
650 مليون دولار سنويًا و3 طرق لنجاح التوطين..
كتبت – مروة أبو المجد:
تسابق مصر الزمن لتوطين صناعة قطع غيار السيارات في إطار خطة قومية شاملة تهدف إلى خفض فاتورة الاستيراد، ودعم قدرات التصنيع المحلي، وتحفيز الاستثمار الخاص والعام في هذا القطاع الحيوي الذي يمثل ركيزة للاقتصاد الوطني، ففي ظل تقلبات الأسواق العالمية وأسعار العملة، لم يعد أمام الدولة خيار سوى تقوية سلاسل الإمداد الداخلية وضمان توافر قطع الغيار بأسعار تنافسية وجودة معتمدة.
يقول الفريق كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، إن الحكومة تستهدف رفع نسبة المكون المحلي في صناعة السيارات إلى ما بين 45% و60% خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنةً بمستوى لا يتجاوز حاليًا 20% لدى معظم التجميعات القائمة، وأكد الوزير في تصريحات رسمية أن الدولة ضخت استثمارات مباشرة وغير مباشرة تجاوزت 30 مليار جنيه لتحديث خطوط إنتاج السيارات وقطع غيارها، مع تقديم حوافز ضريبية وجمركية للشركات الراغبة في تصنيع مكونات محلية معتمدة.
وتبلغ قيمة واردات مصر من قطع غيار السيارات وحدها أكثر من 650 مليون دولار سنويًا بحسب بيانات الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات (2023)، رغم تراجعها بنحو 35% مقارنةً بعام 2022 نتيجة القيود النقدية وخطط الإحلال التدريجي بالإنتاج المحلي، ووفقًا لتقديرات وزارة التجارة والصناعة، فإن توفير 40% فقط من احتياجات السوق محليًا يمكن أن يوفر للدولة ما يزيد عن 250 مليون دولار سنويًا من النقد الأجنبي.
وفي خطوة عملية لتقليص الاعتماد على الخارج، أطلقت الدولة “برنامج تصنيع مكونات السيارات” ضمن الاستراتيجية الوطنية لتنمية صناعة السيارات (AIDP) التي أُقرّت بقانون خاص في 2022 وتم تحديثها منتصف 2025، ويشمل البرنامج تقديم حوافز تصل إلى 50% من قيمة الاستثمارات للمشروعات التي تحقق نسبة تصنيع محلي لا تقل عن 45% خلال خمس سنوات، وتستهدف الاستراتيجية اجتذاب مصانع كبرى لإنتاج أجزاء أساسية مثل الفلاتر، والضفائر الكهربائية، وخراطيم الوقود، ونظم التعليق، وأنظمة الفرامل.
أما على مستوى المبادرات النوعية، فقد صرح اللواء مختار عبد اللطيف، رئيس الهيئة العربية للتصنيع، بأن الهيئة دشنت “مركز التصنيع الرقمي” الذي بدأ في إنتاج بعض المكونات الحيوية بنظم الطباعة ثلاثية الأبعاد، لتلبية طلبات مصانع التجميع المحلي وشركات الصيانة، وأكد عبد اللطيف أن الهيئة وقّعت مذكرات تفاهم مع شركاء محليين ودوليين لإنتاج أكثر من 200 مكون صغير ومتوسط للسيارات الملاكي والنقل الخفيف، بما في ذلك أجزاء المحركات والدعامات والمصدات، وفقًا للمواصفات الأوروبية والأمريكية.
لكن في قلب هذه المنظومة يظل واقع الورش الصغيرة بمثابة التحدي الأبرز والفرصة الكبرى في آن واحد، فطبقًا لتقديرات غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات، تعمل في مصر نحو 12 ألف ورشة لإنتاج وإصلاح قطع الغيار، خاصة في مناطق صناعية غير رسمية مثل صقر قريش والمرج والعباسية، وتساهم هذه الورش بنسبة غير رسمية تصل إلى 15% من احتياجات السوق، لكنها تواجه عراقيل قانونية بسبب غياب الترخيص والاشتراطات الفنية.
ويرى أحمد عبد الرازق، رئيس الهيئة العامة للتنمية الصناعية، أن الدولة حريصة على نقل هذه الورش إلى تجمعات صناعية مرخصة داخل المجمعات الجاهزة بالمناطق الصناعية، مع إتاحة قروض ميسرة بفائدة 5% لتحويلها إلى وحدات إنتاجية قانونية، وأشار عبد الرازق إلى أن الهيئة أعدت حزمة حوافز تشمل الإعفاء من بعض الرسوم الجمركية على المعدات المستوردة التي تُستخدم في تصنيع قطع الغيار محليًا، بجانب برنامج لدعم التدريب الفني للعاملين بهذه الورش.
وبرغم التحركات الرسمية، يرى بعض الخبراء أن توطين صناعة قطع الغيار يتطلب مواجهة أكبر لمشكلة السوق الرمادية للمنتجات المقلدة التي تستحوذ على حصة ضخمة من التداول، ويقدّر علاء السبع، عضو شعبة السيارات باتحاد الغرف التجارية، أن السوق المصرية تستورد ما يقارب 40% من قطع الغيار المقلدة أو المستعملة، ما يعرض المستهلكين لمخاطر كبيرة ويؤثر سلبًا على فرص الورش المرخصة والمصانع الرسمية.
وسط هذه التحديات، تتفق التقديرات على أن نجاح ملف توطين صناعة قطع غيار السيارات يحتاج إلى تضافر مسارات متعددة: أولها تطوير خطوط إنتاج متكاملة للمكونات الأكثر استيرادًا مثل أنظمة العادم وقطع المحرك والأنظمة الكهربائية؛ وثانيها تحفيز أصحاب الورش الصغيرة للانتقال للعمل الرسمي عبر تسهيلات ضريبية ومالية حقيقية؛ وثالثها تعزيز وعي المستهلك بأهمية شراء القطع الأصلية أو المنتجة محليًا وفق معايير الجودة المعتمدة.