
في إطار “رؤية 2030″، تسعى مصر إلى توطين صناعة السيارات الكهربائية وجذب استثمارات كبرى في هذا القطاع، باعتباره إحدى ركائز التحول نحو الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاثات الكربونية. وقد أطلقت الحكومة بالفعل عدة مبادرات لدعم البنية التحتية لمحطات الشحن وتشجيع دخول السيارات الكهربائية إلى السوق المحلي. غير أن هذه الجهود اصطدمت مؤخرًا بجدل واسع عقب قرار توحيد بروتوكول شحن السيارات الكهربائية في مصر إلى البروتوكول الأوروبي “CCS2″، وهو القرار الذي أثار مخاوف لدى المستوردين والتجار والمستهلكين على حد سواء، وأصبح يمثل “صداعًا” للحكومة في مساعيها لتحقيق التوازن بين متطلبات البنية التحتية ومعطيات السوق.
وقد أشعل قرار توحيد بروتوكول الشحن حالة من الجدل بين الخبراء والمتخصصين منذ شهر أبريل الماضي، حيث اعتبره البعض خطوة غير مدروسة قد تعرقل خطط الدولة في توطين صناعة السيارات الكهربائية، في وقت يتجه فيه العالم بسرعة نحو الطاقة النظيفة واعتماد المركبات الكهربائية كخيار رئيسي للمستقبل.
من جانبها، ترى الحكومة أن القرار يمثل تحديًا ضروريًا لتحقيق التوازن بين توحيد البنية التحتية لمحطات الشحن وضمان مصالح المستوردين والمستهلكين. وكان مرفق تنظيم الكهرباء قد أعلن – عند دخول القرار حيز التنفيذ في 24 أبريل الماضي، أن الهدف منه تعزيز معايير السلامة داخل محطات الشحن، مشيرًا أن تعدد أنظمة الشحن بين السيارات الصينية والأوروبية تسبب في مشكلات تقنية ومخاطر محتملة.
وبموجب القرار، ما زال بإمكان أصحاب السيارات الصينية استخدام الشحن المنزلي أو الشحن البطيء، لكن تم إلغاء تفعيلها داخل محطات الشحن السريع على الطرق السريعة ومحطات الخدمة العامة، وهو ما يضطر مالكي السيارات العاملة ببروتوكول الشحن الصيني (GB/T) إلى شراء محولات شحن “Adapters” مرتفعة التكلفة، تتراوح أسعارها بين 50 و70 ألف جنيه.
وزاد قرار مصلحة الرقابة الصناعية الأخير من حالة الارتباك، إذ اشترط تقديم شهادة مطابقة السيارة لبروتوكول الشحن الأوروبي للإفراج عنها فنيًا، وتكمن الإشكالية في أن معظم السيارات الكهربائية المستوردة في مصر تعمل وفق بروتوكول الشحن الصيني (GB/T)، بينما يقتصر استخدام البروتوكول الأوروبي (CCS2) على نسبة أقل بكثير.
وتشير التقديرات إلى وجود نحو 15 ألف سيارة كهربائية في مصر، من بينها 11 ألف سيارة تعمل بالنظام الصيني.
في هذا السياق، دعا الدكتور علاء الفناجيلي، رئيس مجلس إدارة الرابطة المصرية العربية لوسائل التنقل الذكية والمركبات الكهربائية، إلى تأجيل تطبيق القرار حتى نهاية عام 2025، وذلك لإتاحة الفرصة أمام المستوردين والتجار لتوفيق أوضاعهم، وتجنب الإضرار بالعملاء الذين دفعوا مقدمات مالية لشراء سيارات صينية ضمن تعاقدات قائمة.
وقال الفناجيلي في تصريح خاص لـ”البورصجية”: إن الرابطة تمثل صوت التجار والمستوردين والعملاء المهتمين بمجال السيارات الكهربائية، موضحًا أن قرار حظر استيراد سيارات البروتوكول الصيني تم تطبيقه عمليًا دون إعلان رسمي. مضيفًا: أن ذلك جاء رغم الاجتماعات السابقة التي عُقدت بين مرفق تنظيم الكهرباء والجهات المعنية، والتي جرى خلالها التوافق على اعتماد البروتوكول الأوروبي للمحطات العامة، مع منح فترة انتقالية للسيارات الصينية، إلا أن الحظر فُرض مباشرة دون إنذار مسبق.
وأشار الفناجيلي، أن بعض التجار لديهم بالفعل شحنات سيارات وصلت إلى الموانئ المصرية، فيما أبرم آخرون عقودًا ملزمة مع الموردين الصينيين، وهو ما يتطلب على الأقل فترة سماح تمتد لشهرين أو ثلاثة لتصريف الالتزامات الحالية، مؤكدًا أن المطلب الأساسي ليس رفض القرار، وإنما تأجيله رسميًا وبشكل معلن، لتجنب خسائر جسيمة وحماية الثقة بين السوق والعملاء.
بدوره، قال المستشار أسامة أبو المجد، رئيس رابطة تجار السيارات ونائب رئيس الشعبة العامة بالغرفة التجارية بالقاهرة، إن القرار الأخير يتجاهل حقائق جوهرية تؤكد تفوق الصين عالميًا في صناعة السيارات الكهربائية.
وأوضح أبو المجد – في تصريح خاص لـ”البورصجية”-، أن الصين أصبحت أكبر منتج عالمي للمكونات الأساسية والسيارات الكهربائية الكاملة، مشيرًا أن شركة “بي واي دي” وحدها باعت 3.4 مليون سيارة كهربائية خلال العام الماضي، مقابل 1.7 مليون سيارة فقط لشركة “تسلا” الأمريكية.
وأضاف: أن الصين تستحوذ على 60% من إنتاج السيارات الكهربائية في العالم، و82% من بطاريات الليثيوم، فضلًا عن 30% من السيارات العاملة بالوقود.
وأكد رئيس رابطة تجار السيارات، أن تجاهل البروتوكول الصيني يعد خطأ استراتيجيًا قد يضر بخطط جذب الاستثمارات الأجنبية إلى السوق المصرية، لافتًا أن السيارات الصينية باتت تتصدر المبيعات في مصر، كما أدى توسعها العالمي إلى تراجع مبيعات السيارات الأوروبية بنسبة 5%، وفق تقرير صادر عن رابطة مصنعي السيارات الأوروبية، وهو ما دفع بعض الشركات الأوروبية إلى نقل مصانعها خارج الاتحاد الأوروبي.
وشدد أبو المجد على أن نشر ثقافة السيارات الكهربائية في مصر يتطلب اعتماد البروتوكول الصيني كمرجعية أساسية، مع السماح للبروتوكولات الأخرى بالعمل بالتوازي.
وحذر من أن الاعتماد على محولات تحويل الشحن من النظام الأوروبي إلى الصيني سيرفع التكلفة على المستهلك، فضلًا عن تأثيره السلبي على العمر الافتراضي للبطارية، ما قد يعرقل جهود الدولة في التحول نحو الاقتصاد الأخضر.