لم يعد قرار وقف الفنانين عن الغناء في مصر مقتصرًا على تجاوزات فنية أو تنظيمية، بل بات مرآةً لصراعات إعلامية، أخلاقية، وسياسية يتداخل فيها المحلي بالإقليمي.
في الأشهر الأخيرة، تحوّل المسرح المصري إلى ساحة مواجهة بين كبار النجوم العرب ومؤسسات الرقابة، حيث تصاعدت قرارات المنع والإيقاف، وأبرزها ما جرى مع الفنان اللبناني راغب علامة، في واقعة أثارت ردود أفعال عنيفة، تلتها سلسلة من الوقائع الأخرى التي أزاحت الستار عن طبيعة العلاقة المتوترة أحيانًا بين الفن والضوابط القانونية في مصر.
1. راغب علامة: اتهام مسيّس وصوت مفبرك
في يونيو 2025، اندلع جدل حاد عقب تداول مقطع صوتي منسوب إلى راغب علامة، يُظهره في حالة غضب وهو يوجه ألفاظًا نابية بحق الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله. ومع أن الفنان اللبناني نفى صحة التسجيل، مؤكّدًا أنه “فبركة إلكترونية” باستخدام الذكاء الاصطناعي، إلا أن تداعيات الحادثة كانت عنيفة، إذ قام محتجون في لبنان بمهاجمة مدرسته “السانت جورج” في صيدا وتحطيمها.
وفي مصر تصدر الفنان اللبناني راغب علامة، ترند «جوجل» ومواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعدما أصدر الفنان مصطفى كامل نقيب الموسيقيين في مصر قرارا بمنعه من الغناء داخل البلاد واستدعائه للتحقيق بسبب ظهوره في فيديو متداول لحظة اقتراب معجبه منه وتقبيله على المسرح أثناء الغناء، ولم تكن تلك الواقعة الوحيدة التي دفعت مصطفى كامل لوصف الحفل بـ«سلوك مشين»، إذ شهد الحفل أكثر من واقعة من معجبات راغب لتقبيله والرقص معه.
وقال مصطفى كامل نقيب المهن الموسيقية، إنّ النقابة عندما ترى وضعا غير منضبط، فإنها تتدخل، وذلك خلال تعليقه على قرار إيقاف الفنان راغب علامة عن الغناء في مصر، واستدعاؤه للتحقيق لما حدث منه مؤخرا أحد حفلاته.
وأضاف، في مداخلة هاتفية ببرنامج “ستوديو إكسترا”، عبر قناة “إكسترا نيوز”، من تقديم الإعلاميين شادي شاش ولما جبريل: “الوضع انتشر عبر السوشيال ميديا بشكل غير مستحب، وهذا ما يجبرني كرئيس نقابة المهن الموسيقية على عرض الأمر على زملائي، وكان الشكل العام لمصر كرائدة الفن وبلد أم كلثوم وعبد الحليم حافظ والسنباطي وعبد الوهاب لا يجب أن يظهر مثلما حدث في المشهد الذي جرى تداوله على وسائل الاجتماعي بشتى ألوانها وأشكالها”.
وتابع: “لا أنكر أن الفنان راغب علامة أخي وصديق عمر على مدى 30 سنة، ونتشرف به، وهو فنان كبير ونوّر العُرس السياحي في الساحل الشمالي ومصر، ولكن، عندما يكون هناك سلوك غير منضبط لأي شخص لا بد من مراجعته ومسائلته عما حدث، وهذا لا يمنع القيمة الفنية لراغب علامة”.
وواصل: “ولا يمنع كذلك من قيمته الشخصية لديّ كصديق، ولكن نحن أمام وضع يستوجب المساءلة، لأنه انتشر في السوشيال ميديا بطريقة ليست لائقة، ونحن كبلد لنا عاداتنا وتقاليدنا، وما حدث يخالف العادات والتقاليد، وكان لنا قرار في النقابة”.
وأكد: “أقدر سرعة تواصل راغب علامة معي، كما طلب مني بصفة شخصية أن تكون النقابة مسؤولة عن إجبار منظمي الحفلات على عدم صعود الفتيات المسرح بتاعه، كما أكد لي امتثاله لقرار النقابة والحضور لحل المشكلة”.
2. هيفاء وهبي: حفلات معلّقة ونزاع قضائي
سبق راغب علامة قرار فعلي ومباشر صدر في مارس 2025 ضد الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي، على خلفية شكوى تقدم بها مدير أعمالها السابق خالد التهامي، اتهمها فيها بالتشهير والإخلال بعقود حفلات. ورغم استدعائها مرتين للتحقيق أمام نقابة الموسيقيين، تغيّبت عن الحضور، مما دفع النقابة إلى منعها من الحصول على تصاريح غناء مؤقتًا.
لاحقًا، رفعت هيفاء دعوى قضائية ضد النقابة للطعن في قرار المنع (قضية رقم 49062 لسنة 79 قضائية)، مطالبة بإعادة النظر في وضعها الفني بمصر، وما زال النزاع مستمرًا.
3. سابقة شيرين عبد الوهاب: غناء أم إساءة وطن؟
الجدل حول شيرين عبد الوهاب اندلع عام 2019، بعد أن قالت في إحدى حفلاتها بالبحرين تعليقًا اعتبره البعض “مسيئًا لمصر”، حين طلب منها الجمهور الغناء فقالت: “هنا أقدر أتكلم براحتي، هنا مش زي مصر“. النقابة أوقفتها حينها وحققت معها قبل أن تُرفع العقوبة بعد اعتذار رسمي.
4. موجة إيقافات “المهرجانات” 2021
في حملة غير مسبوقة، منعت نقابة الموسيقيين في 2021 أكثر من 19 مطربًا شعبيًا من الغناء، على رأسهم حسن شاكوش وحمو بيكا، بدعوى “تدني الذوق العام” وعدم انضمامهم للنقابة، قبل أن يُعاد البعض منهم لاحقًا بعد اجتياز اختبارات الأصوات وتوفيق أوضاعهم.
5. وقائع أخرى
بلقيس فتحي (2021): أُوقفت بعد إحيائها حفلًا دون تصريح.
أصالة (2010): منعت بسبب تصريحات ضد نقابة الموسيقيين.
كارول سماحة: أوقفت بعد أداء “راقص مثير” في حفل بمارينا.
رولا سعد: تم توقيفها بسبب أدائها أغنية مرتبطة بخلافات سابقة مع هيفاء وهبي.
إليسا وجاد شويري: أُوقفا مؤقتًا لمخالفات مالية.
دينا الوديدي: سُحِب تصريحها بعد منشور وُصف بالمسيء للسلطات.
تشير هذه الوقائع إلى معادلة جديدة في المشهد الفني المصري، حيث لم يعد النجم فوق المساءلة. فالسلطات الرقابية باتت أكثر حساسية لأي تجاوز، سواء كان تنظيميًا أو له بعد سياسي أو اجتماعي. كما تعكس بعض الحالات – لا سيما راغب علامة وهيفاء وهبي – تصعيدًا غير مسبوق من حيث العقاب الجماهيري خارج مصر والاستجابة القانونية داخلها.
