اقتصاد

الاقتصاد المصرى يحلق فوق ظهر «التنين الصينى»

رهان إستراتيجى لمضاعفة استثمارات بكين..

تكثف مصر من جهودها لتوسيع شراكتها مع الصين، في خطوة استراتيجية تهدف إلى جعل بكين ضمن أكبر خمسة مستثمرين في البلاد، بدلاً من موقعها الحالي في المرتبة العاشرة. التحركات المصرية لم تعد تقتصر على تبادل تجاري تقليدي أو تعاون محدود في بعض القطاعات، بل اتخذت مسارًا جديدًا يقوم على إعادة رسم خريطة الاستثمارات الصينية في مصر، بالتوازي مع جهود القاهرة لتموضع دولي أكثر استقلالًا في سياساتها الاقتصادية.

زيارة رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ إلى القاهرة مؤخرًا مثلت تتويجًا لهذا المسار، حيث شهدت توقيع اتفاقيات في مجالات التنمية الخضراء والتجارة الإلكترونية والمساعدات الإنمائية. ووفقًا لما نقلته وكالة أنباء شينخوا، فإن هذه الشراكة لا تقتصر على الاقتصاد فحسب، بل تمتد إلى التنسيق السياسي في المحافل الدولية، بما في ذلك دعم الصين للقضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ودعم مصر لمبدأ “صين واحدة”.

بحسب المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المصري، فإن حجم التبادل التجاري بين مصر والصين بلغ نحو 17 مليار دولار خلال عام 2024، مقارنة بنحو 16 مليار دولار في 2023، بزيادة قدرها 6%. ومع ذلك، يرى الوزير أن هذه الأرقام لا تزال دون الإمكانات الحقيقية للبلدين. وأوضح أن مصر تستضيف أكثر من 3,050 شركة صينية بإجمالي استثمارات مباشرة بلغت 1.2 مليار دولار حتى نهاية فبراير 2025. وتشمل هذه الشركات علامات بارزة مثل “هواوي”، “أوبو”، “هاير”، و”ميديا”، إلى جانب شركات البنية التحتية والطاقة والإنشاءات.

وكشف عبد العزيز الشريف، رئيس جهاز التمثيل التجاري المصري، أن مصر تستهدف مضاعفة الاستثمارات الصينية إلى 16 مليار دولار خلال أربع سنوات، مقارنة بنحو 8 مليارات دولار حالياً. وأشار إلى أن الجهاز يسعى لجذب استثمارات مباشرة بقيمة 15 مليار دولار خلال العام الجاري، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف المتوسط السنوي للاستثمارات التي استُقطبت خلال العقد الماضي، مشيرًا إلى اهتمام متزايد من المستثمرين الصينيين بعد رفع الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على منتجات عدة دول، ما جعل السوق المصرية أكثر جاذبية.

الرهان المصري على الصين ليس طارئًا، بل يأتي في إطار رؤية استراتيجية بدأت تتشكل بوضوح منذ إعلان الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين في عام 2014، وتعمقت لاحقًا من خلال مشاريع كبرى، أبرزها مشروع منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة، الذي تنفذه شركة “CSCEC” الصينية بتكلفة 3.8 مليار دولار. وتدير الشركة المشروع وتشرف عليه بالكامل، وهو ما اعتبره مصطفى إبراهيم، نائب رئيس مجلس الأعمال المصري الصيني، نموذجًا لقدرة الصين على التنفيذ السريع والفعال للمشاريع الكبرى.

وفي مجال النقل، دخل القطار الكهربائي الذي يربط العاصمة الإدارية بالقاهرة الكبرى حيز التشغيل في 2024 باستثمار تجاوز 1.2 مليار دولار، بمشاركة 15 شركة صينية. وفي قطاع الطاقة المتجددة، وقعت شركة “سويس” اتفاقية مع شركة “باور كونستراكشن” الصينية لبناء محطة رياح بقدرة 1100 ميغاواط في خليج السويس، وهي واحدة من أكبر المشاريع من نوعها في المنطقة.

وقال أحمد منير عز الدين، رئيس لجنة تنمية العلاقات مع الصين بجمعية رجال الأعمال المصريين، إن الصين تتميز عن غيرها من الشركاء في سرعة إقامة المصانع، مشيرًا إلى أن مصر تطمح إلى جذب استثمارات صينية تتجاوز 15 مليار دولار في فترة وجيزة، لا سيما في القطاعات الصناعية. وأضاف أن مصر بحاجة إلى الاستثمار المباشر بالعملة الصعبة لتعويض تراجع إيرادات قناة السويس، وأن الشركات الصينية أبدت اهتمامًا خاصًا بقطاعات الإنشاءات، والإلكترونيات، والمنسوجات، والملابس الجاهزة.

ويرى الدكتور صلاح فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أن مصر تمثل بوابة جيوستراتيجية بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، ما يجعلها شريكًا مثاليًا للصين في إطار مبادرة الحزام والطريق، التي تتقاطع أهدافها مع رؤية مصر 2030 في مجالات البنية التحتية والتنمية الصناعية. ويعزز هذا الموقع من فرص مصر للتحول إلى منصة تصديرية للصناعات الصينية نحو أوروبا والأسواق العربية والأفريقية.

خارطة الاستثمارات الصينية في مصر باتت تشمل مناطق حيوية مثل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والعلمين الجديدة، والمدن الجديدة، والعاصمة الإدارية، بإجمالي استثمارات تقترب من 9 مليارات دولار، بحسب تصريحات سابقة لمصطفى إبراهيم. وقد جذبت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس جذبت 128 مشروعًا استثماريًا خلال العامين الماضيين، بلغت قيمة الاستثمارات الصينية منها 40%. كما أن تحالفًا مصريًا صينيًا يستعد لزراعة مليون فدان باستثمارات تبلغ 7 مليارات دولار.

وفيما يتعلق بتقليص العجز التجاري الضخم، الذي يتجاوز 15 مليار دولار لصالح الصين، قال عبد العزيز الشريف إن مصر تسعى لاستبدال هذا العجز باستثمارات مباشرة. ودعا إلى تفعيل اتفاقية التبادل التجاري بالعملات المحلية، واستخدام اليوان في المعاملات المالية بين الشركات، ما يسهم في تقليل الاعتماد على الدولار ويعزز الاستقرار المالي.

أحد أبرز التطورات النوعية كان توقيع مذكرة تفاهم بين البنك المركزي المصري وبنك الشعب الصيني لتعميق التعاون المالي، تشمل التسوية بالعملات المحلية، والتعاون في مجالات العملات الرقمية والتقنيات المالية. ووصف ضياء حلمي، الأمين العام لغرفة التجارة المصرية الصينية، هذا الاتفاق بأنه “إشارة ثقة مهمة وخطوة طال انتظارها”، مشددًا على أن التبادل التجاري بالعملات الوطنية ضروري، ويفتح الباب لتنسيق مؤسسي أعمق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *