، كذلك العمل ضمن خريطة دولية لأهم الدول المستهدفة للترويج لفرص الاستثمار في مصر، كما تم السماح بإنشاء شركات الخدمات بقانون المناطق الحرة الخاصة، فضلا عن تحديد الانشطة الخدمية التي تمتلك فيها مصر ميزة تنافسية مثل التعدين و ICT وغيرها.

وأشار إلى أنه تم إصدار 22 رخصة ذهبية بقيمة 264 مليارات جنيه وهي عبارة عن موافقة واحدة لتراخيص النشاط والمباني والموافقة البيئية والدفاع المدني بجانب الأراضي، علاوة على وضع منظومة ضريبية متكاملة ثابتة لمدة 5 سنوات، من المقرر تطبيقها في نوفمبر المقبل، وذلك استجابة لمطالب مجتمع الأعمال.

وأضاف أن الهيئة لتحقيق هدفها بتحسين الصورة الذهنية للاستثمار في مصر، توفر بيئة عمل تنافسية وجاذبة وداعمة، شاملةً كل ما تحتاج إليه الشركات الاجنبية من تسهيلات في الإجراءات، فقد تم تخفيض 76 بالمئة من مستندات التراخيص، بجانب تيسيرات في انعقاد الجمعيات العمومية للشركات واعتماد مجالس الإدارات.

من جانبه قال أحمد شرين كُريم، مستشار رئيس الهيئة للترويج للاستثمار، إن فرصة الاستثمار في مصر في هذا التوقيت لن تتكرر، على الرغم من كل التحديات التي تواجهها من مشكلة عملة واستيراد الخامات، مضيفا أن الهيئة نشطت-0مؤخرا- علاقاتها مع جمعيات منظمات الأعمال لترويج كل الفرص والقرارات والقوانين التي صدرت مؤخرًا في إطار رؤية الهيئة لتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص من أجل تهيئة بيئة ومناخ الاستثمار والوقوف علي كافة التحديات التي تواجه المستثمرين لوضع حلول جذرية والتعامل معها.

وأكد المهندس محمد عبد الكريم رئيس هيئة التنمية الصناعية، إن مصر بما تصدره من تحفيزات استثمارية واقتصادية أصبحت واجهة قوية للاستثمار، مشيرًا إلى أن العديد من الشركات الأجنبية تطلب الاستثمار في مصر. وأكد أن الدولة تبذل جهودا كبيرة لتحفيز وزيادة الاستثمارات الخارجية.

“ثورة قرارات” مطلوبة

وكان الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، قال إن المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسى اتخذ عدة قرارات مهمة، منها العمل على زيادة جذب الاستثمارات ووضع برنامج زمنى لتسهيل إجراءات تأسيس الشركات، مشيرا إلى أن الدولة المصرية تواصل جهودها لمضاعفة وضخ الاستثمارات لزيادة فرص العمل.

وأوضح أن الدولة تستهدف إيجاد مناخ أكثر جذبًا للاستثمارات والعمل على تيسير الإجراءات وحل المشكلات التى تواجه المستثمرين، وتذليل أى معوقات أو تحديات قد تطرأ، مؤكدًا أن الحكومة مستمرة فى بذل كل الجهود الممكنة فى هذا الشأن.

وشدد على ضرورة أن تكون هناك ثورة وجرأة فى اتخاذ القرارات ومراجعة كل القوانين والقرارات التنظيمية والإجراءات الإدارية الموجودة بهدف الإسراع وتذليل العقبات وتيسير كل الإجراءات بهدف جذب أكبر حجم من الاستثمارات وتشجيع القطاع الخاص بأن يتولى الريادة مع الدولة فى المرحلة القادمة.

وعكفت مصر على وضع سياسات لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، فقد أصدرت قوانين التشجيع الخاصة بهذا الشأن، مثل قانون الاستثمار المصري، الذي يوفر مزايا وحوافز للمستثمرين الأجانب، كما تم تبسيط إجراءات الاستثمار وتسهيل القواعد واللوائح لجذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية إلى البلاد، وفقا للسفير جمال بيومي الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب، الذي يؤكد أن مصر نجحت خلال السنوات الأخيرة في تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي. وتوقع بيومي أن تواصل مصر جذب المزيد من الاستثمارات وتحقيق التنمية الاقتصادية في المستقبل.

من جهته، أشار ياسر عباس نائب الرئيس التنفيذي لهيئة الاستثمار، إلى أنه تم تسهيل حصول الأجانب على الإقامة من خلال إلغاء لجنة الموقف التنفيذي وخفض عدد المستندات بنسبة 62 بالمئة حيث يتم التقدم إلى اللجنة المكتبية بالهيئة للحصول على الإقامة.

وأوضح أن الهيئة تشهد نقلة كبيرة في التواصل مع منظمات الأعمال لإعادة مفهوم “بيت المستثمرين” حيث تم عقد نحو 12 لقاءً، خلال 6 اشهر منذ تولي المهندس حسام هيبة رئاسة الهيئة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *