أثبتت المرأة الفلسطينية عبْر تاريخها النضالي دورها الريادي على صعيد نضالها الوطني فكانت نبراسًا للمرأة العربية، وعلى الصعيد الاجتماعي تعد المرأة الفلسطينية محورًا أساسيًّا من محاور التنمية في المجتمع، وتسعى اليوم إلى إثبات وجودها في مختلف القطاعات الاقتصادية والتنموية.
ويعد قطاع تكنولوجيا المعلومات أحد القطاعات الهامة والناشئة في فلسطين، والتي تجتهد المرأة للانخراط فيها، لما لدوره الهام في دفع عجلة التطور والمعرفة في المجالات كافة، إلى جانب أهميته الاقتصادية، إذ يمثل 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين، ويعد أحد أسرع القطاعات نموا.
ويقدر عدد المنشآت العاملة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والبريد في فلسطين 1750 منشأة باستثناء الفروع، وتوفر فرص عمل لـ 13500 موظف، وتبلغ نسبة مشاركة الإناث فيها 27%، وهي نسبة منخفضة رغم الارتفاع الكبير في نسبة التحاق الإناث في مؤسسات التعليم العالي، التي بلغت 62% من مجموع الطلبة الملتحقين بهذه المؤسسات للعام 2021/2022، منهم حوالي 10% التحقوا بتخصص تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، بينهم 59% ذكور و41% إناث، وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وينسجم دعم تعليم النساء والفتيات في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مع أهداف التنمية المستدامة (SDG)، لا سيما الهدف الخامس، الذي يرنو إلى تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات من خلال عدة مجالات منها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وفي هذا الإطار أدرجت فلسطين تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات ضمن الخطة الوطنية للتنمية وفي الاستراتيجية عبر القطاعية لوزارة شؤون المرأة، بما ينسجم مع أهداف التنمية المستدامة، لإزالة العوائق أمام مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وترجمة ذلك على أرض الواقع، حسب ما قالت مدير عام مركز الابداع التكنولوجي والابتكار في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، رانيا جابر في تصريحها لوكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا).
وأضافت جابر أن دور المرأة الريادي في المجتمع يتطلب البدء بخلق بيئة عمل مبنية على أسس المساواة ومنح فرص عادلة مبنية على الكفاءة، لتكون أول خطوة لزيادة مشاركة المرأة في العمل في قطاع تكنولوجيا المعلومات، إضافة إلى أن وجود المرأة في موقع ريادي يعتبر حافزا لتشجيعها على الانخراط في قطاع تكنولوجيا المعلومات الذي اعتبر قطاعا ذكوريا لفترة طويلة، ما سيؤدي إلى تمكينها اقتصاديا.
وحول تعزيز حضور المرأة في قطاع تكنولوجيا المعلومات، أوضحت جابر “أن الوزارة تسعى لتنفيذ أهدافها وتطبيق رؤية وحدة النوع الاجتماعي لدمج قضايا واحتياجات المرأة في سياسات النفاذية الرقمية، الأمر الذي من شأنه أن يحدث قفزة نوعية تساهم في تمكين المرأة من حقوقها بشكل واقعي، وتدريبها تمهيدا لدمجها بمبادرات الإبداع والتميز كخطوة للاستفادة من إمكانياتها وقدراتها”.
وأضافت أن الوزارة تنفذ مشروع TechStart الممول من البنك الدولي، الذي يهدف إلى تطوير قدرات شركات تكنولوجيا المعلومات ورفع مهارات العاملين بها، ودعم دور المرأة واجراء تقييم احتياجات للقطاع، والمساواة بين الجنسين فيه، من خلال تدخلات وحلول من شأنها ضمان مشاركة أعلى للنساء، بما في ذلك الأدوار القيادية والإدارية.
وأشارت إلى أن الوزارة تسعى إلى تمكين المرأة في عملها سواء كانت مبرمجة، أو مهندسة، أو رئيسة وحدة، أو رئيسة فريق، من خلال إلحاق النساء ببرامج قيادية، مؤكدة أن الوزارة حرصت في مشروع TechStart أن تكون نسبة مشاركة النساء في البرنامج 50%، وتصل نسبة الدعم والتمويل للشركات التي ترأسها أو ترأس مجلس إدارتها امرأة 70-80%.
وتابعت؛ ضمن TechStart، تم إنجاز المرحلة الأولى من تحديد الشركات العاملة في القطاع وتحديث بياناتها، وتشير البيانات الأولية من سجل الأعمال لدى جهاز الإحصاء وبيانات وزارة الاقتصاد الوطني ودائرة التراخيص في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إلى أن عدد المنشآت العاملة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والبريد بلغ نحو 1750 منشأة (عدا الفروع)، توظف 13500 موظف، ونسبة مشاركة الإناث فيها 27%، وذلك حتى شهر حزيران 2023، وتشمل هذه البيانات المحافظات الشمالية، بما فيها القدس، والمحافظات الجنوبية.
ولفتت إلى أن مركز الإبداع والابتكار في الوزارة بالشراكة والتعاون مع المؤسسات الحكومية والأكاديمية والأهلية والقطاع الخاص، تنفذ برنامج من خلال عقد نشاطات مختلفة لبناء القدرات والتمكين الريادي ورعاية المواهب ودعم الإبداع والتميز للفتيات في الوطن والشتات للاســتفادة من التقنيات التكنولوجية الناشئة والمساهمة فيها.
وأوضحت جابر أن السنوات العشر الأخيرة شهدت زيادة في مشاركة المرأة في القطاع وصلت إلى 27% بعد أن كانت لا تزيد على 6%، مشيرة إلى أن نسبة مشاركة المرأة في قطاع تكنولوجيا المعلومات من الموظفات في الوزارات تصل إلى 45%. لافتة إلى أن هناك مساواة في رواتب العاملين في قطاع تكنولوجيا المعلومات في القطاع العام من ذكور وإناث، إلا أن أجور العاملات في القطاع الخاص أقل من الذكور.
وشددت مدير مركز الابداع التكنولوجي والابتكار على عدم وجود فجوة في الإمكانيات والقدرات بين الإناث والذكور العاملين في قطاع تكنولوجيا المعلومات، إذ تصل نسبة مشاركة النساء في الأفكار الريادية إلى 60%، لكن التحديات تكمن في مرحلة نمو الأعمال، والتي تحتاج إلى صبر وتشبيك وتسويق إلى جانب التحدي الاجتماعي، مؤكدة أن الجامعات الفلسطينية لديها برامج أكاديمية مختلفة تؤهل أجيالا للعمل في قطاع تكنولوجيا المعلومات، وترفدهم بالمهارات والخبرات المطلوبة في سوق العمل.
من جانبها قالت المدير التنفيذي لشركة بيسان لأنظمة المعلومات سامية طوطح، وهي من أوائل النساء في قطاع تكنولوجيا المعلومات في فلسطين: تم تأسيس أنظمة بيسان عام 1988، وتوظف الشركة 50 موظفا، من بينهم 21 من النساء يعملن في مختلف القطاعات ويشغلن مختلف الدرجات الوظيفية.
وأضافت: شغلت منصب المدير التنفيذي للشركة الرائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منذ عام 2018.
وحول التحديات التي تواجه عمل النساء في قطاع المعلومات، قالت: لعل أبرز تحدٍ هو المحافظة على الاستمرارية إلى جانب غيرها من التحديات التي تواجه النساء العاملات في مختلف القطاعات.
وأشارت طوطح إلى أن قطاع تكنولوجيا المعلومات مهم، وللمرأة دور وحضور يجب البناء عليه وتعزيزه، معربة عن أملها بأن تنعكس أعداد الخريجات الكبيرة على نسبة انخراطهن في سوق العمل وريادتهن للأعمال.
وأكدت المدير العام لاتحاد شركات أنظمة المعلومات الفلسطينية (بيتا)، أماني معدي، ضرورة العمل على زيادة نسبة مشاركة النساء في قطاع تكنولوجيا المعلومات، وتعزيز حضور المرأة في مراكز صنع القرار في القطاع.
وقالت إن “بيتا” تضم 180 شركة لأنظمة المعلومات، بينها 3 شركات ترأسها نساء، مضيفة أن معظم الشركات تعطي بيانات حول توظيف من 25-30% من النساء فيها، وشددت على أن اتحاد شركات أنظمة المعلومات (بيتا) يسعى لضمان وجود المرأة في مراكز صنع القرار في الشركات المنضوية تحت لوائه.
وأشارت معدي إلى عدد من المشاريع الخاصة بتعزيز مشاركة النساء في سوق العمل، وريادة المرأة في قطاع تكنولوجيا المعلومات.
من جهتها، قالت المديرة التنفيذية لمنظمة Girls in Tech في فلسطين، الأستاذة المساعدة في جامعة النجاح الوطنية، منى الضميدي: وفقا لتقرير البنك الدولي فإن قطاع التكنولوجيا في فلسطين نما بسرعة في السنوات العشر الأخيرة بنسبة 34%.
وأضافت: يركز القطاع في المقام الأول على تطوير البرمجيات وخدمات تكنولوجيا المعلومات مع مساهمة محدودة في صناعة تكنولوجيا الأجهزة، مدفوعا بارتفاع الطلب على خدمات تكنولوجيا المعلومات وتزايد عدد الشركات الناشئة. وبالإضافة إلى ذلك، يشير التقرير إلى أن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يمثل 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين وهو أحد أسرع القطاعات نموا في الاقتصاد.
وأوضحت أن أحد المحركات الرئيسية لنمو التكنولوجيا يكمن في تطور التعليم التكنولوجي في الجامعات والمؤسسات التعليمية الفلسطينية، ما ساعد على زيادة عدد خريجي التكنولوجيا منذ عام 2016 بنسبة تقارب 50%، وبين عامي 2016 و2021، تخرج 13,939 طالبًا من البرامج التعليمية القائمة على التكنولوجيا، وتمثل الإناث 49% من هؤلاء الخريجين، وهي نسبة عالية جدًا مقارنة بدول أخرى في العالم، إلا أن تمثيل المرأة في مجال التكنولوجيا (WIT) منخفض.
وأشارت إلى أن النساء يواجهن عوائق كبيرة أمام الدخول والتقدم في مجال التكنولوجيا وريادة الأعمال، منها: التحيز والتمييز، ونقص الوصول إلى التمويل والإرشاد، ونقص التمثيل في أعلى مستويات القيادة.
جدير بالذكر أن نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة ارتفعت عام 2022 مقارنة مع عام 2021، وبلغت حوالي 19% من مجمل النساء في سن العمل في عام 2022 بعد أن كانت النسبة 17% في عام 2021، علما أن نسبة مشاركة الرجال في القوى العاملة بلغت 71% و69% للأعوام 2021 و2022 على التوالي، في حين تشكل النساء 48% من الموظفين في القطاع العام، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء.
ووفق السجل التجاري في وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطيني، ارتفع عدد الإناث المسجلات في السجل بنسبة 24.0% في عام 2022 مقارنة مع عام 2021، حيث تم تسجيل 314 أنثى مقابل 252 أنثى في عام 2021، وشكلت الإناث ما نسبته 5.7% من إجمالي عدد المسجلين في السجل التجاري خلال عام 2022.
وسجلت 2524 شركة جديدة، وبلغ عدد الإناث المالكات/ المساهمات في هذه الشركات 1367 أنثى، وقد ارتفع هذا العدد مقارنة مع السنة السابقة بنسبة 49.6%، وعلى صعيد متصل شكلت الإناث ما نسبته 18.4% من إجمالي عدد المالكين والمساهمين في الشركات التي سجلت عام 2022.