بينما كان المصريون ينتظرون منتصف شهر أكتوبر بفارغ الصبر، لانتهاء أزمة “تخفيف الأحمال” التي كان التيار الكهربائي ينقطع بموجبها لمدة ساعة يوميًا، فوجئوا بمضاعفة مدة الانقطاع إلى ساعتين، وسط أنباء عن احتمال مضاعفتها أكثر من ذلك.
وكانت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة قد لجأت إلى تطبيق انقطاعات منتظمة للتيار في معظم البلاد منذ شهر يوليو الماضي، بعد أن تسببت ارتفاع درجة الحرارة وتراجع إمدادات الوقود، في حدوث ضغوط كبيرة على شبكة الكهرباء، ما اضطر الحكومة إلى تطبيق جدول زمني لانقطاع التيار، بخلاف عدة إجراءات أخرى لترشيد الاستهلاك.
وعلى الرغم من تصريحات حكومية سابقة، أكدت أن “تخفيف الأحمال” سينتهي بحلول منتصف أكتوبر، مع بدء انخفاض درجات الحرارة، قال المستشار سامح الخشن، المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء، إن زيادة فترة انقطاع الكهرباء التي بدأت اعتبارا من الأحد الماضي، جاءت نتيجة الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة عن مثيلاتها في نفس الفترة من العام السابق.
زيادة استهلاك الكهرباء
وقد أدى ارتفاع درجات الحرارة بدوره إلى زيادة استهلاك الكهرباء بصورة مرتفعة مع انخفاض الطاقة المولدة من المصادر الجديدة والمتجددة (الرياح – الطاقة الشمسية – الطاقة المائية) في نفس الفترة عن العام السابق، وهو الأمر الذي نتج عنه التحميل على استهلاك الغاز بكميات فاقت معدلات الاستهلاك الطبيعي، مقارنة بالاستهلاك الذي شهدته نفس الفترة من العام السابق، وفقا للمتحدث.
بحسب الخشن، بلغت درجة الحرارة في أكتوبر نحو 31 درجة، مقارنة بدرجات تتراوح بين 25 و28 درجة في العام الماضي، وتزامن قرار زيادة فترة انقطاع الكهرباء مع ارتفاع استهلاك الكهرباء في مصر بنحو 18 في المئة.
ويعد قطاع توليد الكهرباء الأكثر استهلاكاً للغاز في مصر، إذ تبلغ نسبة الاستهلاك أكثر من 58 في المئة، وفقًا للشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية “إيجاس”، وعلى الرغم من تراجع هذه النسبة في العام الماضي، لا يزال الغاز المصدر الرئيس لتوليد الكهرباء في البلاد بنسبة تجاوزت 79 في المئة.
ويبلغ متوسط ما تحصل عليه محطات إنتاج الطاقة الكهربائية حاليًا من الوقود نحو 133 مليون متر مكعب مكافئ يوميًا فيما يتم ضخ ما يقرب من 15 إلى 20 ألف طن مازوت يوميا.
وسبق أن صرح الرئيس عبد الفتاح السيسي بأننا “نستخرج 1.7 مليون برميل مكافئ من الزيت والغاز يوميا، والمشكلة أن هذه الكمية لا تكفينا”.
ولفت المتحدث إلى أن الزيادة في استهلاك الكهرباء من الغاز تزامنت مع انخفاض كميات الغاز الموردة من خارج مصر من 800 مليون قدم مكعب غاز يوميا إلى صفر، مضيفًا أنه “حرصا على استمرار تشغيل شبكة الكهرباء بشكل آمن، تم تخفيض الأحمال لحين عودة الحرارة إلى معدلاتها الطبيعية، وبعدها ستعود الأمور كما كانت”.
المدة قد تتضاعف
وبينما عبر المواطنون عن استنكارهم زيادة مدة انقطاع الكهرباء إلى ساعتين، نقلت منصة “الطاقة” الإخبارية عن مصادر لم تسمها أن المدة قد تتضاعف إلى 4 ساعات بدلاً من ساعتين، وذلك بعد توقف إسرائيل عن تصدير الغاز إلى مصر بشكل كامل.
وقالت المصادر إن استمرار الحرب الحالية بين قوات الاحتلال الإسرائيلية وفصائل المقاومة الفلسطينية لمدة أطول من ذلك، وشح صادرات الغاز إلى مصر من الجانب الإسرائيلي، من شأنهما أن يدفعا مصر إلى زيادة عدد ساعات انقطاع الكهرباء.
وتعتمد مصر على واردات الغاز الإسرائيلي لتلبية جانب من الطلب المحلي، وكذلك لإعادة التصدير، حيث تستورد الغاز الطبيعي من إسرائيل من حقلي ليفياثان وتمار.
وبدأت مصر استيراد الغاز من إسرائيل لأول مرة في 2020، في صفقة قيمتها 15 مليار دولار بين شركة نوبل إنيرجي -التي استحوذت عليها شيفرون في 2020- وديليك دريلينج، وشركة دولفينوس القابضة المصرية.
ولدى مصر خط أنابيب، يمتد من العريش بمصر إلى عسقلان بإسرائيل عبر البحر المتوسط بطول 100 كيلومتر، على بعد نحو 10 كيلومترات شمالي غزة، وقد أعلنت شركة شيفرون إيقاف تصدير الغاز عبره، واستخدام خط أنابيب بديل عبر الأردن، بسبب مخاوف أمنية.
وأعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية في وقت سابق من أكتوبر، تعليق الإنتاج مؤقتا من حقل ” تمار”، وستبحث عن مصادر وقود بديلة لتلبية احتياجاتها، وذلك في أعقاب الهجوم العسكري الذي شنته حركة حماس الفلسطينية.
وقال بيير بريبر، المدير المالي لشركة شيفرون، إن منصة ليفياثان التابعة للشركة زادت الإنتاج لتخفيف الخسارة البالغة مليار قدم مكعبة يومياً من وقف إنتاج حقل “تمار”، لكنه أكد أن الأولوية في تسليم الغاز المستخرج أعطيت للأردن وإسرائيل، بينما تم تقليل حصة الصادرات إلى مصر.
أزمة الدولار تحكم
ولا تضغط أزمة توقف توريد الغاز إلى مصر على إنتاج الكهرباء فحسب، بل إنها تزيد من صعوبة أزمة النقد الأجنبي، فمن المتوقع أن تؤدي إلى انخفاض صادرات مصر من الغاز إلى أوروبا ومن ثم تراجع حصيلة العملة الصعبة، فقد قال محللو مجموعة جولدمان ساكس إن “هذا بدوره يمكن أن يحد من الانتعاش المعلن مؤخرًا في صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال”.
وعزا الرئيس السيسي أزمة انقطاع الكهرباء، إلى تضاعف أسعار الغاز ، في وقتٍ تحتاج فيه البلاد إلى الدولار لاستيراد البترول، مشددا على ضرورة أن “نتحمل ذلك” لأن الدولة “لن نستطيع الاستدانة أكثر من ذلك”.
وفي إشارة لى أزمة العملة الصعبة التي تعانيها الدولة، قال الرئيس خلال كلمته في مؤتمر “حكاية وطن” إن “الكهرباء التي تنقطع توفر للدولة 300 مليون دولار، أي 9 مليارات جنيه في الشهر، أي 108 مليارات جنيه في السنة”.
وقال الرئيس إن المشكلة تكمن في أن وزير الكهرباء الدكتور محمد شاكر، يحصل على الغاز بـ 3 دولارات، بينما يبيعه الدكتور طارق الملا وزير البترول في السوق المحلية بـ 7 دولارات، والسوق الخارجية بـ 12 دولارًا، ومع ذلك لا تسدد الكهرباء قمة ما تحصل عليه، لافتا إلى أن حجم سرقة الكهرباء في مصر، يصل إلى مليون حادثة كل شهر، وفقا للتقارير التي يتلقاها.
وسجلت فاتورة الوقود والغاز الطبيعي خلال الأشهر الثلاث الماضية 39 مليار جنيه، حصلت عليها وزارة الكهرباء من وزارة البترول بواقع 13 إلى 13.5 مليار جنيه شهريا بالرغم من إعلان الحكومة خطة تخفيف الأحمال ساعة يوميا.
ونقل موقع “مصراوي” عن مصدر في وزارة الكهرباء، قوله إن الشركة القابضة لكهرباء مصر تسدد نحو 4 مليارات جنيه فقط لعدد من الأسباب أبرزها تأجيل إقرار الزيادات لأكثر من عام ونصف، وهو ما تتحمله وزارة المالية، بالإضافة إلى ارتفاع كميات سرقات التيار الكهربائي بمختلف المناطق وكذلك تراجع نسب التحصيل بعدد من الشركات لاتساع نطاقها الجغرافي وعدم وجود عمالة كافية كي تقوم بأعمال التحصيل والمتابعة المستمرة، بجانب ضعف تركيب العدادات الكودية لعدم وجود كميات كافية منها بتركيبها بنطاق الشركات المختلفة.
إنتاج مصر من الغاز
بلغ متوسط إنتاج مصر من الغاز الطبيعي خلال العام المالي الماضي (2022-2023)، نحو 6.2 مليار قدم مكعب يوميا، في حين بلغ متوسط الاستهلاك المحلي 5.9 مليار قدم مكعب يوميا، وفقا لبيانات رسمية.
وتشير هذه البيانات، إلى تراجع إنتاج مصر من الغاز، حيث بلغ خلال العام المالي السابق (2021-2022) نحو 6.7 مليار قدم مكعب يوميا، وتراجع الاستهلاك أيضا حيث بلغ في العام السابق 6.1 مليار قدم مكعب يوميا.
وبحسب بيان سابق لوزارة البترول، يذهب 57 في المئة من استهلاك الغاز الطبيعي في مصر إلى قطاع الكهرباء، و25 في المئة لقطاع الصناعة، و10 في المئة لقطاع البترول ومشتقات الغاز، و6 في المئة للمنازل، و2 في المئة لتموين السيارات.
وخلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2023 تراجع إنتاج الغاز الطبيعي إلى أدنى مستوى في ثلاث سنوات، بحسب الأرقام الصادرة عن مبادرة بيانات المنظمات المشتركة (جودي).
أما “عرب فاينينس”، فقد ذكرت أن إجمال استهلاك مصر من الغاز الطبيعي يبلغ نحو 6 مليارات قدم مكعب يوميا، تستحوذ الكهرباء منها على نحو 65 في المئة، وتعوض الشركة القابضة للغاز “إيجاس” الفجوة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك باستيراد ما يتراوح بين 800 مليون و1.2 مليار قدم مكعب يوميا من الغاز، بإجمالي 220 مليون دولار لنحو ثماني شحنات شهريا.
وأفادت مصادر مسئولة بوزارة الكهرباء، بأنه يتم التنسيق مع “إيجاس” بشأن الحصول على كميات الغاز اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء على مستوى الجمهورية، لافتة إلى أن التنسيق يتعلق بالكميات التي يتم توفيرها شهريًا للمحطات، والتي تستقر أو تتأثر بحجم الإنتاج وكذلك إجمالي الشحنات التي يتم الحصول عليها من الخارج والتي توقفت الفترة الماضية.
وتهدف وزارة البترول للوصول إلى ما يتراوح بين 6.3 إلى 6.5 مليون قدم مكعب يوميا من الغاز، وذلك قبل منتصف العام الحالي، وهذا ما تسعى مصر لإنتاجه من حقل ظهر الذي سيوفر على البلاد نحو مليار دولار سنويا، إلا أن مصدرًا بوزارة البترول قال إن إنتاج الحقل الذي يعد أكبر حقول الغاز في مصر “يسجل انخفاضا في الفترة الأخيرة”. فيما أعلن وزير البترول حفر 35 بئرا استكشافية جديدة للغاز الطبيعي خلال العامين المقبلين باستثمارات 1.8 مليار دولار.