
لم يعد جرس المدرسة رمزًا لانتظام اليوم الدراسي، فخلال الفترة الأخيرة بات بالنسبة لكثير من الأسر المصرية إشارة خوف لا اطمئنان، حوادث متتالية داخل مدارس لغات ودولية سلطت الضوء على ثغرات خطيرة في منظومة يُفترض أنها الأكثر انضباطًا وحماية للأطفال.
وقائع صادمة تشعل الرأي العام
أزمة “سيدز الدولية للغات”.. بلاغات بالجملة واتهامات تهز الثقة
تصدرت مدرسة سيدز الدولية للغات المشهد بعد أن تقدّم عدد من أولياء الأمور ببلاغات رسمية تتهم أربعة موظفين بالتورط في اعتداءات جنسية ضد أطفال في مرحلة رياض الأطفال، وبحسب التحقيقات الأولية:
فإنه تم الإشارة إلى غرفة معزولة مظلمة تستغل لاستدراج الأطفال تحت غطاء “وقت اللعب”، وهناك شهادات تتحدث عن تكميم أفواه الأطفال وربط أيديهم وتهديدهم بأدوات حادة، ووصل عدد الضحايا المبلغ عنهم إلى ستة أطفال، مع ترجيحات بوجود حالات أخرى، من جانبها فإن وزارة التربية والتعليم فرضت إشرافًا إداريًا وماليًا مشددًا على المدرسة وفتحت تحقيقًا موسعًا.
قضية الطفل “ياسين” في البحيرة.. حكم مشدد وهزة مجتمعية
وفي محافظة البحيرة، أثارت قضية الطفل “ياسين” -الملقب إعلاميًا بـ طفل سبايدر مان- موجة غضب عارمة، بعد أن استغل موظف في مدرسة خاصة وجوده مع الطفل واعتدى عليه.
وأصدر القضاء حكمًا بالمؤبد قبل أن يُخفّف لاحقًا إلى 10 سنوات، لتتحول الحادثة إلى نقطة تحول في مناقشة ملف العنف الجنسي داخل المؤسسات التعليمية الخاصة.
لماذا تتكرر الجرائم داخل المدارس؟
خبراء اجتماع وتربية أرجعوا تنامي هذه الوقائع إلى عدة عوامل منها: “سلطة منفلتة وضعف رقابة داخلية
بعض العاملين يتمتعون بصلاحيات دون متابعة حقيقية أو كاميرات مراقبة كافية، ثقافة الخوف والصمت
الأطفال غير قادرين على الشكوى ويميلون للصمت بسبب التهديد أو الخجل.
وأوضحوا أن لغياب سياسات الحماية المؤسسية دور كبير لاتكرار هذه الجرائم داخل المدارس فإن قلة من المدارس تمتلك لجان حماية، أو أخصائيين مدربين لرصد السلوكيات الخطرة، ونقص التوعية الجنسية الملائمة للعمر، وغياب دروس “الخصوصية” و”اللمس الآمن” يجعل الطفل عاجزًا عن فهم ما يحدث، وعوائق قانونية وإجرائية، كما أن التحقيقات تعتمد على أدلة دقيقة، ما يجعل سير القضايا بطيئًا رغم خطورتها”.
تداعيات نفسية خطيرة على الضحايا
وتؤكد الدراسات أن وقوع الاعتداء داخل المدرسة- بوصفها مكانًا يفترض أنه آمن- قد يؤدي إلى: “انهيار الشعور بالأمان والثقة في المحيط، واضطرابات سلوكية ورفض الذهاب للمدرسة، وحدوث صدمات طويلة الأمد قد تؤثر على التحصيل الدراسي والعلاقات الاجتماعية”.
مواقف رسمية وتحرك حكومي
شددت وزارة التربية والتعليم عمليات التفتيش وإجراءات الرقابة داخل المدارس الخاصة والدولية، في حين طالب أولياء الأمور بقرارات حاسمة تصل إلى إغلاق المدارس التي يثبت تورط موظفين فيها.
خط نجدة الطفل أعلن أن 11% من بلاغات عام 2024 مرتبطة باعتداءات جنسية، وهو رقم يعكس اتساع الظاهرة وخطورتها.
وقالت الخبيرة الاجتماعية سامية خضرة إن واقعة مدرسة سيدز بمثابة “إنذار أحمر” يستوجب رقابة صارمة، مؤكدة أن غياب الإشراف داخل الممرات والفصول يفتح الباب لانتهاكات خطيرة.
خبراء نفسيون: دعم الأسرة يحدد قدرة الطفل على التعافي
وأوضح الدكتور جمال فرويز، الطبيب النفسي، أن الاعتداءات ليست على درجة واحدة من التأثير؛ فالبسيط منها قد يشفى الطفل منه إذا لقي دعمًا سريعًا، بينما الاعتداءات الكاملة- خاصة إذا تركت آثارًا جسدية- قد تسبب صدمات تمتد لسنوات.
وشدد فرويز على أهمية الكلمات الداعمة التي تعيد للطفل ثقته بنفسه، مثل:
“أنت شجاع.. أنت قوي.. ما حدث ليس ذنبك”.
إجراءات مطلوبة لحماية الأطفال داخل المدارس
يجب إنشاء وحدات حماية داخل كل مدرسة تضم أخصائيين نفسيين واجتماعيين وممثلين عن أولياء الأمور، وتدريب العاملين تدريبًا إلزاميًا على رصد السلوكيات الخاطئة وآليات الإبلاغ، وإدخال مناهج مبسطة للتوعية الجنسية المناسبة للعمر، وتوفير قنوات سرية آمنة لتلقي الشكاوى، وإجراء تفتيش مفاجئ ومستمر على المدارس الخاصة والدولية، بالإضافة إلى تقديم الدعم النفسي والقانوني للضحايا، وتشديد العقوبات على الجناة والمتسترين داخل المؤسسات التعليمية.
ومع تزايد هذه الحوادث، لم يعد الأمر مجرد حوادث فردية، بل ظاهرة تتطلب تدخلًا مؤسسيًا صارمًا يعيد للمدارس دورها كبيئة آمنة، ويضمن للأهالي أن صوت الجرس سيظل إعلانًا عن بداية يوم دراسي لا بداية مأساة.





