خسائر الجيش الإسرائيلي في غزة تتوالى بصورة غير مسبوقة، ويدفع الاحتلال يوميا فاتورة أثقلت كاهل نتنياهو، الأمر الذي بات يهدده بالمثول للمحاكمة، بل وانتهاء مستقبله السياسي إلى الأبد، نظرا للإخفاقات الكبيرة للجيش في غزة، وعدم تحقق الوعود التي قطعها رئيس الوزراء على نفسه منذ انطلاق الحرب.
نتنياهو كان «يظن» وفي الظن إثم، أن المعركة في غزة ستكون نزهة لجنوده، وأنه سوف يستطيع بفضل الدعم «المضمون» للحليف الأمريكي والأوروبيين من قضاء المهمة في أيام معدودة، وإغلاق ملف الصراع العربي الإسرائيل إلى الأبد، وأن فلسطين ستصبح مستعمرة يهودية بعد ترحيل الغزيين بالقوة إلى دول الجوار، والأهم القضاء تماما على حماس والمقاومة وترسيخ أمن دولة الاحتلال إلى الأبد.
المعركة منذ انطلاق طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي كانت كل مدلولاتها تؤكد أنها مختلفة تمام، وأنها محطة فارقة في تاريخ الصراع، ولكن هذه المرة لصالح الأشقاء في فلسطين الذين أعدوا العدة والعتاد تماما لتلك الجولة عبر تخطيط منظم وتدريبات قتالية على أعلى المستويات، فقد دمجوا في خطتهم بين الحرب المنظمة وحروب العصابات، بالإضافة إلى المخزون الاستراتيجي من الصواريخ والأسلحة والدعم اللامحدود من الأهالي.
المحتل وجيشه الجرار تخيلوا في بداية المعركة أن ما يتعرضون له «حلاوة روح» وأن المقاومة سوف تستنفذ ما لديها من أسلحة خلال ساعات أو أيام، وأعلن نتنياهو لمجلس حربه «المشؤوم» أن الحرب ستنتهي في مدة أقصاها 15 يوما بعد تحقيق أغراضها كاملة.
ومرة أيام نتنياهو المعدودة في صورة كابوس مفزع أطار النوم من عينيه، وأصاب الإسرائيليين بالفزع والهلع، وهو ما دفع أكثر من نصف مليون يهودي للهروب إلى أماكن آمنة خارج الدولة ونزوح 250 ألف أخرين بعيدا عن غلاف غزة، ودخلت الحرب مراحل متطورة ومتقدمة وصلت إلى 110 أيام لم تنطفئ فيها نار المعركة حتى أيام الهدنة الإنسانية التي انهارت هي الأخرى قبل اكتمال موعدها.
التطورات على أرض المعركة جعلت جيش الاحتلال يفقد أعصابه وترتعش أيادي جنوده، فشاهدنا حكايات النيران الصديقة التي حصدت أروح الجنود بأيدي زملائهم، وكثف المحتل غضبه الجم في حرب لم تشهد لها المنطقة مثيل «جوية برية بحرية» مستخدما ترسانة الأسلحة الحديثة والمتطورة، بل استخدم أسلحة محرمة دوليا وارتكب جرائم حرب تستوجب الخضوع للمحاكمات العاجلة.
وحاصر المحتل قطاع غزة واستخدم سلاح التجويع ومنع المساعدات، ولم يكتف بذلك، بل ضرب المستشفيات ومراكز الإيواء وسيارات الإسعاف واستهدف كل أنواع الحياة على أرض غزة ليحولها إلى مدينة أشباح.
نتنياهو الذي يخشى الصعود إلى الهاوية يحاول بشتى الطرق تحقيق أي نصر بأي طريقة على أرض المعركة، فحاول توسيع بؤر الصراع لكسب التعاطف الدولي، إلا أن المعارضة القوية التي يقودها وزير دفاعه وأهالي الرهائن المحتجزين لدى المقاومة، وحتى بايدن الحليف الأبدي الذي أصبح ينادي بإنهاء الحرب وإقامة الدولة الفلسطينية، ذاد من جنونه وأصبح يوزع التهم جزافا على دول الجوار في محاولة يائسة لفتح بؤر جديدة للصراع.
الحقائق كلها باتت تؤكد أن أيام رئيس الوزراء الإسرائيلي معدودة، فأمره الآن بين المعرضة والجبهة الداخلية التي بدأت اعتصامات مفتوحة تهدد الكيان كله، وبين الرأي العام العالمي وزيادة الضغوط الدولية والمظاهرات الشعبية التي اجتاحت العالم دون توقف منددة بجرائم الحرب في غزة، ومطالبة بوقفها فورا.
باختصار.. إسرائيل تترنح من كثرة الهزائم التي لم تعتادها، والمقاومة الفلسطينية تزداد قوة وتنظيم رغم حرب الإبادة التي يتعرض لها القطاع، والحقيقة تكشفها وسائل إعلام الاحتلال نفسها بعد ما تعرض له جيش الكيان في خان يونس مؤخرا وأدى إلى مقتل 21 ضابطا وجنديا، فقد أجمعت وسائل الإعلام العبرية على أن يوم الاثنين 22 يناير 2024، كان من أسوأ أيام الحرب في غزة، حيث مني جيش الاحتلال بأكبر عدد من الخسائر منذ هجومه البري على القطاع، بخلاف الأعداد الكبيرة من الجرحى.
تبقى كلمة.. بعد أكثر من 7 عقود من حلم اليهود المزعوم بالوطن الأكبر على حساب العالم العربي، آن الأوان ليفيقوا من غفوتهم فأطفال الحجارة باتوا رجالا أولو بأس «غزة نموذجا»، وغدا أطفال طوفان الأقصى سوف يتمكنون من إزالة المحتل ليس فقط عن أراضيهم ولكن من الوجود.