
تزايدت وتيرة الاستثمارات الصينية في مصر خلال الفترة الماضية حيث قعت عدة شركات صينية عقودًا مع الحكومة المصرية خاصة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في قطاعات متعددة أبرزها الأقمشة والمنسوجات ومواد البناء والبتروكيماويات.
وخلال هذا الأسبوع وقعت مصر عقدًا مع شركة شين فينج الصينية لإنشاء مشروع مجمع متكامل للصناعات المعدنية باستثمارات 1.65 مليار دولار وسيتم تنفيذه على مرحلتين وسيقام خلال 5 سنوات داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
ووفق التعاقد ستقوم شركة شين فينج مصر للصلب بإنشاء 9 مشروعات صناعية ومركزين للخدمات الشاملة أحدهما للبحث والتطوير والآخر لإعادة تدوير النفايات الصلبة ومن المنتظر أن يوفر المشروع نحو 8 آلاف فرصة عمل مباشرة.
وبحسب هيئة الاستثمار فإن عدد الشركات الصينية في مصر بلغ 2066 شركة صينية تقدر استثماراتها بنحو 8 مليارات دولار في قطاعات متنوعة مثل المنسوجات والملابس والأجهزة المنزلية والأعلاف الحيوانية وغيرها. وخلال آخر عامين جذبت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس 128 مشروعًا بقيمة 6 مليارات دولار تمثل الاستثمارات الصينية منها 40% وأضيفت هذا العام استثمارات جديدة أبرزها عقدين لمشروعين جديدين بإجمالي استثمارات تبلغ 28 مليون دولار في مجالات صناعة وطباعة وصباغة المنسوجات.
ويرجع الخبراء تزايد وتيرة الاستثمارات الصينية في مصر هذه الفترة إلى عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وفرضه رسومًا جمركية على العديد من السلع والخدمات مما جعل بعض الشركات الصينية تفكر في نقل جزء من خطوط إنتاجها لمصر لتجنب هذه الرسوم. ي
قول الدكتور مدحت نافع الخبير الاقتصادي إن هناك رغبة جدية من الحكومتين المصرية والصينية لنقل مصانع وشركات صينية لمصر خصوصًا التي تركز على الاستثمار في صناعات الأجهزة المنزلية والملابس والمنسوجات والأدوية. ويرى نافع أن سبب تزايد إقبال الشركات الصينية على مصر يأتي لمواجهة الرسوم الجمركية المفروضة من الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك من الاتحاد الأوروبي علاوة على رغبة الصين في التخلص من بعض الصناعات ذات الانبعاثات المرتفعة والتركيز على الصناعات ذات القيمة المضافة المرتفعة مثل الصناعات التكنولوجية والهندسية إضافة إلى تمتع مصر باتفاقيات تجارة حرة مع العديد من التكتلات الاقتصادية مما يسمح بنفاذ منتجاتها إلى أسواق بإجمالي عدد سكان يصل لأكثر من 3 مليارات نسمة مثل اتفاقيات الكوميسا والكويز وأغادير واتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية والميركسور.
وتوقع نافع أن تضخ شركات صينية كثيرة استثمارات جديدة في مصر خلال الفترة المقبلة شريطة استمرار تقديم الحكومة حوافز وتسهيلات لسرعة إنشاء هذه الاستثمارات وتحقيق استقرار في سوق الصرف، مضيفًا أن زيادة الاستثمارات الصينية في مصر يحقق عائد مشترك للبلدين حيث تسمح مصر للصين بالنفاذ لأسواق عديدة بدون رسوم جمركية في المقابل تستفيد مصر من زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتوفير المزيد من فرص العمل كذلك تغطية الطلب المحلي وزيادة حجم التصدير للخارج.
أما الدكتور أشرف غراب الخبير الاقتصادي فيقول إن الشركات الصينية تستهدف نقل استثماراتها إلى مصر منذ فترة طويلة نتيجة التحديات الجمركية التي تواجه المنتجات الصينية في الأسواق الأوروبية والأمريكية مما دفعها إلى اتخاذ هذه الخطوة مستغلة وجود اتفاقيات تجار حرة بين مصر والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لإنتاج منتجات بمكونات محلية للنفاذ لهذه الأسواق باعتبارها منتجات مصرية علاوة على أن موقع مصر الجغرافي يسمح بسهولة شحن هذه المنتجات لتصديرها للعديد من الأسواق.
وأشار غراب إلى أن انخفاض التكلفة الاستثمارية في مصر كان عاملا جذابًا أيضًا للشركات الصينية لنقل استثماراتها إلى مصر للاستفادة من انخفاض التكلفة ونفاذ منتجاتها إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية، لافتًا إلى أبرز القطاعات التي شهدت استثمارات صينية وتركية ضخمة خلال الفترة الماضية وهي الغزل والنسيج والملابس الجاهزة والأجهزة الإلكترونية والسيارات وتركزت جزء كبير منها في المنطقة الاقتصادية.
مستشهدًا بمنطقة “أبو خليفة الصناعية” بالقنطرة غرب والتي استقبلت العديد من الاستثمارات الصينية والتركية خلال الفترة الماضية وهناك ما بين 10 إلى 15 شركة أخرى جديدة يستهدف أن تضخ استثمارات جديدة. وتحدث غراب عن أبرز المشروعات الصينية الكبرى في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ومنها مصنع ضخم لإنتاج الحديد والفولاذ بمنطقة العين السخنة من المستهدف افتتاحه خلال الفترة المقبلة بالإضافة إلى مصانع باستثمارات متفاوتة من 10 وحتى 70 مليون دولار في قطاع الملابس والنسيج مشيرًا إلى أن منطقة أبو خليفة الصناعية تضم استثمارات صينية تتجاوز نصف مليار دولار من إجمالي 1.5 مليار دولار مستهدفة بالمنطقة.
وقال الدكتور أحمد السيد الخبير الاقتصادي إن المرحلة الحالية من العلاقة الاقتصادية بين مصر والصين يمكن وصفها بأنها انتقال من شراكة تجارية تقليدية إلى شراكة إنتاجية لافتًا إلى أن الصادرات الصينية إلى مصر تقدر بنحو 15 مليار دولار والصادرات المصرية إلى الصين أكثر من 2 مليار دولار مؤكدًا أن المرحلة المقبلة ستشهد استثمارات صينية كبيرة تدخل مصر وهنا تتحول الشراكة بين مصر والصين إلى شراكة إنتاجية مع نظرة الصين إلى مصر على أنها دولة جاذبة للاستثمارات الصينية.
ولفت السيد إلى دخول استثمارات صينية جديدة إلى مصر من خلال إقامة مصانع لتصنيع السيارات والاستثمار في الصناعات الحديثة مثل صناعات الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية وإنتاج الطاقة المتجددة وهو ما يزيد من حجم المكاسب المصرية من خلال تدفق الاستثمارات الصينية المباشرة كما ينتج عنه زيادة في الصادارت المصرية لأسواق الشرق الأوسط وأفريقيا.