ملفات وحوارات

أضرار عدة… الحرب في السودان تلقي بمزيد من الأعباء على الاقتصاد المصري

حين حذر الرئيس عبد الفتاح السيسي من أن المنطقة كلها يمكن أن تتأثر بالصراع في السودان، كان يدرك ما يعنيه من التبعات الاقتصادية الحادة التي قد تضر بالجميع إذا تجوهلت الحرب أو طال أمدُها.

وقال الرئيس إن مصر تواجه صعوبات مع “فرار الكثير من السودانيين” إليها، وإذا استقبلت مزيدا منهم فستتأثر بالأزمة حتما في ظل الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن الحرب المستعرة بين روسيا وأوكرانيا.

ويضاف إلى تحذير الرئيس، ما قالته وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني، التي أكدت أن امتداد الاشتباكات في السودان لفترة مطولة هو خطر متزايد وسيكون له تأثير ائتماني سلبي على البلدان المجاورة، وبنوك التنمية متعددة الأطراف المنكشفة على ديون هذه الدول.

وحذرت الوكالة من أن أي امتداد إلى البلدان المجاورة أو تدهور عام في البيئة الأمنية للمنطقة من شأنه أن يثير مخاوف أوسع بشأن جودة الأصول لبنوك التنمية متعددة الأطراف ذات التركيز الأعلى على قروض في تشاد، وجنوب السودان، وإثيوبيا، ومصر.

وفي حين سجلت قيمة التجارة بين البلدين ارتفاعًا بنسبة 18.2 بالمئة خلال عام 2022، لتبلغ 1.434 مليار دولار في مقابل 1.212 مليار دولار خلال عام 2021، فإن مخاوف عديدة أثارها محللون وخبراء حول تراجع التبادل التجاري وتأثره بالأزمة.

ويستحوذ السودان، على 13.2 بالمئة من إجمالي قيمة التبادل التجاري بين مصر والقارة الإفريقية، حيث بلغت صادرات مصر للسودان نحو 929 مليون دولار خلال العام الماضي، بينما وصلت صادرات السودان لمصر في 2022، لنحو 504.5 مليون دولار.

مصر ستتأثر لا محالة بانخفاض الضخ المعتاد من القطاع الحيواني القادم عن طريق السودان، والذي يساعد في سد الاحتياج المصري لقطاع اللحوم، كما سيتأثر القطاع الزراعي، ذلك أن الأراضي التي كانت قد زرعتها داخل السودان والتي كان يُعوّلُ عليها في تأمين القطاع الغذائي، أصبحت الآن تحت القصف المتبادل، وفقا للخبير الاقتصادي الدكتور سيد خضر.

ولكن وزير التموين والتجارة الداخلية الدكتور علي المصيلحي، قال في مؤتمر صحفي إن الوزارة تمتلك 5 آلاف رأس ماشية سودانية حية حاليًا، ومع الظروف الحالية هناك يتم بحث الصعوبات التي قد تواجه عمليات التوريد من السودان، حيث سيتم عقد اجتماع مع ممثلي الجانب السوداني، كما يجري دراسة استيراد اللحوم من تشاد والصومال، لتنويع مصادر استيراد اللحوم، ولتعويض أي نقص من أي مصدر آخر.

ويضيف خضر أن قطاع الصادرات سوف يتأثر هو الآخر بشكل كبير، بل إنّ الدولة وبحكم علاقتها الوطيدة مع السودان الشقيق فإنّ ذلك يُحتم عليها تقديم المعونات والمساعدات وهو ما يضيف أعباءً جديدة على مصر، فضلا عن حجم العمالة المصرية العائدة من السودان.

كما تشكل موجات النزوح إلى مصر عبئا اقتصاديا كبيرا على مصر، وفقا للخبير.

ويؤيد كلامه الخبير الاقتصادي، مدحت نافع، الذي أكد تأثير الصراع على الأمن الغذائي لمصر، قائلا إن مصر تعتمد على السودان في استيراد الحيوانات الحية، والسمسم، والفول السوداني، والقطن، وفي المقابل تشمل الصادرات المصرية للسودان العديد من المنتجات تامة الصنع بينها الكيماويات، والمواد الغذائية، والآلات والمعدات.

وأضاف أنه بجانب العجز التجاري الذي سيحدث في مصر بسبب توقف حركة الاستيراد والتصدير مع السودان، سيتأثر الأمن الغذائي في مصر بسبب نقص اللحوم والحبوب، والذي يعاني بالفعل جراء الحرب الروسية على أوكرانيا.

من جهته قال الخبير الاقتصادي علاء عبد الحليم، إن للحرب تبعات سلبية على اقتصادات المنطقة كلها. وبما أن السودان يعد بوابة للصادرات المصرية إلى أسواق دول حوض النيل وشرق إفريقيا، فإن استمرار الحرب وانعدام الأمن سيؤثر بالسلب في حجم التصدير، كما في حجم التبادل التجاري بين البلدين، وهو ما ينعكس سلبا على الاقتصاد المصري الذي يعاني بعض الأزمات في الوقت الراهن.

وأشار إلى أن السوق السودانية تعد منفذا هاما للمصانع الصغرى في مصر، في ظل ما تعانيه السوق المحلية من آثار الركود، وهو ما يضيف مشكلات جديدة للاقتصاد المصري.

وكشفت بيانات الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، حول التبادل التجاري بين مصر وقارة إفريقيا خلال الربع الأول من العام الجاري، أن السودان احتل المرتبة الثانية بقائمة أكبر 5 أسواق مستقبلة للصادرات المصرية بقيمة 226 مليون دولار.

وقد تتسبب الحرب في خفض تصنيف مصر الائتماني باعتبار أنها أصبحت دولة ذات مخاطر عالية، لأن أمن السودان يرتبط بأمن مصر القومي، بل إن مصر والدول المجاورة للسودان أصبحت مهددة اقتصاديا بتحجيم التمويلات التنموية، بالإضافة إلى أن خطر الصراع في السودان سيدفع المؤسسات المالية الدولية إلى زيادة تكلفة الإقراض والفوائد على القروض التي تمنحها لمصر، وفقا للخبير علاء عبد الحليم الذي يشير إلى أن المعتاد أن تتراوح الفوائد المفروضة على مصر بين 4 أو 5 في المئة، لكن حاليا قد تصل إلى أكثر من 8 في المئة.

لكن الخبير الاقتصادي السوداني، وائل فهمي، يؤسس لعلاقة طردية بين “أمد الصراع” وحجم الضرر الذي سيلحق بالتبادل التجاري بين البلدين، فكلما طال أمد الصراع زاد التأثير، والعكس. وبعد انتهاء النزاع سيكون ثمّة حاجة لزيادة حجم التعاون مع مصر، لا سيّما في ظل حالة “الشلل” التي يعاني منها النشاط الاقتصاد السوداني حاليا، وتوقف معظم الأنشطة، مشيرا إلى أنّ القاهرة تعتبر رقم واحد للخرطوم في مسار التبادل والتعاون التجاري، وفقا للخبير.

من جهته، حذر السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الإفريقية، من استمرار الاقتتال، مشيرا إلى أنه قد يؤدي لتقسيم السودان لمناطق نفوذ، ويُخلّف ملايين اللاجئين والمشردين، وما يتبع ذلك من التأثير على النشاط الاقتصادي، وتعاملات السودان التجارية مع مصر ودول الجوار، منوهاً بأن الضرر سيقع على جميع المجالات وليس المجال التجاري أو الاستثماري.

وقال إن العلاقات بين البلدين متعددة الروافد، وبها جوانب عدة، أمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية، وما يتعلق بالصحة والتعليم، مشددا على أن الصراع الحالي هو صراع مؤقت، وسينتهي بانطلاق حوار سياسي بين الطرفين المتنازعين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *