ملفات وحوارات

كليات «الذكاء الاصطناعي» تعاني من «الغباء الأكاديمي»

في خطوة جريئة نحو المستقبل، أعلنت الدولة المصرية قبل سنوات افتتاح أول كلية متخصصة في الذكاء الاصطناعي بجامعة كفر الشيخ، كجزء من رؤية استراتيجية للتحول الرقمي وبناء اقتصاد قائم على المعرفة.

وسرعان ما تبعتها كليات مماثلة في جامعات الزقازيق والمنوفية والفيوم وسوهاج، وسط تغطية إعلامية واسعة وآمال بأن تُصبح هذه المؤسسات بوابة مصر إلى عالم الذكاء الاصطناعي.

لكن بعد مرور أكثر من أربع سنوات على هذا المشروع الطموح، بدأت الأسئلة تتصاعد حول جدوى هذه الكليات، وما إذا كانت قد نجحت بالفعل في إعداد خريجين قادرين على المنافسة في سوق العمل، أم أن الحلم ما زال محصورًا في إطار الشعارات والتطلعات.

ورغم التوسع الملحوظ في إنشاء كليات الذكاء الاصطناعي في محافظات مختلفة، إلا أن تحديات كبيرة ما تزال تقف في وجه تحقيق أهدافها المنشودة. وتتمثل أبرز هذه التحديات، في نقص الكفاءات التعليمي، إذ ما تزال الكليات تُعاني من قلة عدد أعضاء هيئة التدريس المتخصصين في مجالات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي؛ ما يؤثر سلبًا على جودة العملية التعليمية.

والتحدي الثاني ضعف البنية التحتية، حيث إن المعامل غير مجهزة بشكل كافٍ، سواء من حيث البرمجيات أو المعدات التقنية الضرورية لتأهيل الطلاب عمليًا ومهنيًا.

وثالث التحديات يتمثل في فجوة مع سوق العمل، فهناك عدم توافق واضح بين المناهج الدراسية المطروحة واحتياجات سوق العمل، سواء داخل مصر أو على المستوى الدولي، ما يقلل من فرص توظيف الخريجين في هذا المجال سريع التطور.

رغم الطموح الكبير الذي صاحب إنشاء كليات الذكاء الاصطناعي في عدد من الجامعات المصرية، يبدو أن الواقع الأكاديمي لم يرقَ بعد إلى مستوى التوقعات، بحسب ما يكشفه طلاب وخريجون تحدثوا عن تجربتهم داخل هذه الكليات.

ويشير عدد من الطلاب إلى أن الخطط الدراسية ما زالت تعتمد بشكل أساسي في السنوات الأولى على مقررات تقليدية في علوم الحاسب، مثل: الرياضيات والمنطق وهياكل البيانات، بينما يتم تأجيل تدريس أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة – مثل لغة Python وإطار PyTorch – إلى مراحل متقدمة، وغالبًا ما لا تُدرّس بعمق كافٍ.

ويقول كريم، طالب بالفرقة الثالثة في كلية الذكاء الاصطناعي بجامعة الزقازيق: “كنا متحمسين ندرس تقنيات متقدمة ونشتغل على مشاريع شبيهة بـ ChatGPT، لكن اللي حصل إن أغلب المواد نظرية، والتركيز كله على الرياضيات، بدون تطبيق عملي حقيقي.”

من جهتها، تقول منى أحمد، خريجة دفعة 2024 من كلية الذكاء الاصطناعي بجامعة المنوفية: في مشروع التخرج، اضطريت أشتغل على اللابتوب بتاعي لأن المعامل ما كانتش مجهزة كويس. النموذج اللي كنت بشتغل عليه تقيل جدًا وماكنتش قادرة أشغله بكفاءة.”

ومع تخرج الدفعات الأولى، بدأت تتضح مشكلة أكبر: صعوبة الحصول على وظائف في المجال نفسه، فالسوق المحلي لم ينجح بعد في استيعاب خريجي هذه الكليات، في ظل غياب شراكات واضحة بين الجامعات والشركات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي.

ويقول محمد عبد الحميد، خريج دفعة 2023: “أنا شغال حاليًا دعم فني في شركة اتصالات، حاولت أقدم على وظائف بمجال الذكاء الاصطناعي، بس كل الوظائف كانت طالبة خبرات ومهارات ماخدناهاش في الكلية.”

أمام هذا الواقع، يتجه كثير من الطلاب إلى التعليم الذاتي، من خلال دورات تدريبية على منصات مثل: Coursera وUdacity وYouTube، لبناء مهارات عملية وتكوين ملفات أعمال تساعدهم في إثبات كفاءتهم.

ويبقى الذكاء الاصطناعي حجر الزاوية في صياغة مستقبل الاقتصاد والتعليم وسوق العمل، إلا أن تحقيق الطموح المصري في هذا المجال لا يمكن أن يُختزل في إنشاء مبانٍ جديدة أو رفع لافتات تحمل أسماء جذابة. فنجاح كليات الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يتم دون توفير بنية تحتية متطورة، وبرامج تدريب عملي حقيقية، وربط فعلي بين الدراسة الأكاديمية واحتياجات السوق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *