شجاعة الصمت ليست قوة بل عارًا وخذلانًا، وهذه الوصمة المستحدثة يتحلى بها الضعفاء أصحاب المواقف الرمادية، وهذا النوع من شجاعة القهر يدفن أصحابه رؤوسهم فى الرمال – بل النعامة أكثر منهم شموخًا إذا أطلقت رأسها تجاه عنان السماء – وهذا المرض الخبيث ضرب بلادنا العربية فجأة فأصاب البعض بخلل فى منطقة ما أعلى الرأس، وكانت النتيجة أن الله سلط علينا بذنوبنا من لا يخافه ولا يرحمنا، من الآخر «فرج علينا خلقه».
الصامتون تجاه ما يحدث فى غزة، ليتهم توقفوا عند ذلك، بل كالوا الاتهامات لرجال المقاومة أصحاب الأرض المحتلة، متهمين إياهم بأنهم أفزعوا المحتل الغاصب مصاص الدماء قاتل الأطفال والشيوخ مرتكب جرائم الحرب قائد عمليات الإبادة الجماعية.
ونسوا، وما أنساهم إلا الشيطان، أنهم إذا سمحوا لإسرائيل أن تمضى قدمًا فيما ترتكبه من جرائم فعليهم أن يترقبوا صاحب الدور ليقف من تبقى من إخوانه متفرجًا عليه، ويدفع الجميع فى نهاية المطاف المأساوى فاتورة عدم توحد الكلمة والموقف للتصدى لهذه المحارق التى تعتمد فى وقودها على أجساد الأشقاء الذين تتلاشى صرخاتهم كل يوم مع أرواح ترتقى للسماء فى طابور ملائكى فرحة بلقاء الرحمن مختصمة قلوبًا تحجرت وعقولًا تعطلت إلى رب الأرض والسماء.
29 يومًا كاملة تحول خلالها نهار غزة إلى ليل دامس وظلام حالك السواد فوق رأس شعب يحيا تحت رحمة الصواريخ والقذائف من البر والبحر والجو، وعدو يقتل بدم بارد وأرواح تفارق أحضان وأيادى الأحبة لترتقى لعنان السماء، وشبح الموت يخيم فى كل مكان.
هذه الحرب التى بدأت منذ السابع من شهر أكتوبر الماضى ألقت فيها إسرائيل 10 آلاف قنبلة على قطاع غزة، ما يوازى قنبلتين نوويتين لتتجاوز حصة الفرد الواحد 10 كليو جرامات من المتفجرات، وبحسبة بسيطة فقد بلغ عدد الشهداء من الشعب الفلسطينى خلال هذه المدة قرابة 10 آلاف شهيد بواقع 28 شهيدًا يوميًا، ما يعنى أن هناك شهيدًا كل دقيقتين تقريبا لتدخل غزة موسوعة جينيس، والأمر إذا استمر بهذه الصورة البشعة فسوف تتضاعف الأعداد بصورة تفوق الخيال.
الخارجية الفلسطينية حذرت من مغبة تعايش المجتمع الدولى مع تلك المجازر والمحارق التى يرتكبها الاحتلال الصهيونى بحق أبناء غزة، وشددت فى بيان لها مساء السبت، من مغبة التعامل مع الشهداء وضحايا الحرب والجرحى الفلسطينيين كأرقام فى الإحصائيات والاكتفاء بالشجب والتنديد، متهمة المجتمع الدولى بالفشل فى إقناع الاحتلال بالوقف المؤقت لإطلاق النار وإدخال المساعدات الغذائية والماء والأدوية والوقود للمستشفيات.
باختصار.. جنون المحتل واستغلاله لأصحاب مدرسة الصمت خير من الكلام أفقده صوابه، وجعله رافضًا للهدنة الإنسانية ليرد بكل جبروت على المنادين بها بقصف المستشفيات وقوافل سيارات الإسعاف التى تعمل على مدار الساعة، والمدارس التى تأوى النازحين من بيوتهم ومناطقهم التى تعرضت للقصف والتدمير.
دراكولا كلما رأى دمًا زاد شغفه وجن جنونه لينقض على فريسته حتى الموت.. والنتن ياهو يتخيل أن جبروته سيطغى على الأساطير وأنه سيتمكن من إبادة شعب كامل وتصفية القضية وسط صمت الحملان.. ولا يعلم أن مقابل كل شهيد هناك 1000 غيره بيتولد، وأن هناك أجيالًا تربت على الحجارة واشتدت سواعدها وعاشت حياة قاسية بين الفقد والحرمان على مبدأ واحد.. الوطن ثم الوطن ودونه تهون الأرواح، لتبقى بطولات الصمود فى مواجهة الاحتلال أعظم ملاحم التاريخ.