
ظاهرة تداول الأسهم بقيم سوقية أدنى بكثير من قيمتها العادلة تعد إحدى أبرز المفارقات التي نشاهدها في أسواق المال بصفة عامة وفي البورصة المصرية على وجه الخصوص هذه الفجوة تمثل نقطة محورية للمستثمرين نظرا لما تحمله من فرص ومخاطر متضاربة.
فالقيمة العادلة للسهم هي التقدير المنطقي والموضوعي لقيمة الشركة الحقيقية اعتمادا على أسس متينة تشمل أصول الشركة الملموسة وغير الملموسة والتدفقات النقدية المتوقعة ومعدلات النمو المستقبلية والمقارنات مع الشركات المناظرة لها في القطاع. أما القيمة السوقية فهي مجرد تعبير عن توازن العرض والطلب اللحظي على شاشة التداول، وهو ما يجعلها عرضة للتقلبات المتأثرة بعوامل نفسية ومعلوماتية واقتصادية قصيرة الأجل.
وأستعرض خبراء سوق المال لـ”البورصجية” العوامل التي ينتج عنها الفجوة بين القيمة العادلة والسوقية للأسهم في البورصة ودور الرقابة المالية في حماية حقوق المستثمرين وتعزيز نزاهة السوق، في حال تقديم عروض استحواذ لشركات بالبورصة بأسعار أدنى من القيمة العادلة لهذه الشركات.
وقال محمد سعيد خبير سوق المال أن الفجوة السعرية بين القيمة العادلة والسوقية جاءت نتيجة لعوامل متعددة فمن الناحية الاقتصادية الكلية قد تؤدي تقلبات أسعار الصرف أو التغيرات في الظروف الجيوسياسية إلى حالة من عدم اليقين تدفع المستثمرين نحو البيع بأسعار منخفضة وتسييل مراكزهم،وعلى مستوى السوق فقد يتسبب ضعف السيولة في سهم معين أو نقص المعلومات المتاحة حول أداء الشركة أو سيطرة المشاعر السلبية في تداول الأسهم بأقل من قيمتها الحقيقية.
وأضاف أنه قد تلعب العوامل الخاصة بالشركة دورًا في ذلك مثل وجود بعض التحديات في الحوكمة أو شفافية الإفصاحات أو حتى مخاطر تشغيلية محددة ،ومع ذلك فإن هذا التفاوت قد يمثل فرصة استثمارية ، إذا كان الانخفاض في السعر ناتجًا عن عوامل مؤقتة لا تمس جوهر أداء الشركة أو سلامة مركزها المالي، أما إذا كان التقييم المتدني يعكس مشكلات هيكلية أو مخاطر كامنة وجوهرية فإن ذلك يتحول إلى فخ قيمي يجب تجنبه.
وأشار إلى أنه يعد قرار الهيئة العامة للرقابة المالية الاثنين الماضي برفض عرض استحواذ قدمته شركة ساجاس للاستثمار الإماراتية على أسهم شركة السويدي إليكتريك مثالا حيًا وواضحًا على هذه الظاهرة ودور الجهات التنظيمية في معالجتها حيث رفضت الهيئة العرض النقدي الذي كان لا يقل عن 65 جنيها للسهم الواحد،معتبرة العرض متدنيا جدًا مقارنة بالقيمة العادلة المستحقة لسهم السويدي إليكتريك.
ورأى أن هذا القرار الرقابي يعكس أهمية قصوى في حماية حقوق المستثمرين وتعزيز نزاهة السوق. فهو يؤكد أن الهدف من الإشراف ليس فقط ضمان الامتثال الشكلي للقواعد بل يمتد إلى الحفاظ على القيمة الجوهرية للشركات المدرجة ،ومنع الصفقات التي قد تستغل التقييمات المتدنية لتحقيق مكاسب غير عادلة على حساب المساهمين خصوصا صغارهم.
وأضاف أنه يسلط الضوء على أن الشركات الكبيرة ذات الأساسيات القوية والمركز التنافسي المتميز مثل السويدي إليكتريك التي تعد رائدة في قطاع صناعة الكابلات والطاقة بمنطقة الشرق الأوسط قد تظل أسهمها متداولة بأقل من قيمتها الحقيقية في ظل ظروف معينة مما يجعلها عرضة لمثل هذه العروض.
ورأى أن التعامل مع الأسهم المتداولة بأقل من قيمتها العادلة يتطلب للمستثمر الذكي منهجية تحليلية دقيقة فيجب أولا إجراء تحليل أساسي شامل للشركة يتجاوز مجرد متابعة السعر السوقي ويشمل تقييم الأصول والأرباح والتدفقات النقدية ومعدلات النمو التاريخية والمستقبلية، كما ينبغي استخدام أدوات التقييم المالي المختلفة مثل نموذج التدفقات النقدية المخصومة ومضاعفات الربحية والقيمة الدفترية ومقارنات القطاع لتحديد القيمة العادلة التقديرية.
وأشار إلى ان رفض هيئة الرقابة المالية لعرض الاستحواذ على السويدي إلكتريك يعتبر محطة هامة تؤكد على حيوية الدور الرقابي في الحفاظ على عدالة السوق وحماية مصالح المستثمرين، كما يقدم هذا درسا عمليا للمستثمرين بضرورة التعمق في التحليل وعدم الانجرار وراء تقلبات السوق قصيرة الأجل والتركيز على القيمة الجوهرية للشركات كقاعدة أساسية لاتخاذ القرارات الاستثمارية السليمة.
وتساءل أحمد عبدالفتاح خبير سوق المال، هل أسعار الأسهم في البورصة المصرية تعبر فعلًا عن قيمها الحقيقية؟ فقد ظهر مثال واضح على هذه المشكلة عندما حاولت شركة إماراتية أن تستحوذ على “السويدي إليكتريك”، لكن الهيئة العامة للرقابة المالية رفضت العرض لأن السعر المقترح كان أقل من القيمة العادلة للسهم وهذا يؤكد إن أسعار كتير من الأسهم في البورصة لا تعبر بدقة عن القيمة الحقيقية للشركات، سواء بسبب ضعف السيولة، أو عزوف المستثمرين الأجانب، أو حتى بسبب تقييمات متدنية مبنية على حالة السوق العامة، بعيدا عن أداء الشركات نفسها بناء على أصول الشركة، أرباحها المستقبلية، وتدفقاتها النقدية.
وأشار إلى أن شركة السويدي إليكتريك تأسست في مصر سنة 1938، وبدأت كشركة تصنيع محلي للأسلاك والكابلات، ثم تطورت لتصبح مزودا لحلول البنية التحتية، وتتعامل مع أكثر من 30 منشأة إنتاج في حوالي 14 دولة، وتصدر منتجاتها إلى أكثر من 110 دولة ، وقد تم تصنيفها ضمن قائمة أكبر الشركات المدرجة في مصر بفضل مبيعاتها الدولية وحجمها.
ورأى أن هذا النوع من الشركات لديه قيمة فعلية وبعد استراتيجي فالانتشار الدولي يعني أنها ليست محصورة بالسوق المحلي فقط، وهذا يقلّل بعض المخاطر الخاصة بالسوق المحلي
وأكد أن شركات بهذا الحجم قد يكون سعر سهمها في البورصة أقل من “القيمة الحقيقية” لها وهنا يبرز دور الرقابة في رفضها العرض المقدم للاستحواذ على الشركة باقل من قيمته العادلة لحماية المساهمين مشيرا إلى أن هذا موقف إيجابي لأنه يحافظ على حقوق المساهمين والمستثمرين.





