ساد القلق بين المواطنين في مصر، حين أعلنت الهند حظر تصدير الأرز الأبيض غير البسمتي، خشية أن يعمق ذلك من الأزمة القائمة في مصر، التي اعتمدت خلال الفترة الماضية على استيراد الأرز الهندي بكميات كبيرة؛ لتحقيق الاستقرار في سعره محليا، وخلق توازن بين العرض والطلب.
وتأتي مصر ضمن قائمة تضم أكبر خمس دول في الشرق الأوسط استيرادًا للأرز الأبيض غير البسمتي من الهند. ويهيمن الأرز الأبيض الهندي على نحو 70 % من التجارة العالمية، وهو الذي أوقفت الهند الآن تصديره.
لماذا تلجأ مصر إلى الاستيراد؟
أشارت أحدث نشرات التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى ارتفاع قيمة واردات مصر من الأرز بنسبة 68 % خلال الربع الأول من العام الجاري إلى 28.651 مليون دولار مقابل 17.058 مليون في الفترة المقابلة من العام الماضي.
واستوردت مصر 200 ألف طن من الأرز الهندي منذ بداية العام الجاري، منها 50 ألف طن لصالح القطاع الحكومي، و150 ألف طن لصالح القطاع الخاص، وفقا لمجدي الوليلي، عضو مجلس إدارة شعبة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية.
وبحسب الوليلي، لجأت مصر إلى استيراد الأرز الهندي لأول مرة منذ فترة طويلة بالتزامن مع موسم حصاده العام الماضي للحد من تلاعب التجار، بعدما شهدت السوق المحلية زيادات غير مبررة في الأسعار، وتراجع الكميات المعروضة منه على الرغم من ارتفاع الإنتاج المحلي وزيادة المساحات المزروعة.
واعتبر رجب شحاتة، رئيس شعبة الأرز بغرفة باتحاد الصناعات في مصر، أن “قرار استيراد الأرز بات ضرورة“، وبينما يؤكد أن “إنتاج مصر من الأرز كافٍ”، فإنه يشير إلى أن “المزارع يسعى لرفع السعر بـتخزين الأرز وحجبه عن البيع، ومن ثم كان على الدولة المصرية أن تتدخل بتزويد السوق باحتياجاته”.
وكانت مصر قد توقفت عن استيراد الأرز منذ عام 2018 بسبب وفرة الإنتاج، لكن قرار الاستيراد عاد للضرورة، ويشمل القطاعين الخاص والعام، ومن ثم سوف ينعكس ذلك على السوق، وفي الوقت ذاته، هو رد رادع لكل من تسبب في افتعال الأزمة، وفقا لشحاتة الذي يؤكد أن “هناك انخفاضا ملحوظا حدث في اسعار الأرز”؛ بسبب توفر الأرز داخل المضارب بكميات كبيرة.
وحسب تصريحات مسؤولين في وزارة التموين، فإن “إنتاج مصر من الأرز الذي يقدر بنحو 4 ملايين طن سنويا، كافٍ لتلبية احتياجات السوق بفائض، غير أن الأزمة تعود إلى (ممارسات خاطئة) لبعض التجار”.
من جانبه، أوضح الدكتور إبراهيم عشماوي، مساعد أول وزير التموين، رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية، أن الهدف من استيراد الأرز هو “ضبط إيقاع السوق”. وقال في تصريحات متلفزة إن “البعض يتربح من الأرز كما (يفعل من) الدولار تماما”.
المخزون آمن وموسم الحصاد مُشجع
شهدت أسعار الأرز في مصر ارتفاعات قياسية خلال الأشهر الماضية حتى تخطى الكيلو 30 جنيها، تزامنا مع نقص كبير في المعروض بالسوق واختفاء بعض الأنواع المعبأة، ما عزز من المخاوف بشأن تعرض البلاد لأزمة خلال الشهور المقبلة.
لكنّ الحكومة سارعت إلى طمأنة الشارع. وردًا على أنباء متداولة، أكدت وزارتا التموين والزراعة، أنه لا صحة لوجود عجز في الكميات المعروضة من الأرز بالأسواق والمنافذ التموينية نتيجة تراجع المخزون الاستراتيجي من المحصول.
وشددت الوزارتان على توافر جميع السلع الغذائية الأساسية بشكل طبيعي بما فيها الأرز، مع انتظام ضخ كميات وفيرة منها يومياً كسلعة تموينية وحرة بجميع الأسواق والمنافذ التموينية وفروع المجمعات الاستهلاكية وبقالي التموين بكافة محافظات الجمهورية.
وأشارتا إلى أن المخزون الاستراتيجي من الأرز آمن، ويكفي احتياجات المستهلكين لمدة 3.3 شهر، حيث تم استيراد شحنات من الأرز، كإجراء استباقي لتعزيز مخزونه الاستراتيجي، وإحداث توازن في أسعاره.
وكأن موسم الحصاد الجديد جاء في وقته، ليشكل طوق نجاة لمصر من أزمة قد تطول، ومن المتوقع أن يسهم موسم حصاد المحصول المحلي الجديد من الأرز في تأمين المخزون الاستراتيجي، بحسب وزارتي التموين والزراعة. ويبدأ الموسم في 15 أغسطس من كل عام في مصر، وتنتج مصر 4 ملايين طن أرز سنويًا، فيما يبلغ الاستهلاك المحلي 3.2 مليون طن.
وقال رجب شحاتة رئيس شعبة الأرز بغرفة باتحاد الصناعات “نحن الآن بصدد المحصول الجديد للأرز، ولدينا محصول متوفر منذ الأعوام الماضية لأننا بعد عملية الاستيراد تبقت كميات كبيرة لم تستهلك وهي الآن مطروحة في الأسواق وصالحة للبيع، كما أن ارتفاع أسعار الأرز في الفترة الماضية تسبب في عملية ركود للمنتج مما أدى إلى توفره بكميات كبيرة، مما يؤكد وجود فائض كبير من الأرز في هذا العام”.
وتوقعت منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” ارتفاع إجمالي إنتاج مصر من الأرز إلى 3.9 مليون طن في موسم العام 2023/ 2024 مقابل 3.7 مليون طن تم تقديرها في موسم العام 2022/ 2023.
وأشارت في تقرير أصدرته مؤخرًا إلى تسجيل إنتاج الأرز نحو 4.1 مليون طن في المتوسط في الاعوام 2019 و 2020 و2021 و 2022. وأضافت أن حجم الواردات المرجحة لمصر من الأرز في عام 2023 ستتراجع إلى نحو 300 ألف طن من 600 ألف طن مقدرة للعام 2022 ، بينما كانت سجلت 400 ألف طن في المتوسط في الأعوام 2019 وحتى 2021.
وقال الدكتور محمد القرش، المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة، إن ملف الأرز من الملفات التي شهدت تطويرا كبيرا، فقد “بدأنا العمل على أصناف جديدة، ولا توجد أزمة في الأرز هذا العام، حيث نزرع 724 ألف فدان منه”. وزفّ الدكتور إبراهيم العشماوي مساعد أول وزير التموين والتجارة الداخلية، بشرى سارة للمواطنين بشأن توفر الأرز في الفترة المقبل؛ إذ قال في تصريحات متلفزة إنه لن تكون هناك أزمة في الأرز خلال الموسم الجديد.
وأضاف أن الدولة لم تستورد إلا 50 ألف طن من الأرز فقط، لافتا إلى إقدام بعض التجار على تخزين كميات كبيرة من أجل تحقيق أرباح، لكنه شدد على أنه لن تحدث مغالاة في سلعة الأرز مرة أخرى خلال الفترة المقبلة.
كما بشّر الدكتور علي المصيلحي المواطنين بأن الموسم الجديد سيسهم في استقرار السوق بشكل كبير. وقال خلال افتتاح ووضع حجر الأساس لإنشاء ثاني مخزن استراتيجي (مستودع) بمحافظة الأقصر، إنه “تم زراعة نحو 1.6 مليون فدان من الأرز، بينما يتراوح استهلاكنا من 1.2 إلى 1.3 مليون فدان”، فضلا عن أن الوزارة مستمرة في قرار حظر تصدير الأرز، خاصةً بعد الأزمة التي واجهها المواطن مؤخرا في ارتفاع سعره إلى 32 جنيها.
الأسعار تتراجع.. ولا قلق
قال وزير التموين إن الأرز الحر يُطرح في الأسواق للمواطنين بـ22 جنيها وبنسبة كسر تبلغ 5 %، لافتا إلى أن الوزارة تدرس طرح هذه السلعة الاستراتيجية المهمة في البورصة السلعية.
من جهته، كشف مصطفى السلطيسي، عضو شعبة الأرز بغرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات، أن أسعار الأرز انخفضت بنسبة كبيرة، عازيا ذلك التراجع الكبير في الأسعار إلى زيادة المعروض حاليًّا، ما أسهم في هدوء السوق وعودتها لمستوياتها الطبيعية، لافتة إلى أنه من المرتقب بدء الهبوط للمستهلك النهائي، خلال الفترة المقبلة، حال استمرار تراجع جملة “الأرز الأبيض” في المحافظات.
فيما أكدت شعبة الأرز أن حظر تصدير الهند للأرز الأبيض لن يؤثر على مصر، لأن المساحة المزروعة من المحصول المحلي خلال العام الجاري تغطي احتياجات مصر، بالإضافة إلى وجود مخزون مستورد من الأرز الهندي.
يبلغ إنتاج الهند من الأرز سنويًا 129.5 مليون طن كثاني أكبر مُنتج له في العالم بعد الصين التي تنتج 149 مليون طن، وتعد الهند أكبر مصدر للأرز في العالم، إذ تساهم بحوالي 40 % من التجارة العالمية في الحبوب، بواقع 22 مليون طن، أما أكبر المصدرين الآخرين فهم: تايلاند، وفيتنام، وباكستان، والولايات المتحدة.
وقد شهد موسم زراعة الأرز في الهند هذا العام تقلصًا في حجم الأمطار بمناطق النمو الرئيسية للمزروعات، حيث قالت وزارة الزراعة الهندية إن مساحة زراعة الأرز تراجعت خلال عام من 35.36 مليون هكتار إلى 30.98 مليون هكتار بنسبة 12 %. وارتفعت أسعار الأرز بما يزيد على 11 في المائة خلال الاثني عشر شهرا الماضية.
وألحقت الأمطار الغزيرة في مناطق أخرى، أضرارا بمحاصيل أخرى في البلاد. إثر ذلك، واجهت الهند على مدار العام الماضي، تضخما مزعجا في أسعار المواد الغذائية؛ إذ ارتفعت أسعار الأرز المحلية مثلا بأكثر من 30 % منذ أكتوبر الماضي. عندئذٍ خشيت الهند أن يؤثر ذلك في أمنها الغذائي، خاصة بعد تضرر محصولها من القمح بفعل موجة الحر الشديدة هذا العام، فقررت وضع حد يضمن توفير الأمن الغذائي لشعبها البالغ تعداده أكثر من 1.4 مليار نسمة.
وعلى ذلك، اتخذت قرارات قاسية على الدول المستوردة للأرز خاصة الإفريقية، شملت فرض رسوم بنسبة 20% على شحنات الأرز الأبيض والبني، كما حظرت صادرات الأرز المكسر إلى الخارج، وذلك بعدما حظرت في يوليو الماضي صادرات الأرز الأبيض غير البسمتي.
وفرضت الحكومة الهندية حدا أدنى لسعر تصدير شحنات الأرز البسمتي قدره 1200 دولار للطن، مبررة ذلك بأن بعض التجار كانوا يصنفون الأرز الأبيض غير البسمتي على أنه بسمتي للتغلب على قيود التصدير بعد صدور قرار الحظر، ومن ثمَّ فإن وضع حد أدنى لسعر التصدير سيضمن للسلطات عدم تصدير الأرز الأبيض على أنه بسمتي.
وليس من المستغرب أن يثير حظر الصادرات في يوليو/تموز مخاوف بشأن أسعار الأرز العالمية المرتفعة. ويعتقد بيير أوليفييه جورينشاس، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، أن الحظر سيرفع الأسعار، وأن أسعار الحبوب العالمية قد تزيد بنسبة تصل إلى 15 % هذا العام.
ويعتقد كثيرون أن الهند يجب أن تتجنب حظر تصدير الأرز لأنه قد يضر بالأمن الغذائي العالمي، إذ إن أكثر من نصف واردات الأرز في نحو 42 دولة تأتي من الهند، وتتجاوز حصة الهند في واردات الأرز في العديد من الدول الأفريقية 80 في المئة، بحسب معهد بحوث سياسات الغذاء الدولي.
وقال بي.في كريشنا راو رئيس اتحاد مصدري الأرز في تصريحات سابقة لـ”رويترز” إن الهند ستعطل سوق الأرز العالمي بسرعة أكبر بكثير مما فعلت أوكرانيا في سوق القمح بغزو روسيا.
ليست الهند وحدها
إلى جانب الأزمة الحاصلة في الهند، ابتليت مساحات من الأراضي الزراعية في الصين، أكبر منتج في العالم، بأمطار موسمية صيفية غزيرة وفيضانات، فيما احتل هطول الأمطار المتراكمة في مقاطعة جوانجشي وجوانجدونج بالبلاد، المركزين الرئيسين لإنتاج الأرز في الصين، ثاني أعلى معدل له منذ 20 عاما على الأقل، وفقا لشركة التحليلات الزراعية “جرو إنتليجنس”.
وبالمثل فإن باكستان، التي تمثل 7.6 % من تجارة الأرز العالمية، شهدت هي الأخرى انخفاضا في الإنتاج السنوي بنسبة 31 % على أساس سنوي بسبب الفيضانات الشديدة العام الماضي، بحسب وزارة الزراعة الأمريكية، التي وصفت التأثير بأنه “أسوأ مما كان عليه في البداية”.
من جانبه قال كبير المحللين في بنك الغذاء والزراعة العالمي (رابوبانك) أوسكار تجاكرا، إن انخفاض إنتاج الأرز على أساس سنوي في دول أخرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد ساهم أيضاً في العجز.
وكانت شركة “جرو إنتيليجنس”، التي تحلل البيانات الخاصة بالمواد الخام، حذرت من أن قرار الهند قد يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في البلدان التي تعتمد بشكل كبير على واردات الأرز.