
لمواجهة تحديات سلاسل الإمداد..
مع توالي الأزمات العالمية، اضطرت المصانع المصرية إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها لإدارة سلاسل الإمداد، في مواجهة تحديات متصاعدة تشمل نقص المكونات وارتفاع تكاليف الشحن وتباطؤ حركة التجارة الدولية.
ومع ما خلّفته جائحة كورونا من آثار ممتدة، وتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، فضلًا عن التوترات في البحر الأحمر، وجدت الصناعة المصرية نفسها أمام اختبار جاد يكشف مدى مرونتها وقدرتها على التكيف مع المتغيرات المتسارعة.
تشير بيانات مؤشر مديري المشتريات إلى أن الاقتصاد المصري غير النفطي شهد تباطؤًا خلال عام 2024، حيث تراجع المؤشر إلى مستوى 47.1 نقطة في فبراير، متأثرًا باضطرابات الشحن وصعوبات التمويل.
وفي مواجهة هذه التحديات، اتجهت الدولة بالتعاون مع القطاع الخاص إلى اعتماد حلول مبتكرة وسريعة، جمعت بين السياسات الحكومية الداعمة والمبادرات العملية للشركات، بما يضمن استمرارية الإنتاج وتعزيز تنافسية الصادرات.
على صعيد السياسات الحكومية، أكدت وزارة التموين أن الاحتياطي الاستراتيجي من السلع الأساسية يكفي لأكثر من ستة أشهر، في رسالة تهدف إلى طمأنة الأسواق بشأن أمن الإمدادات الغذائية.
وفي موازنة 2024/2025، خصصت الحكومة مليار جنيه لدعم استراتيجية توطين صناعة السيارات، في خطوة تستهدف تقليل الاعتماد على الواردات والحد من مخاطر التأخير المرتبط بسلاسل توريد طويلة ومعقدة.
كما أظهرت التقديرات، أن حجم سوق الشحن والخدمات اللوجستية في مصر بلغ نحو 14.56 مليار دولار عام 2024، الأمر الذي يفسر تنامي الاهتمام بتوجيه الاستثمارات نحو تطوير الموانئ والمناطق اللوجستية لتسريع عمليات المناولة وتيسير حركة التجارة.
وعلى صعيد القطاع الخاص، قامت المصانع المصرية بإعادة هيكلة خرائط التوريد الخاصة بها. فقد أبرمت شركة إيفا فارما اتفاقيات لنقل التكنولوجيا مع شركات عالمية مثل إيلي ليلي، بهدف توطين إنتاج أدوية حساسة، بما يعزز الأمن الدوائي الإقليمي ويحد من مخاطر الاعتماد على استيراد المكونات الحيوية.
وفي الاتجاه نفسه، استثمرت مجموعة السويدي في رقمنة سلاسل الإمداد وتطوير إدارة الموردين بشكل مركزي، وهو ما مكّنها من التنبؤ بأزمات النقص وتحويلها إلى فرص لإعادة التفاوض على العقود بشروط أكثر ملاءمة.
صرّح الفريق مهندس كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، بأن مصر تسعى إلى تعميق شراكاتها الصناعية مع دول الجوار وتوسيع نطاق التوطين، بهدف تعزيز قدرتها التصديرية وتقليل الاعتماد على مورد واحد.
وفي السياق ذاته، أكدت وزارة التموين والتجارة الداخلية أهمية التعاون مع القطاع الخاص لتأمين المعابر الحيوية وضمان استدامة تدفق الإمدادات.
وتعكس هذه الجهود توازنًا دقيقًا بين السياسات الحكومية الاحترازية والاستراتيجيات المرنة التي تتبناها الشركات، حيث تحولت الأزمات العالمية من مصدر تهديد مباشر إلى محفز لتسريع التحول الرقمي، وتنويع الأسواق، وتعزيز المخزون الاستراتيجي.
ومع ذلك، ما تزال التحديات قائمة، خاصة في ظل استمرار مخاطر الملاحة وارتفاع تكاليف التأمين والشحن.
لذلك، يتوقف نجاح الصناعة المصرية في إدارة سلاسل الإمداد على الاستمرار في دمج سياسات التوطين الذكي مع الاستثمار في تطوير البنية التحتية اللوجستية، إلى جانب تعزيز قنوات التعاون بين الدولة والقطاع الخاص.
ومن خلال هذه الخطوات، تزداد قدرة مصر على تحويل التحديات العالمية إلى فرص، بما يعزز مرونتها الصناعية ويكرّس مكانتها كمركز إقليمي للإنتاج والتصدير.