موجة عنيفة من ارتفاعات الأسعار ضربت الأسواق المصرية خلال الأيام الأخيرة، حيث شهدت بعض السلع ارتفاعات جنونية تجاوزت 100%، ووصلت أسعار الذهب والحديد والأخشاب إلى أرقام قياسية، وطالت نيران الغلاء اللحوم والدواجن والسكر والأرز والخضار والفاكهة ورغيف العيش ومنتجات الألبان، وغيرها من السلع والخدمات، ورغم تحركات الحكومة في أكثر من اتجاه لمواجهة هذا الطوفان ولكنها فشلت في مواجهة استمرار ارتفاع الأسعار، في ظل أزمة شح العملة الصعبة التي تفاقمت بسبب تداعيات الحرب في غزة، وانخفاض إيرادات قناة السويس بعد الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، بالإضافة إلى تراجع إيرادات السياحة وتحويلات المصريين بالخارج.
وبالتزامن مع هذه الأزمة العنيفة التي تمر بها مصر خفض صندوق النقد الدولي في تقرير “مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي يناير 2024” توقعاته لنمو الاقتصاد المصري خلال العام المالي الجاري 2023 – 2024 بنسبة 0.6% حيث توقع أن ينمو اقتصاد مصر بنسبة 3% خلال السنة المالية الحالية مقابل توقعات سابقة في أكتوبر الماضي بنمو 3.6%، كما خفض الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد المصري خلال العام المالي المقبل إلى 4.7% بدلا من 5% كما خفضت وكالة “موديز” في يناير الحالي نظرتها المستقبلية لتصنيف الإصدارات الحكومية المصرية من مستقرة إلى سلبية وذلك بعد أن سبقتها وكالتا “فيتش” و”ستاندرد آند بورز” بتخفيض التصنيف.
ويقول الدكتور خالد الشافعي الخبير الاقتصادي أن عدم قدرة الحكومة على الرقابة والتفاعل مع السوق أحد أهم أسباب ارتفاعات الأسعار حيث لم تتمكن الحكومة من القضاء على سيطرة بعض التجار على عدد مهم من السلع الأساسية والاستراتيجية ما تسبب في موجات من الزيادات في جميع أسعار السلع وأصبح هناك أكثر من سعر لكل منتج، مشددًا على ضرورة تفعيل الرقابة الإيجابية للحد من الزيادات العشوائية في الأسعار فالأسواق لن تشهد أي تراجع في الأسعار قبل إحكام الرقابة والقضاء على عشوائية التسعير والزيادات غير المنطقية التي يفرضها كبار التجار والمصنعين على السلع والمنتجات.
وأشار الشافعي إلى أن الشركات تسعر الدولار بطريقة غير طبيعية ويدعون ارتفاع تكلفة الإنتاج والتجار يرفعون الأسعار بطريقة عشوائية وبعض الناس الذين لديهم القدرة الشرائية يقومون بشراء بعض السلع بأسعار مرتفعة وغير حقيقية وبالتالي تكون انطباعًا بأن هناك أموال في مصر وأن الغلاء لم يسبب مشكلة ولم يؤثر على البيع والشراء، مشددًا على أن ارتفاع الأسعار سببه الرئيسي ليس عالميًا ولكن لأسباب داخلية ترجع إلى تقلبات سعر الصرف في السوق السوداء خلال الفترة الماضية حيث تجاوز سعر الدولار حاجز الـ 70 جنيهًا دون أن نرى أي تدخل من الحكومة أو تقديم حلول واقعية وقريبة للأزمة.
ويرى الدكتور مصطفى بدرة الخبير الاقتصادي إن جميع الأزمات المتعلقة بالسلع في مصر مرتبطة بشكل مباشر باستمرار توسع ظاهرة الاحتكار مع عدم وجود رقابة قوية على السوق ما تسبب في ارتفاع أسعار الكثير من السلع بنسب قياسية مشيرًا إلى إن الأزمة ليس لها علاقة بما تشهده سوق الصرف أو الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار وإن كان لها علاقة غير مباشرة لكنها لا تتسبب في رفع الأسعار بهذه النسب ولكن الأزمة الحقيقية في قيام عدد كبير من كبار التجار بتخزين كميات ضخمة من السلع لتعطيش السوق وبيعها بأسعار تقترب من ضعف السعر الرسمي وهو ما يتطلب وجود رقابة قوية على السوق.
وطالب بدرة من الحكومة أن تضع حدًا لكل هذه التجاوزات وتضع رؤية شاملة تكون قادرة على إحداث رقابة فعالة وحقيقية على ما يجري داخل السوق لأن انضباط السعر في داخل الأسواق من شأنه إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح.
ويقول الدكتور محمد عبد العال الخبير المصرفي إن أي زيادة في سعر صرف الدولار من قبل البنك المركزي ستنعكس على فاتورة الاستيراد الأمر الذي ينعكس على زيادة معدل التضخم لافتًا إلى أنه من الأفضل الحفاظ على استقرار سعر الصرف لحين توفير سيولة دولارية من مصادر بعيدة عن الاحتياطي والديون وتكون كافية لتغطية احتياجات السوقين الرسمية والموازية ومعها نستطيع العودة لسياسة مرنة لسعر صرف العملة وبالتالي نستطيع التخلص من هذه الأزمة المستمرة منذ سنوات.
ويرى هيثم الجندي الخبير الاقتصادي أن الأزمة الحقيقية في مصر ترجع إلى وجود سوقين للدولار مع عدم وجود وفرة الدولار وهذا تسبب في تراجع الاستثمارات فلن يأتي مستثمر في دولة بها سعران للعملة ومع عدم وجود استثمارات جديدة لن يوجد إنتاج وبالتالي تتفاقم الأزمة، لافتًا إلى أن بعض المنتجين والمصنعين تركوا أعمالهم الأساسية وتفرغوا للمتاجرة في الدولار والذهب، مطالبًا بتغيير السياسات الاقتصادية في مصر قبل أن تخرج الأزمة عن السيطرة والسعي إلى زيادة القرض من صندوق النقد الدولي مع جودة إنفاق أموال القرض حتى نتحصل على شهادة ثقة نستخدمها لجذب استثمارات أجنبية جديدة تنعش الاقتصاد المصري سريعًا كذلك العمل على حلول مستدامة لأزمة الدولار ومن أهمها الاهتمام بالصناعة والإنتاج المحلي لجذب الاستثمارات وزيادة الصادرات.