تجارة وصناعة

«مجمع السخنة للبتروكيماويات» أسرع طريق لتحول مصر من الاستيراد للتصنيع

تخطو مصر خطوات متسارعة نحو إعادة رسم خريطة صناعتها البتروكيماوية، مستهدفة التحول من دولة تعتمد على الاستيراد إلى مركز إقليمي للتصنيع والتصدير.

وفي هذا السياق، يمثل توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين هيئة قناة السويس وشركة Anchorage Investments لإنشاء مجمّع بتروكيماويات متكامل بالعين السخنة محطة محورية، تعكس توجه الدولة لتعظيم القيمة المضافة، ودعم الصادرات، وجذب الاستثمارات الكبرى في القطاعات الصناعية الاستراتيجية.

يأتي مشروع مجمّع السخنة للبتروكيماويات ضمن رؤية متكاملة تستهدف تعزيز قدرات مصر الإنتاجية والتصديرية في قطاع يُعد من أعمدة الاقتصاد الصناعي، وتركز المرحلة الأولى من المشروع على إنتاج البولي بروبيلين، أحد أهم مدخلات الصناعات التحويلية، إلى جانب إنتاج جانبي للهيدروجين، باستثمارات تقدر بنحو 2 مليار دولار، فيما تصل التكلفة الإجمالية للمشروع بمراحله المختلفة إلى نحو 6 مليارات دولار.

وأكد الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، أن المشروع يندرج ضمن استراتيجية الهيئة لتعظيم استغلال أصولها، وتنويع مصادر الدخل، ودعم التحول الصناعي داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بما يعزز موقعها كمركز صناعي ولوجستي عالمي.

ويأتي توقيع الاتفاقية ضمن حزمة مشروعات كبرى شهدها عام 2025، تستهدف تنشيط قطاع البتروكيماويات باعتباره ركيزة أساسية لدعم الصادرات وتوفير النقد الأجنبي، إلى جانب تلبية احتياجات السوق المحلية.

كما أشارت تقارير دولية، إلى أن هذه الخطوة تمثل جزءًا من دفعة أوسع للاستثمار في القطاع، مع ربط الطاقات الإنتاجية الجديدة بسلاسل الإمداد المحلية ومحاور الشحن العالمية عبر ميناء العين السخنة.

وتُقدَّر الطاقة الإنتاجية الحالية لقطاع البتروكيماويات في مصر بنحو 4.5 مليون طن سنويًا، فيما تستهدف الدولة زيادتها بشكل ملموس خلال السنوات المقبلة، عبر إضافة ملايين الأطنان، بما يسد الفجوة بين الطلب المحلي والطموحات التصديرية، ويعكس هذا التوجه تسارع الدولة في توقيع مشروعات كبرى لتعزيز تنافسية الصناعة المصرية.

ولا تقتصر أهمية مجمّع السخنة على المنتج النهائي فقط، بل تمتد إلى دوره في تنشيط سلاسل الإمداد، حيث يتطلب المشروع توفير خامات أساسية مثل البروبان والبروبين، إلى جانب وحدات معالجة غاز، ومولدات هيدروجين، وبنية لوجستية متكاملة بحرية وبرية، ويعزز هذا التكامل القيمة المضافة للاقتصاد المصري، ويسهم في تقليص فاتورة الواردات البتروكيماوية.

من ناحية أخرى، يُتوقع أن يخلق المشروع الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة خلال مرحلتي الإنشاء والتشغيل، مع الحاجة إلى برامج تدريب فني وتقني متقدمة.

وفي هذا الإطار، تعمل وزارة البترول والثروة المعدنية على زيادة الاستثمارات في الحقول وعمليات الحفر لتأمين الإمدادات اللازمة للصناعات المحلية، حيث أعلن الوزير كريم بدوي عن خطط لحفر مئات الآبار خلال السنوات المقبلة.

ويعزز المشروع من جاذبية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، التي استقطبت منذ عام 2022 استثمارات تُقدَّر بنحو 8.3 مليار دولار عبر أكثر من 270 مشروعًا، ما يوفر بنية تحتية قوية تقلل المخاطر اللوجستية وتدعم توزيع الإنتاج للأسواق العالمية.

كما يفتح المشروع المجال أمام تكامل أكبر مع شركات محلية قائمة مثل ETHYDCO و MOPCO، التي تمثل نماذج ناجحة لمشروعات بتروكيماوية استطاعت تلبية الطلب المحلي والتوسع في التصدير، ما يعزز بناء سلسلة قيمة صناعية متكاملة.

وأكد أحمد محرم، مؤسس Anchorage Investments، خلال تصريحات صحفية، أن التعاون يعكس رؤية مشتركة لبناء صناعات تصديرية عالمية المستوى، فيما شدد مسؤولون بالهيئة والوزارة على أن المشروع سيسهم في تقليص الواردات وزيادة حصيلة النقد الأجنبي من خلال منتجات ذات قيمة مضافة عالية.

ورغم الفرص الواعدة، يظل نجاح المشروع مرهونًا بضمان توافر الطاقة بأسعار تنافسية، والالتزام بالمعايير البيئية، وتطوير الكوادر البشرية، إلى جانب وضوح جداول التنفيذ والتمويل.

ومع متابعة تنفيذ المراحل الأولى خلال الفترة 2026–2028، سيكون المشروع اختبارًا حقيقيًا لقدرة مصر على تحويل الاتفاقيات الاستثمارية إلى صناعة تصديرية قوية ومستدامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *