
عاد الحديث بقوة حول ارتفاع أسعار عدد من الأصناف الدوائية، مع تصريحات متعددة من المصنعين والصيادلة والحكومة، وسط معاناة المواطنين بعد أن يصبح العلاج عبئًا إضافيًا على كاهلهم، وأن تدخل البلاد في موجة جديدة من نقص الأدوية أو ارتفاع أسعارها إلى مستويات غير مسبوقة.
خلال الأسابيع الأخيرة، اشتعل الجدل مع مطالبة شركات الأدوية بزيادة أسعار بعض الأصناف التي قالت إنها أصبحت تُباع بخسارة، بعد موجات التضخم المتعاقبة وارتفاع تكاليف الإنتاج. وأكدت شعبة الأدوية بالغرفة التجارية بالقاهرة، على لسان الدكتور علي عوف، أن “زيادة أسعار الدواء أصبحت ضرورة”، مشيرًا إلى أن المصانع لا تستطيع الاستمرار في الإنتاج بهذه الخسائر، وأن بعضها بدأ بالفعل في تقليص إنتاجه أو سحب منتجات من السوق.
وأوضح عوف أن عددًا من الشركات الأجنبية أوقفت استثماراتها وخططها التوسعية في مصر، نتيجة تعقيدات المشهد الحالي، مؤكدًا أن سعر الصرف، وارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، أثّر بشكل مباشر على تكلفة التصنيع. وأضاف: “الدواء المستورد تراجعت كمياته في السوق، والشركات لم تعد تجد جدوى في الاستمرار دون مراجعة الأسعار”.
وأكد رئيس شعبة الأدوية أن السوق يمر بحالة حرجة، ويحتاج إلى “قرارات عاجلة من الحكومة لحماية الصناعة المحلية”، مشيرًا إلى أن عدم التدخل قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة، وعودة ظواهر سابقة مثل السوق السوداء، وتزايد النقص في الأدوية الحيوية، خاصة الأدوية المزمنة وأدوية الأطفال.
عبرت شعبة الصيادلة بالغرفة التجارية عن قلقها إزاء التطورات الحالية، مؤكدة أن نقص بعض الأصناف بدأ يظهر في السوق، في حين ارتفعت أسعار أخرى دون إعلان رسمي. وذكر أحد مسؤولي الشعبة في تصريحات صحفية، أن الصيدليات باتت تعاني في توفير عدد من الأدوية الشائعة، خاصة المضادات الحيوية وأدوية الجهاز الهضمي.
وقال صيادلة تحدثت معهم “البورصجية” إن “الأمر أصبح مرهقًا للمرضى والصيادلة على حد سواء، فحتى عندما تكون الأدوية متوفرة، فإن الأسعار تتغير بشكل غير منضبط. وهناك حالات لأدوية زادت مرتين خلال أقل من 6 أشهر، وهذا يخلق حالة من البلبلة والشك بين المرضى”. فيما قال مواطنون إنهم يُضطرون أحيانا إلى الذهاب لأكثر من صيدلية، بحثا عن نوع واحد، دون جدوى.
وسط هذه الأجواء، خرج رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، بتصريحات تحاول طمأنة الرأي العام، مؤكدًا أن الدولة لن تترك سوق الدواء دون رقابة، وأن هناك توافقًا مع الشركات لضبط الأسعار دون الإضرار بالمواطنين. وقال مدبولي، في مؤتمر صحفي عُقد يوم الأربعاء الماضي، إن “سوق الأدوية كانت تعاني من مشكلات بسبب الأزمة الاقتصادية، وتم الاتفاق مع شركات الأدوية على زيادة متدرجة في الأسعار”.
وأوضح: “آخر جزء تم تنفيذه كان من أشهر قليلة. وده كان بالفعل اللي حصل بناء على الاتفاق اللي عملناه معاهم”، مؤكدًا أن الحكومة تتعامل مع الأدوية باعتبارها “سلعة استراتيجية ستظل مدعومة بصورة كبيرة من الدولة ومن القطاع الخاص”.
وأردف مدبولي: “هناك توافقات على الأسعار بتحصل في إطار إن إحنا مش عايزين هذه الشركات تخسر، وبالتالي تتوقف عن الإنتاج وتحصل أزمة”. وأضاف أن الحكومة تعمل مع كل الأطراف ذات الصلة، بما في ذلك نائب رئيس الوزراء وزير الصحة، وهيئة الشراء الموحد، وهيئة الدواء، لضمان استقرار السوق وتوافر الأدوية بشكل مستدام.
و يرى خبراء أن الأزمة الحالية ليست مجرد أزمة أسعار، بل أزمة في هيكل السوق نفسه، الذي يعتمد بشكل كبير على المواد الخام المستوردة. يقول الخبير في الصناعات الدوائية، الدكتور حسام الدين عبد الرازق، إن مصر تعتمد بنسبة تفوق 90% على استيراد المواد الخام الدوائية، وهو ما يجعل السوق شديد التأثر بأي تقلبات في سعر الصرف أو تكاليف الشحن.
ويضيف: “نحتاج إلى رؤية استراتيجية لتوطين صناعة المواد الخام، أو على الأقل تنويع مصادر الاستيراد وتقليل الاعتماد على عدد محدود من الموردين، كما يجب أن يكون لدينا مخزون استراتيجي من الأدوية الحيوية يكفي عدة أشهر”.
ويشير اقتصاديون إلى أن سياسة تسعير الدواء في مصر تحتاج إلى مراجعة شاملة، إذ أنها تخضع لقيود طويلة الأمد، جعلت بعض الأصناف تُباع بسعر لا يغطي تكلفتها. ويؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور محمود سامي أن الحل لا يكمن فقط في رفع الأسعار، بل في إعادة هيكلة الدعم، وتوفير آليات لضمان وصول الدواء المدعوم إلى من يستحقه.
ويقول الدكتور جمال العطار، خبير الصناعات الدوائية إن “دعم الدولة لقطاع الدواء لا يعني بالضرورة تثبيت الأسعار، بل يمكن أن يشمل إعفاءات ضريبية أو تسهيلات ائتمانية أو دعمًا مباشرًا للخامات”، مضيفًا أن “إبقاء الأسعار مجمدة في ظل ارتفاع التكاليف يؤدي بالضرورة إلى نقص المعروض”.