
لا يزال الاقتصاد غير الرسمي أحد أكبر العقبات التي تعوق تقدم قاطرة الإصلاح الاقتصادي في الدولة، إذ تتراوح تقديرات حجمه بين 30 إلى 50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي (389 مليار دولار العام الماضي).
وقبل ثلاث سنوات، كانت تقارير وزارة التخطيط تشير إلى أن الاقتصاد غير الرسمي يمثل نحو نصف الناتج المحلي، في حين تُشير تقديرات أخرى إلى أقل من ذلك قليلا.
وقد اتخذت الدولة عدة خطوات في سبيل دمج الاقتصاد غير الرسمي، منها قانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، الذي يشمل ضمانات لتحسين الكفاءة الإنتاجية وتخفيف الضرائب، وتطبيق نظام ضريبي تصاعدي يعتمد على حجم الإيرادات السنوية، مع إعفاءات وتسهيلات شاملة. ذلك بالإضافة إلى تصاريح العمل والمظلات التأمينية، التي وفرتها الدولة لتأمين ممارسات هذه الشركات.
وقال النائب محمد مرعي، رئيس لجنة المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، إن قانون إنشاء هيئة التنمية الصناعية صدر بفلسفة لتسهيل إجراءات المشروعات الصناعية لكي يضيف قيمة مضافة، وضمها من الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي.
وطالب في تصريحات صحفية، هيئة التنمية الصناعية بالالتزام الكامل بما ورد فى قانون إنشاء هيئة التنمية الصناعية ولائحته التنفيذية وإلغاء كل ما يخالف ذلك.
النائبة إيفلين متى، عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب، شددت على أن دمج الاقتصاد غير الرسمي سيكون له عوائد إيجابية على الدولة، حيث سيوفر أموالا طائلة للخزانة العامة للدولة، مشيرة إلى أن حل المشكلات التي تواجه المستثمرين الصناعيين، سيكون له دور كبير في تحسين مناخ الاستثمار في مصر وجذب رؤوس الأموال الأجنبية إلى مصر.
وكان باسل رحمي الرئيس التنفيذي لجهاز تنمية المشروعات قد شدد على أن الجهاز، من خلال برامجه المتنوعة، يضع تمكين الشباب والمرأة في صدارة اهتماماته، ويسعى إلى دمج الاقتصاد غير الرسمي، وتيسير الإجراءات القانونية والإدارية للمشروعات الريادية والشركات الناشئة.
من جهته، يرى الدكتور أشرف الزيات، رئيس قطاع الفحص بمصلحة الضرائب، أن التعديلات الجديدة على المنظومة الضريبية تهدف بالأساس إلى دمج الاقتصاد غير الرسمي، والذي وصفه بأنه “ينخر في عظام الاقتصاد القومي”، مشيرًا إلى أن نشاط المقاولات وحده يرتبط بأكثر من 400 نشاط اقتصادي غير ظاهر رسميًا.
وأوضح أن فرض الضريبة وفق السعر العام سيتيح لشركات المقاولات خصم الضريبة على مدخلاتها، مما يجعل المحصلة الفعلية للضريبة متقاربة مع النسبة السابقة (5%)، لكنه في الوقت ذاته سيسهم في إدخال عشرات الأنشطة المرتبطة بالقطاع إلى الاقتصاد الرسمي، مما يدعم الوعاء الضريبي ويحد من التهرب.
وأشار الزيات إلى أن المنظومة الجديدة تعتمد على نظام ضريبي قطعي للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر التي لا يتجاوز حجم أعمالها 20 مليون جنيه، بما يمنحها إعفاء من الفحص الضريبي لمدة 5 سنوات، ويشجعها على التسجيل والانضمام للاقتصاد الرسمي.
أما رئيس جمعية خبراء الضرائب أشرف عبد الغني، فيرى أن حجم الاقتصادي غير الرسمي يتجاوز حاليا 3 تريليونات جنيه، لافتا إلى أن الحل السريع يتمثل في تقديم حوافز وتيسيرات للدمج الطوعي للقطاع الموازي في الاقتصاد الرسمي للدولة.
وأشار إلى أن الدراسات التي تمت بالفعل لتحديد حجم الاقتصاد الموازي مثل ما بين 50 إلى 60 بالمئة وهي نسبة كبيرة جدا لا يمكن إغفالها أو التغاضي عنها.
ولفت رئيس جمعية الضرائب ان التعديلات الجديدة في المنظومة الضريبية، تمثل خطوة هامة نحو إعادة بناء جسور الثقة بين الممولين ومصلحة الضرائب، خاصة فيما يتعلق بتقديم الإقرارات الضريبية المتأخرة دون فرض غرامات أو عقوبات، موضحا أن هذه الإجراءات تعكس توجه الدولة نحو تحقيق التيسير الضريبي، وتحفيز الاقتصاد الرسمي، ودمج القطاع غير الرسمي تحت مظلة الاقتصاد المنظم.
وأضاف أن عملية دمج الممولين في الاقتصاد الرسمي بدلًا من غير الرسمي، يساهم في الاستفادة للطرفين الدولة والممول.
واشار إلى أن تلك التعديلات تعد فرصا كبيرة للممولين لتسوية أوضاعهم والانضمام إلى الاقتصاد الرسمي دون أعباء إضافية، مما يعزز بيئة الأعمال والاستثمار في مصر.
ويرى خبراء أن دمج الاقتصاد غير الرسمي، يتطلب إجراءات مبسطة وحوافز اجتماعية. أوضح المحلل الاقتصادي علي متولي، أن الحل يكمن في تسجيل إلكتروني سريع يمنح رخصة مؤقتة برسوم رمزية، مع ضرائب مبسطة على المبيعات (0.5%–1%) وإعفاءات أولية، مقابل حوافز كالتأمين الصحي والمعاشات الصغيرة، وقروض تشغيلية مدعومة، مشيرًا إلى أن الرقمنة يجب أن تكون مدخلًا تمكينيًا.
وأكد محمود نجلة، المدير التنفيذي لشركة الأهلي لإدارة الاستثمارات، أن استعادة الثقة شرط أساسي، لافتًا إلى نجاح الفاتورة الإلكترونية التي جذبت 130 ألف شركة، وإلى تجربة جهاز المشروعات الذي رفع الانضمام الرسمي 18%. ورأى أن الاقتصاد غير الرسمي خفف التضخم وقت الأزمات مثل 2022–2023، لكنه غير مستدام لغياب الحماية، مطالبًا بضرائب منخفضة وتأمين اجتماعي كما في المغرب، مع ابتكار أدوات مالية كالتأمين اليومي والقروض بضمان الفواتير.
من جانبه، أشار مصطفى شفيع، رئيس البحوث بشركة عربية أون لاين، إلى أن اقتصاد الظل يوفر وظائف لكنه خارج الحسابات الرسمية، مقترحًا محاسبة تصاعدية مع حوافز. فيما شددت شيرين الشواربي، عميد كلية الإدارة بجامعة النيل، على أن الهدف ليس فقط زيادة الإيرادات بل تحديث القطاع وضمان معايير السلامة للعاملين، مؤكدة دوره في امتصاص الصدمات الاقتصادية.
أما محمود جاب الله، مستشار الضرائب، فانتقد العفو الضريبي الذي يمنح المتهربين حصانة على حساب الملتزمين، معتبرًا أنه يناقض العدالة والدستور، وأن التجارب السابقة أثبتت فشله. ودعا إلى إلغاء المادة 88 من قانون المشروعات الصغيرة وإقرار إصلاح ضريبي هيكلي واضح ومستقر، مع تعزيز ثقة الممولين عبر شفافية إنفاق الضرائب.