في مشروع الدلتا الجديدة الذي يعد أكبر مشروع من نوعه في تاريخ المشروعات الزراعية المصرية، يوجد نهر اصطناعي هو الأطول من نوعه أيضًا في العالم، إذ يبلغ طوله 174 كيلومترا
ومشروع الدلتا العملاق هذا، يستهدف زراعة أكثر من 2.2 مليون فدان، بغيةَ تعزيز الأمن الغذائي في أكبر دول العالم العربي من حيث الكثافة السكانية، ويضم مشروعين اثنين، الأول يسمى “مستقبل مصر“، والثاني “جنوب محور الضبعة“؛ للتوسع في زراعة المحاصيل الاستراتيجية بما يسهم في خفض فاتورة الاستيراد، التي أثقلت كاهل الدولة،وخصوصا بعد اندلاع الصراع الروسي الأوكراني.
ويولي الرئيس عبد الفتاح السيسي أهمية كبرى لهذا المشروع، وقد وجه الحكومة بـ“استمرار التنسيق بين الجهاتوالقطاعات المعنية، لاستكمال العناصر والمكونات الخاصة بهذا المشروع، مع مواصلة استخدام نظم الري الحديثة،في إطار سياسة الدولة بترشيد استهلاك المياه ورفع كفاءة إدارتها“.
واطّلع الرئيس قبل أيام على جهود تطوير البنية الأساسية اللازمة، وتوفير الآلات والمعدات من وسائل الري الحديثةومحطات المياه والميكنة الزراعية، للمشروع القومي للإنتاج الزراعي واستصلاح الأراضي في الدلتا الجديدة، وذلك“سعيا لتحقيق الهدف الاستراتيجي بإضافة مساحات جديدة من الرقعة الزراعية، لتنمية الموارد الاقتصادية الزراعية،وتحقيق الأمن الغذائي وتقليل فجوة الاستيراد، وإقامة مجتمعات عمرانية وزراعية وصناعية جديدة، تسهم فياستيعاب الزيادة السكانية، وإضافة المزيد من فرص العمل وزيادة الدخل للمواطنين“.
وسبق أن قال السيسي في تصريحات خلال زيارته في مارس من عام 2021 لمركز التدريب البحري والمحاكاة بقناةالسويس في مدينة الإسماعيلية، إن “مشروع الدلتا الجديدة هو مستقبل مصر، وسيتم تنفيذه في غضون عامين“.
وأوضح الرئيس أن مياه الصرف الصحي المعالجة ستستخدم في زراعة الأراضي الجديدة للمشروع، وقال “سنسحبمياه الصرف الزراعي لدينا لتلائم المعايير الدولية ونستخدمها في الصوامع في الضبعة بالمنطقة الغربية لمصر،والتي تضم عددًا قليلًا من السكان“.
نقل المياه إلى هذا المشروع العملاق سيكون عبر مسار يفوق طول نهر النيل، حيث توجه إليه مياه الصرف الزراعيالمعاد استخدامها بطريقة آمنة دون إهدار، وفقا للدكتور هاني سويلم، وزير الموارد المائية والري، الذي يوضح أنالمشروع يشمل مسارا وحيدا لإيصال المياه للمشروع بطول 174 كم، منها مسار جديد بطول 114 كيلو “عبارة عنمسار مكشوف بطول 92 كيلو ومسار مواسير بطول 22 كيلو“، بالإضافة لإعادة تأهيل مجارٍ مائية قائمة بطول 60 كيلو.
وعلى هذا المسار توجد 12 محطة مياه لرفعها، ومحطة معالجة كبيرة في منطقة الحمام، وتصل التكلفة الإجماليةلأعمال نقل المياه لمشروع الدلتا الجديدة إلى 60 مليار جنيه، بما يشمل محطات الرفع والمعالجة وإنشاء الخطوطوفقا للوزير، وسيصل إجمالي المياه المتدفقة بقدرة 7.5 مليون متر مكعب يومياً؛ ما يجعلها أكبر محطات معالجةمياه الصرف الزراعي على مستوى العالم.
عُرف هذا المسار الضخم باسم “النهر الصناعي أو الاصطناعي” وهو وصف غير دقيق في رأي المهندس محمد غانمالمتحدث باسم وزير الري، الذي يقول إن المياه “مياه صرف زراعي من منطقة غرب الدلتا متوجهة لمحطة الحمامللمعالجة“، لافتا إلى أن المقصود نقل مياه الصرف الزراعي، في مسار طوله 174 كيلو مترًا، منها جزء مكشوف وآخرمن المواسير، حسب طبيعة الأرض في تلك المناطق.
ومحطة الحمام الجاري إنشاؤها غرب الدلتا، هي أكبر محطة للمعالجة على مستوى العالم، بطاقة تبلغ 7.5 مليونمتر مكعب فى اليوم، وفقا للمتحدث، الذي يؤكد أن “محدودية الموارد المائية” في مصر، كانت دافعا رئيسياللحكومة نحو إعادة استخدام المياه لأكثر من مرة، ذلك أن مواردنا المائية تمدنا بأقل من نصف المطلوب (60 مليارًامقابل 110 مليارات) وفقا له.
وتأمل الحكومة أن يسهم هذا المشروع في تأمين منتجات غذائية تكافئ الزيادة السكانية المطردة في البلاد، فقدقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، إن المشروع “يهدف بصورة أساسية إلى تحقيق الأمن الغذائي وتلبية الاحتياجاتالمتزايدة للسكان المتزايدين من المواد الغذائية وتقليل الاعتماد على واردات المواد الغذائية الاستراتيجية“.
ومع كونه مشروعا زراعيا عملاقا، فإن هدفه النهائي إقامة مجتمع عمراني متكامل من المناطق كافة، لأن المواطنينفي مصر يعيشون على 11 بالمئة من المساحة الإجمالية للبلاد، وفقا لمستشار وزير الزراعة سعد نصار، الذي يقول فيتصريحات صحفية أن “الحكومة تستهدف الوصول إلى 25 بالمئة لإنهاء التكدس السكاني والحفاظ على البيئة“.
ويمثل قطاع الزراعة ركيزة أساسية في الاقتصاد القومي، إذ تبلغ نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي أكثر من15 بالمئة، كما تعد الزراعة المصدر الرئيسي للدخل والتشغيل إذ يستوعب أكثر من 25 بالمئة من القوى العاملة،وفقا لوزير الزراعة السيد القصير.
وأكد الوزير مساهمة القطاع الزراعي الملموسة في تعظيم الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية من خلال زيادةنسب الصادرات الزراعية الطازجة والمصنعة، فضلا عن مسئوليته عن توفير الغذاء الآمن والصحي والمستدام معتوفير المواد الخام اللازمة للعديد من الصناعات الوطنية.
وتجاوزت صادرات مصر الزراعية 6.3 مليون طن في عام 2022، محققة رقمًا قياسيًا جديدًا، وفقًا لبيان صادر عنوزارة الزراعة المصرية فى ديسمبر 2022. كما افتتحت مصر نحو 19 سوقًا جديدة لمنتجاتها الزراعية للمساعدة فيزيادة الصادرات.
وتستورد مصر نحو 65 في المئة من احتياجاتها من المحاصيل الاستراتيجية، ويمكن أن يساعد هذان المشروعانالواعدان في توفير حصة كبيرة من احتياجات مصر الغذائية، وفقًا لما ذكره نادر نور الدين، أستاذ علوم التربةوالموارد المائية بجامعة القاهرة.
وبحسب نور الدين، فإن مصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم، وثاني أكبر مستورد للذرة الصفراء وخامس أكبرمستورد لزيت الطهي. وأوضح أن مصر تستورد أيضا 100 في المئة من احتياجاتها من العدس و80 بالمئة من الفولو32 بالمئة من السكر.
وأضاف أن الدولة تعاني من فجوة غذائية كبيرة، ويمكن لهذه المشروعات أن تساعد في تحقيق الاكتفاء الذاتي منالاحتياجات الغذائية للبلاد وتقليل فاتورة الواردات الغذائية بمقدار الثلث، والتي تصل إلى 15 مليار دولار سنويًا.