أثارت الأنباء حول اعتزام شركة النصر لصناعة السيارات، إنتاجَ سيارة كهربائية جديدة، الحنين والحماسة لدى المصريين، أكثر مما أثارت الجدل، ففي ظل الارتفاع الشديد في أسعار السيارات، يأمل كثيرون لو أنّ شركة النصر تعاود الإنتاج مجددًا، علّها تسهم في خفض الأسعار وضبط السوق.
وشركة النصر، هي أول شركة سيارات في مصر والشرق الأوسط، إذ تأسست عام 1959، وقد اشتهرت بإنتاج الشاحنات والجرارات الزراعية والحافلات تحت إشراف شركة ألمانية، قبل أن يتم تأميمها في مايو عام 1960.
لكنّ المنافسةَ الشرسة مع الشركات العالمية في مطلع التسعينيات، أدت إلى زيادة الخسائر وتراكم الديون، ما دفع الحكومة المصرية لاتخاذ قرار بتصفية الشركة عام 2009.
عودة النصر؟
مع أنّ الشركة التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام، نفت ما يتردد حول إنتاجها سيارة كهربائية على خطوطها، فقد أكدت أن هناك مفاوضات جارية مع شركات أجنبية في هذا الشأن.
وقد سبق أن صرح هشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام السابق، في مقابلة صحفية عام 2021، بأن مصر تتطلع إلى إعادة تشغيل مصنع النصر للسيارات للعمل بطاقة قصوى 50 ألف سيارة كهربائية سنويا، تبدأ في العام الأول بعدد 25 ألف سيارة مع بدء الإنتاج رسميا في يناير 2022. وأضاف أن الحكومة تستهدف زيادة نسبة التصنيع المحلي إلى المنتج النهائي إلى 58 في المئة، خلال العام الثاني (2023) من بدء الإنتاج.
وإن نفت وزارة قطاع الأعمال العام – في بيانها- المعلومات المغلوطة التي انتشرت على مواقع التواصل عبر “صفحات مجهولة” مهددة بمقاضاة تلك الصفحات، فإنها أشارت في الوقت نفسه، إلى مساعيها الجادة نحو التوسع في إنتاج المركبات الصديقة للبيئة، في إطار حرص الدولة على توطين صناعة السيارات ومواكبة التطور العالمي في هذه الصناعة بالتخلي عن الوقود التقليدي الأحفوري.
وأكدت الوزارة أن الشركة أنتجت مؤخرًا أتوبيسًا سياحيًا صديقًا للبيئة وفق أحدث المعايير الأوروبية للانبعاثات، بالإضافة إلى “ميني باص” للعمل في منظومة النقل العام بالتعاون مع وزارة النقل.
وقال عبد السلام نصير، عضو شعبة استيراد السيارات باتحاد الغرف التجارية، إن ما تردد بشأن إنتاج أول سيارة كهربائية من قبل شركة النصر “أمر يتم العمل عليه”، حيث يجري التفاوض مع عدة جهات، لكنه لم يتم تحديد موعد ظهور السيارة الكهربية المحلية الصنع في السوق، لافتا إلى أن هذه السيارة ستكون صديقة للبيئة. وأضاف أن السيارة الجديدة ستكون صغيرة الحجم، ومن المتوقع أن تباع بـ500 ألف جنيه.
توطين الصناعة
تولي مصر استراتيجية توطين صناعة السيارات أهمية كبيرة، كأحد القطاعات الرئيسية المستهدفة وفقا لرؤية مصر 2030، حيث أنشأت المجلس الأعلى لصناعة السيارات برئاسة رئيس مجلس الوزراء.
ويهدف المجلس إلى تطوير وتنمية قطاع صناعة السيارات في مصر وإقرار السياسات العامة والخطط والاستراتيجيات اللازمة لتنمية الصناعة ووضع الإطار التشريعي والحلول المناسبة للمعوقات قد تواجه الصناعة.
كما أسست الحكومة صندوق تمويل صناعة السيارات صديقه البيئة، الذي يستهدف تنمية الموارد اللازمة لتمويل وتنمية وتطوير صناعة وسائل النقل المستدام، وخصوصا إنشاء المراكز التكنولوجية وإجراء الأبحاث اللازمة لتطوير هذه الصناعة لتصبح مصر مركزا لصناعة مكونات السيارات في أفريقيا والشرق الأوسط، بحسب تصريحات حسام هيبة رئيس الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة.
وقال هيبة، خلال جولة ترويجية للفرص الاستثمارية في صناعة السيارات أمام الشركات اليابانية، في وقت سابق من الشهر الجاري، إن الحكومة تمنح حوافز إضافية للشركات كلما زادت نسبة المكون المحلي في الصناعة، وهو وما يتوافق أيضا مع استراتيجية الدولة لتوطين الصناعات والاستثمار من أجل التصدير.
ووقعت ثلاثة أطراف حكومية مصرية، تضم الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، وصندوق تمويل صناعة السيارات صديقة البيئة التابع لوزارة المالية، ووحدة صناعة السيارات التابعة لوزارة التجارة والصناعة، 3 اتفاقيات إطارية مع شركات متخصصة في مجال تجميع السيارات محليًا.
وقال الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء إن الاتفاقات الثلاثة تأتي في ظل اهتمام الحكومة بتطوير وتنمية صناعة السيارات في مصر وخاصة السيارات صديقة البيئة وصدور قانون رقم 162 لسنة 2022 بإنشاء المجلس الأعلى لصناعة السيارات وصندوق تمويل صناعة السيارات صديقة البيئة بهدف تطوير وتنمية قطاع صناعة السيارات في مصر.
وأضاف، أن التعاون يأتي أيضًا في ظل صدور “البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات AIDP” ” الذي يعد بمثابة سياسة متكاملة وشاملة لصناعة السيارات والصناعات المُغذية لها والتي توفر منظومة مستقرة تتوافق مع جميع الالتزامات الدولية، ويعتمد البرنامج بالأساس على القطاع الخاص كمحرك لعملية التنمية.
واتفق أطراف الاتفاقات الإطارية الثلاثة على التعاون المُلزم فيما بينهم بما يحقق أهداف البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات، وفي ضوء الحوكمة الإجرائية لصندوق تمويل صناعة السيارات صديقة البيئة.
ويُعد هذا المشروع من أكبر المشروعات في مجال صناعة السيارات في مصر، حيث ستشهد تصنيع سيارات بروتون الماليزية في “مصانع عز السويدي”.
ووفقاً لعقد التصنيع، سيتم إنتاج السيارة في مصر بأسعار تنافسية، وذلك بهدف المساهمة في طرح سيارة للسوق المصرية بأسعار مناسبة للمواطنين وكذلك التصدير لمختلف دول العالم.
اتفاقيات للتصنيع
كما من المقرر أيضًا أن يوقع المجلس الأعلى لصناعة السيارات، خلال أيام، اتفاقيات مع 4 شركات لبدء التصنيع بمصر، بحسب ما جاء في اجتماع المجلس، الذي انعقد مساء الثلاثاء (8 نوفمبر) برئاسة رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، لمتابعة الموقف التنفيذي لمراحل برنامج تنمية صناعة السيارات.
وفي الاجتماع، وجه مدبولي بسرعة الانتهاء من عدد من المحفزات لصناعة السيارات الكهربائية في مصر؛ بما يسهم في جذب شركات تصنيع السيارات الكهربائية، ويتفق مع خططنا لمواجهة التغيرات.
وصرّح المستشار سامح الخِشِن، المتحدث الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء، بأن الاجتماع شهد عرض الموقف التنفيذي للمرحلة الأولى لميكنة البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات وجاهزية اعتمادها.
وأوضح أن المرحلة الأولى تتضمن تسجيل المصانع وشركات السيارات وربط شركات السيارات مع المصانع وتعريف الطرازات وربط الموردين المحليين بالطراز محل التصنيع من خلال البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات.
وأشار “الخشن” إلى أنه تم التأكيد خلال الاجتماع أنه على مدار الفترة الماضية تم عقد العديد من الاجتماعات مع الشركات العاملة في مجال صناعة السيارات لاستعراض شاشات وتفاصيل المرحلة الأولى للتأكد من توافقها مع أنظمة عمل شركات السيارات العالمية والمتطلبات الصناعية والتنظيمية المُتبعة، وتم إدخال التعديلات المطلوبة لضمان انتظام وسهولة العمل على منصة تسجيل البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات.
كما يستعد المجلس للإعلان عن إطلاق المنصة الإلكترونية للبرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات.
ركود في السوق
تمر سوق السيارات في مصر، بمرحلة صعبة للغاية تكاد تكون الأسوأ على الإطلاق، على حد وصف عضو مجلس إدارة شعبة السيارات بالاتحاد العام للغرف التجارية، منتصر زيتون، الذي يتوقع أن يكون عام 2024 أسوأ بكثير من الآن، موضحًا أنه لا توجد أي بشائر أو خطوات تنذر بأن القادم أفضل، خاصة في ظل ارتفاع الدولار بالسوق السوداء واستمرار توقف حركة الاستيراد.
وتراجعت مبيعات السيارات في مصر في الفترة من يناير وحتى سبتمبر 2023، بأكثر من 61.8 في المئة عما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الماضي، وفقا لتقرير مجلس معلومات سوق السيارات “أميك”.
وعزا زيتون حالة الانحسار غير المسبوقة في أرقام مبيعات السيارات، إلى توقف حركة الاستيراد، ما نتج عنه غياب معظم الطرازات المطلوبة بالسوق، متوقعا انعكاس حالة الركود والتوقف شبه التام بالسوق على المبيعات الختامية في نهاية العام الجاري، والتي لن تتجاوز في أفضل الأحوال حاجز مئة ألف سيارة، وفق تقديره.