سياحة وسفر

بأيادٍ مصرية ويابانية.. إطلاق أضخم مشروع لإعادة تركيب مركب خوفو الثانية

شهد شريف فتحي، وزير السياحة والآثار، مراسم تثبيت أول قطعة خشبية على الهيكل الخاص بإعادة تركيب مركب الملك خوفو الثانية بالمتحف المصري الكبير، في حدث عالمي يوثق بدء المرحلة الأهم لترميم واحد من أضخم الآثار الخشبية في التاريخ الإنساني.

رافق الوزير خلال الفعالية الدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف، وممثلو وكالة التعاون الدولي اليابانية “جايكا”، وسط حضور كثيف من خبراء الترميم المصريين واليابانيين الذين نجحوا في إنقاذ عناصر المركب من التلف الشديد.

أكد الوزير أن ما يشهده العالم اليوم ليس مجرد إعادة تركيب لمركب أثري، بل هو إحياء حقيقي لعبقرية المصري القديم وفصل جوهري من تاريخ الحضارة، مشيراً إلى أن المشروع يعد الأضخم في القرن الحادي والعشرين لصون التراث العالمي.

ثمن فتحي التعاون الوثيق والممتد بين مصر واليابان في المجال الأثري، معتبراً هذا المشروع نموذجاً ملهماً للشراكة العلمية القائمة على تبادل الخبرات، وتطبيق أحدث التقنيات المتطورة في حفظ وترميم الأخشاب الأثرية النادرة التي دُفنت لآلاف السنين.

أوضح وزير السياحة أن الجمهور سيتمكن من مشاهدة أعمال التركيب بشكل حي ومباشر داخل المتحف، وهي تجربة رائدة ستضيف بعداً نوعياً للسياحة الثقافية في مصر، وتجعل الزائر شريكاً في رحلة إعادة اكتشاف هذا الكنز الجنائزي الفريد.

كشف الدكتور أحمد غنيم أن المتحف يتبنى فلسفة عرض متحفي جديدة عالمياً، تقوم على إبراز مراحل الترميم أمام الزوار لتعزيز الوعي بالجهد المبذول، مؤكداً أن الحالة المتدهورة للمركب عند اكتشافها كانت تمثل تحدياً هندسياً وعلمياً غير مسبوق.

ذكر الدكتور عيسى زيدان، مدير عام الترميم بالمتحف، أن فريق العمل أتم ترميم جميع القطع الخشبية التي استُخرجت من الحفرة الجنوبية للهرم الأكبر، والتي بلغ عددها نحو 1650 قطعة كانت مرتبة بدقة داخل ثلاث عشرة طبقة تحت أحجار الغطاء.

استغرق استخراج وتوثيق القطع سنوات من العمل المعملي الشاق منذ عام 1992، حيث تم توظيف تقنيات المسح ثلاثي الأبعاد والتصوير الرقمي لضمان دقة التجميع، ومن المتوقع أن تستغرق عملية التركيب النهائية داخل مبناها الجديد نحو أربع سنوات كاملة.

يبلغ طول مركب خوفو الثانية حوالي 42 متراً، وتتميز بخصائص إنشائية وعناصر معدنية ومجاديف تختلف عن المركب الأولى، مما يعمق فهم العلماء لتطور صناعة السفن والدور الرمزي للمراكب الملكية في عقيدة المصري القديم خلال الأسرة الرابعة.

بدأ تاريخ هذا المشروع المذهل منذ اكتشاف حفرتي المراكب عام 1954، وبينما رُكبت المركب الأولى قديماً، ظلت الحفرة الثانية مغلقة لعقود حفاظاً على بيئتها، حتى انطلق المشروع المصري الياباني الحالي بخطوات علمية مدروسة وصارمة.

جسد فريق العمل المصري الياباني ملحمة فنية في صون الأخشاب الضعيفة، حيث أنشئت معامل متخصصة ومنشآت حماية بموقع العمل، لضمان معالجة مظاهر التلف الكيميائي والفيزيائي التي لحقت بالأثر جراء الرطوبة والزمن الطويل تحت الأرض.

يُعد المتحف المصري الكبير منصة عالمية لا تكتفي بعرض الآثار فقط، بل تروي قصصاً إنسانية وعلمية متكاملة تربط الماضي بالحاضر، وتؤكد ريادة مصر في إدارة المواقع التراثية وتقديم الكنوز القديمة بصورة معاصرة تبهر الأجيال الجديدة من الباحثين والسياح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *