
يُعد الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية أحد الركائز الأساسية لتحقيق الأمن الغذائي في أي دولة، وفي مصر، يكتسب هذا الهدف أهمية متزايدة في ظل التحديات الاقتصادية والمناخية المتلاحقة، وبينما تعتمد البلاد على الزراعة كمصدر رئيسي لتوفير الغذاء لا تزال تسعى جاهدة لتحقيق التوازن بين الإنتاج المحلي والاحتياجات المتنامية للسكان.
وفي السنوات الأخيرة، اتخذت الحكومة العديد من الخطوات لتعزيز الإنتاج الزراعي، من خلال مشروعات التوسع الأفقي والرأسي، وتبني أساليب ري حديثة، ودعم المزارعين بالمدخلات الزراعية والتكنولوجيا.
في هذا التقرير، نسلّط الضوء على واقع الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية في مصر خاصة مع تحقيق الدولة زيادة بنسبة 15% هذا العام في إنتاجية محصولي الطماطم والبطاطس، ومع سعيها نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من السكر بنهاية العام الحالي.
من جانبه قال حسين أبو صدام نقيب الفلاحين إن مصر لديها اكتفاء ذاتي من جميع أنواع الخضروات والفاكهة وتصدر منها للخارج باستثناء بعض الفاكهة التي لا تُعد ذات أهمية كبيرة مثل التفاح فنحن نستورده لأن التفاح المصري جودته أقل من المستورد، والكريز أيضًا نستورده من الخارج وبالتالي فنحن لدينا اكتفاء ذاتي من الخضروات والفاكهة بنسبة تصل إلى 99% ونصدر ما يصل لـ 8 ملايين طن سنويًا من الخضروات والفاكهة.
وأكد نقيب الفلاحين أن أبرز المحاصيل التي تصدرها مصر للخارج تتمثل في الموالح فمصر رقم 1 في تصدير الموالح على مستوى العالم وتصدر أكثر من مليون و900 ألف طن سنويًا منها، كما تصدر من البطاطس أكثر من مليون طن ومن العنب 600 ألف طن والبصل تصدر منه أكثر من 400 ألف طن.
98% نسبة العجز في الزيوت
وأضاف نقيب الفلاحين في تصريحات خاصة لـ”البورصجية” إننا نستورد الحبوب والزيوت ولكن في نفس الوقت نسعى لتقليل الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك بالنسبة لهما، فمصر لديها عجز في القمح بنسبة 50% وعجز في الزيوت بنسبة تصل لـ 98%، وذلك بسبب عدة عقبات تتمثل في محدودية الرقعة الزراعية الخصبة ومحدودية المياه، مما يجعل لدينا نقصًا في الحبوب والزيوت، مشيرًا إلى أنه لا توجد دولة لديها اكتفاء من كل شيء وبالتالي نحن نزرع الأكثر ربحية والأكثر عائد اقتصادي ونستورد الأقل، مؤكدًا على أنه مع استمرار الدولة في استصلاح الأراضي الزراعية ستقل الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك.
فيما قال الدكتور أشرف كمال، أستاذ الاقتصاد الزراعي، إن مصر تحقق اكتفاءً ذاتيًا من الخضروات والفاكهة وتصدر منها بما وصل لـ 10 ملايين طن خلال العام الحالي وهو ما يُعد نجاحًا كبيرًا، وتحتل مصر المرتبة الأولى في تصدير الموالح عالميًا بعد أن كانت تحتل أسبانيا تلك المرتبة.
وأضاف أستاذ الاقتصاد الزراعي في تصريحات خاصة لـ”البورصجية” أن مصر على وشك تحقيق نسبة الاكتفاء الذاتي الكامل من السكر بعد أن وصلنا لنسبة 81% منه ويرجع ذلك لزيادة إنتاج المحاصيل السكرية بشكل كبير وزيادة مساحة محصول بنجر السكر حيث يصل لـ750 ألف فدان، لكن محصول قصب السكر يتوقف عند 330 ألف فدان؛ نظرًا لاحتياجاته المائية الشديدة وتعمل الدولة على زيادة إنتاج المحاصيل السكرية بشكل كبير فإنتاجية محصول بنجر السكر حوالي 20 طن للفدان ومحصول قصب السكر نعمل على زيادة إنتاجيته من خلال مشروع شتلات القصب في محطتي كوم أمبو ووادي الصعايدة بقيمة 200 مليون شتلة.
السياسات السعرية
وأشار “كمال” إلى أن نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح تصل لـ 50% والمحاصيل الزيتية تنخفض نسبة الاكتفاء الذاتي منها وتعمل الدولة على زيادتها من خلال سياسة الزراعة التعقادية وأسعار الضمان حيث تم إعلان سعر ضمان للقمح 2200 جنيه للإردب وهو سعر محفز لتوريد القمح بشكل كبير كما أعلنت أسعار ضمان لمحاصيل زيتية مثل الذرة الشامية وفول الصويا وعباد الشمس.
وأضاف أستاذ الاقتصاد الزراعي أن القمح محصول شتوي ويلقى منافسة شديدة مع البرسيم فالبرسيم تبلغ مساحة زراعته حوالي 1.5 مليون فدان وتعمل استراتيجية التنمية الزارعية في مصر على خفض مساحة البرسيم إلى حوالي 1.1 مليون فدان ليُفسح المجال شيئًا ما للقمح، كما أن القمح ينافسه محصول بنجر السكر وهو محصول هام جدًا بالإضافة للفول والعدس ولكن يمكن زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح لتصل لـ 70%، موضحًا أن المحاصيل الزيتية لم تكن لها سياسات سعرية تشجع على زراعتها والآن بدأت الدولة في هذه السياسات السعرية من خلال تحديد أسعار ضمان لها مما يشجع الفلاحين على زراعتها.
نقص المياه
وفي السياق ذاته قال الدكتور جمال أبو الفتوح وكيل لجنة الزراعة بمجلس الشيوخ، إنه لا توجد دولة في العالم لديها اكتفاء ذاتي من كل شيء فهناك دول لديها خبرة في زراعة محاصيل معينة وبالتالي تركز فيها وتستورد محاصيل أخرى وبالنسبة لمصر فقد حققنا نتائج ممتازة بالنسبة للسكر والبطاطس والبصل، ولكن التحدي الأكبر لدينا يتمثل في المياه فنحن لدينا مساحات أراضي كبيرة جدًا فمحافظة الوادي الجديد تمثل 40% من مساحة مصر وبها أراضي كثيرة تصلح للزراعة لكن لا يوجد بها مياه وبالتالي نقص المياه هو التحدي أمامنا.
وأضاف “أبو الفتوح” في تصريحات خاصة لـ”البورصجية” أنه في مصر متوسط نصيب الفرد من المياه انخفض لأقل من 400 متر مكعب في السنة وهذا معدل متدني جدًا لأن متوسط العام الطبيعي للفرد 1000 متر مما يعني الدخول على مرحلة فقر مائي.
وأشار عضو مجلس الشيوخ إلى أن مصر حاليا تحقق حوالي نسبة 40% اكتفاء ذاتي من القمح ونحن لا نزال في مرحلة الصعود، أما المحاصيل الزيتية فتحتاج إلى الصعيد والدولة حاليا تعمل تجارب لزراعة عباد الشمس والصويا والذرة الصفراء، وهناك وحدات في وزارة الزراعة تشجع على الزراعة التعقادية.
وأوضح أن الدولة تسير بخطى سريعة في الاستصلاح ومحطات تحلية المياه والمعالجة الثنائية والثلاثية فنحن لدينا أكبر محطة معالجة في بحر البقر في مصر في الشرق الأوسط، ولكن الفكرة في التغيرات المناخية والتغيرات الإقليمية والحروب فالظروف الإقليمية صعبة والتحديات كبيرة وبالتالي تفرض علينا السير ببطء وخلال الخمس سنوات القادمة ستكون هناك زيادة في محاصيل القمح والمحاصيل الزيتية والأعلاف.