
في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة الثورة الصناعية الرابعة حول العالم، وتتجه الصناعات الكبرى نحو الرقمنة والاعتماد على التكنولوجيا الذكية، تسعى مصر لتكون شريكًا فاعلًا في هذا التحول العالمي، عبر سياسات تستهدف تحويل المصانع التقليدية إلى منظومات إنتاج رقمية متكاملة تعتمد على البيانات والتحكم الآلي وتقنيات الذكاء الاصطناعي.
القطار السريع للبضائع.. رهان جديد لدعم الصناعة المصرية
ورغم الزخم الذي يشهده هذا التوجّه، إلا أن الطريق لا يخلو من تحديات حقيقية تتعلق بالبنية التحتية وكفاءة الكوادر البشرية وارتفاع كلفة التكنولوجيا الحديثة، ما يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى تقدم الصناعة المصرية في التحول الرقمي، وأثر هذا التحول على الإنتاجية والاقتصاد الوطني.
رقمنة المصانع المصرية
ووفقًا لبيانات وزارة الصناعة والنقل، فقد تم حتى منتصف عام 2025 رقمنة نحو 250 مصنعًا بشكل جزئي أو كلي، تتوزع بين قطاعات الصناعات الغذائية والهندسية والدوائية والمنسوجات.
واعتمدت بعض المصانع الكبرى على أنظمة الإنترنت والذكاء الاصطناعي في مراقبة خطوط الإنتاج وتقليل نسب الفاقد، في حين بدأت المصانع الصغيرة في تطبيق برمجيات الإدارة الرقمية الخاصة بالمخزون والإنتاج.
وتُظهر تقارير اتحاد الصناعات المصرية، أن تطبيق نظم التحول الرقمي أسهم في رفع إنتاجية بعض المصانع بنسبة تتراوح بين 15% و25%، مع خفض تكاليف التشغيل بما يصل إلى نحو 10%.
ومع ذلك، ما تزال نسبة كبيرة من المصانع – خاصة الواقعة في المدن الصناعية الجديدة – تعمل وفق أنظمة تشغيل تقليدية وتفتقر إلى البنية التحتية الرقمية الأساسية اللازمة لمواكبة هذا التحول.
وأكد الفريق كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصناعة والنقل، أن الوزارة تعمل على إطلاق “المنصة الصناعية الرقمية المصرية”، التي تهدف إلى تبسيط إجراءات التراخيص وربط المستثمرين إلكترونيًا بالمناطق الصناعية.
وأوضح الوزير، أن التحول الرقمي لم يعد رفاهية، بل ضرورة لتعزيز سرعة الإنتاج وتحقيق الشفافية في تخصيص الأراضي الصناعية وإدارة العمليات داخل القطاع.
وأضاف: أن الدولة خصصت نحو 37% من الاستثمارات العامة في موازنة 2024/2025 لتطوير البنية التحتية الصناعية وتحفيز الصناعات التحويلية، باعتبارها “المحرّك الرئيسي للنمو الاقتصادي”.
وأشار إلى أن الوزارة تتعاون مع جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة والبنوك الوطنية لإعادة تشغيل المصانع المتوقفة، وتوفير تمويلات رقمية مبسطة لدعم المستثمرين وتشجيعهم على التوسع في الإنتاج.
عوائق تطبيق الرقمنة في الصناعة
ورغم الجهود المبذولة لدعم التحول الرقمي في القطاع الصناعي، إلا أن الصناعة المصرية ما زالت تواجه عددًا من التحديات الجوهرية التي تعيق تسارع هذا المسار.
وفي هذا الإطار، أوضح الدكتور محمد عبد المنعم، خبير التحول الصناعي وأستاذ هندسة النظم، أن أبرز العقبات تتمثل في نقص الكوادر المؤهلة لإدارة الأنظمة الرقمية الحديثة، إلى جانب ارتفاع تكلفة تجهيز المصانع بالبنية التكنولوجية اللازمة، فضلًا عن ضعف التنسيق والتكامل بين الجهات الحكومية المختلفة المعنية بالقطاع الصناعي.
وأضاف عبد المنعم: أن بعض المصانع الصغيرة والمتوسطة ما تزال تنظر إلى التحول الرقمي باعتباره عبئًا ماليًا أكثر منه استثمارًا طويل الأجل، وهو ما يقلّل من حماسها للدخول في برامج التطوير والتحديث التكنولوجي التي تتبناها الدولة.
أثر التحول الرقمي على الاقتصاد
ووفقًا لدراسة صادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، فإن تطبيق التحول الرقمي في القطاع الصناعي يمكن أن يسهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 1.5 و2% سنويًا خلال العقد المقبل، إلى جانب زيادة الصادرات بنحو 20% بفضل تحسين جودة الإنتاج وتقليل نسب الأخطاء في خطوط التصنيع.
كما قدر التقرير أن كل مصنع يطبّق نظام إدارة رقمي متكامل يتمكن من توفير ما بين 10% و15% من استهلاك الطاقة والمواد الخام، وهو ما من شأنه أن يعزّز تنافسية المنتج المصري في الأسواق الإقليمية والعالمية، ويدعم توجه الدولة نحو صناعة أكثر كفاءة واستدامة.
يرى المهندس هشام طنطاوي، عضو غرفة الصناعات الهندسية، أن التحول الرقمي في الصناعة لا يقتصر على الأتمتة أو الميكنة فحسب، بل يتجاوز ذلك ليشمل تغييرًا جوهريًا في ثقافة العمل داخل المصانع، إلى جانب تطوير مهارات العاملين بحيث تصبح التكنولوجيا أداة مساندة للإنسان وليست بديلًا عنه.
وأضاف طنطاوي: أن نجاح التجربة يتطلب ربط مبادرات التحول الرقمي بخطط التعليم الفني والتدريب المهني، لضمان تكامل العنصر البشري مع التطور التكنولوجي، محذرًا من أن الاستثمار في التكنولوجيا دون تنمية المهارات البشرية قد يتحول إلى عبء بلا جدوى حقيقية.





