
البنك المركزى يحقق التوازن فى السيولة..
واصل البنك المركزي المصري أداءه القوي في تعزيز الاستقرار النقدي وتحقيق التوازن في السيولة، رغم التحديات الاقتصادية العالمية والإقليمية، إذ أظهرت البيانات الرسمية الصادرة عن المركزي أن صافي الأصول الأجنبية سجل نحو 9.88 مليار دولار (ما يعادل 492.3 مليار جنيه) بنهاية مايو 2025، ليواصل بذلك الحفاظ على فائضه للشهر الثالث عشر على التوالي، بعد تحوله من العجز إلى الفائض منذ مايو 2024.
ويمثل هذا المؤشر أحد الركائز الأساسية في تقييم كفاءة إدارة السياسة النقدية، إذ يعكس قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الخارجية، وتوفير العملة الأجنبية للأسواق المحلية، بما ينعكس إيجاباً على استقرار سعر الصرف وثقة المستثمرين.
وكان صافي الأصول الأجنبية قد سجّل نقلة نوعية خلال العام الماضي، حين أعلن البنك المركزي في مايو 2024 عن تحقيق فائض لأول مرة منذ مارس 2020، بقيمة 458.63 مليار جنيه، مقارنة بعجز بلغ 36.07 مليار جنيه في أبريل 2024، ما يعكس نجاح السياسات الاستباقية التي انتهجها المركزي المصري.
ويرى خبراء أن هذا التحول يُعزى إلى تنويع مصادر النقد الأجنبي، وتحسين بيئة الاستثمار، إلى جانب التنسيق المحكم بين أدوات السياسة النقدية والمالية، وهو ما مهد الطريق لتحقيق فائض مستدام عزز من قدرة الجهاز المصرفي على تمويل احتياجات الاقتصاد.
وبالتوازي مع ذلك، أظهرت البيانات ارتفاعًا ملحوظًا في مؤشرات السيولة المحلية، ما يعكس حُسن إدارة البنك المركزي للكتلة النقدية داخل الاقتصاد، إذ ارتفعت نقود الاحتياطي إلى 2.166 تريليون جنيه بنهاية مايو 2025، مقارنة بـ 2.045 تريليون جنيه في أبريل، بما يُعزز من قدرة البنوك على تمويل القطاعات الإنتاجية والخدمية.
كما بلغ النقد المتداول خارج خزائن البنك المركزي 1.452 تريليون جنيه، مقابل 1.411 تريليون جنيه في أبريل، فيما ارتفعت ودائع البنوك لدى المركزي بالعملة المحلية إلى 714.04 مليار جنيه، مقارنة بـ 634.20 مليار جنيه، وهو ما يعكس الثقة المتزايدة من قبل القطاع المصرفي في سياسات المركزي وقدرته على إدارة أدواته النقدية بفاعلية.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي ونائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، إن الأرقام الأخيرة تؤكد أن البنك المركزي نجح في تثبيت أركان الاستقرار النقدي، رغم التحديات الإقليمية والدولية.
وأضاف ما يقدمه البنك المركزي المصري من إدارة احترافية لأصوله الأجنبية، يبرهن على أن هناك رؤية متكاملة تسعى لحماية الاقتصاد من التقلبات العالمية، وتحقيق استقرار نقدي يدعم بيئة الاستثمار ويشجع تدفقات رأس المال الأجنبي.
وأشار غراب إلى أن الحفاظ على صافي الأصول الأجنبية عند مستويات إيجابية، مع تحسن السيولة المحلية، يؤكد أن البنك المركزي لم يكتف فقط بإجراءات علاجية، بل انتقل إلى تبني سياسات توسعية مدروسة تُحفز النمو دون التأثير على الاستقرار النقدي.
وأكد الخبير الاقتصادي أسلم عصام أن أداء البنك المركزي يعكس قوة الجهاز المصرفي المصري ومتانته، لافتًا إلى أن القدرة على الحفاظ على فائض في صافي الأصول الأجنبية هو مؤشر على استمرارية الاستقرار النقدي، وقدرة المركزي على الوفاء بالتزاماته من دون اللجوء إلى أدوات استثنائية.
وقال إن الارتفاع في ودائع البنوك لدى البنك المركزي يدل على الثقة الكاملة في قدرته على إدارة السياسة النقدية بكفاءة، ويدعم قدرته على التحكم في الكتلة النقدية بذكاء شديد، ما يُقلل من الضغوط التضخمية ويمنح البنوك مساحة أكبر للتمويل.
وشدد عصام على أن التنسيق بين وزارة المالية والبنك المركزي، وتبني منهج استباقي في إدارة الموارد الدولارية، ساعد على امتصاص الصدمات الناتجة عن توترات الأسواق الخارجية، بما في ذلك تداعيات الأزمة في البحر الأحمر وأسعار الطاقة العالمية.
من جانبه، قال الخبير المصرفي باهر عبد العزيز إن مصر بدأت تجني بشكل واضح ثمار الإصلاح النقدي والسياسات التي تبناها البنك المركزي، مشيرًا إلى أن ارتفاع السيولة وتسجيل فائض في الأصول الأجنبية يعدان من المؤشرات الحيوية على تعافي السوق المصرفية.
وأضاف انه رغم التراجع الطفيف في صافي الأصول الأجنبية خلال مايو مقارنة بأبريل، إلا أن الحفاظ على الفائض عند مستويات قوية يعكس مرونة عالية في الإدارة النقدية، خاصة في ظل متطلبات تمويل دولية دورية.
وأكد عبد العزيز أن استمرار البنك المركزي في إدارة ملف العملة الأجنبية باحترافية، إلى جانب الدعم الكبير من برامج التمويل الدولية والطروحات الحكومية، سيمهد لمرحلة من الاستقرار النقدي المستدام، وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
يتفق الخبراء على أن البنك المركزي نجح في تعزيز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب من خلال أداء نقدي مستقر وشفاف، حيث تشير البيانات إلى وجود اتجاه تصاعدي في قدرة القطاع المصرفي على إدارة السيولة بكفاءة، إلى جانب تحسن تدريجي في الموارد الدولارية.
ويُتوقع أن تستمر هذه المؤشرات في التحسن خلال النصف الثاني من 2025 بدعم من زيادة عائدات السياحة وتحويلات المصريين بالخارج، إلى جانب الانفراجة المرتقبة في ملف الطروحات الحكومية، والتي من شأنها جذب المزيد من العملات الأجنبية إلى السوق.
يبرهن الأداء المالي الأخير للبنك المركزي المصري على نجاح استراتيجية الاستقرار النقدي والتحوط ضد التقلبات، إذ تمكن من الحفاظ على فائض صافي الأصول الأجنبية، ورفع مؤشرات السيولة المحلية دون إحداث ضغوط تضخمية.
ويؤكد ذلك أن السياسات المتبعة ليست فقط فعالة بل مستدامة، وتعكس حُسن إدارة وتخطيط من جانب قيادة البنك المركزي، بما يضمن الاستقرار النقدي، ويعزز من قدرة الاقتصاد المصري على مواجهة التحديات بثقة وقوة.