مصر

المرأة في قلب المصانع المصرية: أرقام متواضعة وفرص تنتظر التمكين

وسط سعي الدولة المصرية لتعزيز قاعدة الصناعة المحلية، تواصل المرأة العاملة فرض حضورها داخل خطوط الإنتاج، متحديةً تحديات اجتماعية واقتصادية لا تزال تحيط بواقعها، خاصةً في القطاعات كثيفة العمالة مثل الملابس الجاهزة والصناعات الطبية.
وبحسب أحدث بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، لم تتجاوز نسبة مشاركة النساء في سوق العمل المصري 14.9% خلال عام 2023، مقابل 67.4% للرجال، رغم أن النساء يشكلن نصف عدد السكان تقريبًا، وهو ما يطرح تساؤلات حول الفجوة الكبيرة في استثمار القدرات النسائية داخل الاقتصاد الوطني. إلا أن الصورة تختلف في بعض القطاعات؛ إذ يشير تقرير المجلس التصديري للملابس الجاهزة إلى أن النساء يمثلن أكثر من 45% من العمالة بالقطاع.
وفي تصريحات صحفية أدلى بها محمد عبد السلام، رئيس غرفة الملابس الجاهزة باتحاد الصناعات المصرية، أكد أن القطاع يعد من أكثر الصناعات جذبًا للنساء بفضل التوسع المستمر لشركات أجنبية مثل «Shahinler» التركية و«Golden Tex»، حيث تجاوزت استثماراتهما 100 مليون دولار العام الماضي، موفرةً ما يزيد عن 5 آلاف فرصة عمل مباشرة، خصص نصفها للعاملات.
لكن على أرض الواقع، لا تزال قصص النساء العاملات في المصانع تكشف عن التحديات اليومية. ففي مدينة السادات الصناعية، أوضحت هالة سمير، مشرفة إنتاج بإحدى شركات الغزل والنسيج، أن ساعات العمل الطويلة وضعف الرواتب وغياب وسائل النقل الآمن تمثل أبرز العقبات، رغم محاولات بعض المصانع توفير حضانات للأطفال داخل مقرات العمل.
وتؤكد هذه الصورة بيانات منظمة العمل الدولية في تقرير «Better Work Egypt» لعام 2023، الذي أشار إلى أن 54% من العاملات في مصانع الملابس يفتقرن لإجازات الأمومة الملائمة وخدمات رعاية الأطفال، ما يدفع الكثيرات لترك العمل بعد الزواج أو الإنجاب، ويسهم في بقاء معدلات البطالة النسائية عند مستويات تفوق 20% في السنوات الأخيرة.
ومع ذلك، بدأت بعض المصانع في تغيير هذا الواقع تدريجيًا. ففي المنطقة الحرة ببورسعيد، رفعت مصانع «Jade Textile» نسبة النساء في العمالة إلى 38% خلال عامين فقط، عبر برامج تدريبية وحضانات داخلية، بدعم مشترك من الشركة والاتحاد الأوروبي. ويرى خالد أبو المكارم، رئيس المجلس التصديري للصناعات الكيماوية، أن رفع نسبة مشاركة النساء يحقق استقرارًا للأسرة ويزيد من تنافسية الصادرات المصرية التي تواجه ضغوطًا من أسواق قوية مثل بنغلاديش وفيتنام.
أما قطاع المستلزمات الطبية، الذي استفاد من طفرة الطلب بعد جائحة كورونا، فقد شهد بدوره زيادة في توظيف النساء، مع توسع مصانع مثل «إيجي ميديكال» و«ماسك إيجيبت» في تعيين عاملات بنسبة تصل إلى 30% من القوى العاملة الجديدة، بحسب ما أكده الدكتور شريف عزت، رئيس شعبة المستلزمات الطبية، الذي أشار إلى ارتفاع قيمة صادرات القطاع إلى 220 مليون دولار العام الماضي، بزيادة 12% عن 2022.
على الجانب الرسمي، تعوّل الحكومة على «استراتيجية تمكين المرأة 2030» التي تهدف إلى رفع نسبة مشاركة النساء في سوق العمل إلى 35% خلال السنوات القادمة، مع إعطاء الأولوية للصناعات التحويلية كثيفة العمالة. وأكدت الدكتورة مايا مرسي، رئيسة المجلس القومي للمرأة، في مؤتمر عقد فبراير الماضي، أن الدولة قطعت خطوات مهمة على صعيد التشريعات، لكنها شددت على أن التحدي الأكبر يبقى في تغيير الثقافة المجتمعية وتحقيق بيئة آمنة وداعمة للمرأة داخل وخارج المصنع.
ورغم هذه الجهود، لا تزال الأرقام تكشف عن تحديات باقية؛ فوفق مسح «اليونيدو» الأخير، ارتفعت نسبة المصانع التي توفر حضانات من 5% إلى 12% فقط، بينما يتراوح متوسط أجر العاملات في مصانع الملابس والمستلزمات الطبية بين 2500 و3500 جنيه شهريًا، ما يدفع العديد منهن إلى العمل لساعات إضافية لتأمين احتياجات أسرهن.
وفي ظل توسع الاستثمارات الأجنبية وتنامي برامج دعم التوظيف، تبدو الفرصة مهيأة أكثر من أي وقت مضى لترسيخ دور المرأة المصرية كعنصر فاعل داخل خطوط الإنتاج. ويبقى الرهان الأكبر معقودًا على تضافر جهود الدولة والقطاع الخاص والمجتمع لضمان بيئة عمل لائقة وآمنة، تعزز المساواة وتحقق التنمية المستدامة، ليصبح المصنع بوابة حقيقية لتمكين ملايين النساء في مصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *