
بدائل حقيقية للهيمنة الأمريكية..
كتب – عبد الفتاح فتحي:
مثّلت مشاركة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، نيابة عن الرئيس عبد الفتاح السيسي في النسخة السابعة عشرة لقمة مجموعة “بريكس”، المنعقدة في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، محطة مفصلية في مسار السياسات الاقتصادية والدبلوماسية لمصر.
ورغم ما يحمله “بريكس” من وعود بنظام اقتصادي بديل، إلا أن معظم الخبراء شددوا على أن انضمام مصر لا يعني انحيازًا جيوسياسيًا ضد أحد، بل هو جزء من استراتيجية تنويع الشركاء، والبحث عن أدوات تُمكن الدولة من مواجهة التحديات العالمية، على أسس عادلة، وبشروط أكثر إنصافًا.
تأتي قمة “بريكس” في خضم تحديات عالمية غير مسبوقة: حرب روسية أوكرانية ممتدة، وتوتر متصاعد بين إسرائيل وإيران، وانكماش اقتصادي عالمي ترافقه أزمة ديون خانقة تجاوزت 316 تريليون دولار، بحسب ما أشار إليه الدكتور بلال شعيب، الخبير الاقتصادي. وسط هذه الاضطرابات، تبحث الدول عن بدائل حقيقية للهيمنة الأمريكية، وهو ما تمثله “بريكس” كتحالف متعدد الأقطاب.
وبحسب شعيب، فإن انضمام مصر الرسمي مطلع 2024 إلى “بريكس” يعكس إدراكًا دوليًا لفاعلية الدور المصري، ليس فقط جغرافيًا، باعتبارها بوابة لإفريقيا، بل أيضًا اقتصاديًا، كونها مركزًا للطاقة والأسواق الناشئة.
مكاسب للاقتصاد المصري
رأى اللواء محمد صلاح أبو هميلة، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري، أن القمة أتاحت لمصر فرصًا حقيقية للتعامل بالعملات المحلية، خصوصًا مع الصين وروسيا والهند، وهو ما من شأنه تخفيف الضغط على الدولار الأمريكي، وتعزيز استقرار الجنيه. وأوضح أن مصر بدأت بالفعل تفعيل هذا المسار، عبر السماح بالتعامل باليوان وسداد قرض محطة الضبعة النووية بالروبل الروسي.
وأكد الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، أن تعامل مصر بالعملات المحلية في مشروعات كبرى مثل محطة الضبعة النووية، التي تكلّف نحو 23 مليار دولار، يمثّل تحوّلًا استراتيجيًا يخفف العبء عن الاحتياطي النقدي، ويمنح الاقتصاد المصري متنفسًا جديدًا.
ويشير “الشافعي” إلى أن حجم التبادل التجاري بين مصر ودول “بريكس” يمثل أكثر من 40% من تجارة مصر الخارجية، مما يجعل من التحول نحو استخدام العملات الوطنية خيارًا واقعيًا وليس مجرد أمنية، ويفتح الباب أمام التكامل الاقتصادي بعيدًا عن هيمنة الدولار.
وفي تحرك يتجاوز نطاق الخطابات، أشار إلى أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس أصبحت تضم مناطق صناعية صينية وروسية، وتسعى الهند حاليًا لإنشاء منطقة خاصة بها، في دلالة واضحة على أن مصر باتت مركزًا استراتيجيًا لعبور تجارة “بريكس” نحو إفريقيا.
نائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بجامعة الدول العربية، الدكتور أشرف غراب، أوضح أن هذه المناطق الصناعية المتعددة تعكس ثقة دول بريكس في الاستقرار المصري، ورغبتها في التوسع الاستثماري، مستفيدة من الموقع الجغرافي، والبنية التحتية، خاصة بعد التطوير الضخم الذي شهدته الموانئ والطرق والمناطق الحرة في السنوات الأخيرة.
وأكد الدكتور خالد مهدي، أمين لجنة الصناعة بحزب “المصريين”، أن انضمام مصر لبنك التنمية الجديد سيوفر بدائل تمويلية مرنة، خصوصًا في ظل السياسات النقدية المتشددة عالميًا، والتي أضعفت قدرة الدول النامية على الاقتراض أو تحسين مستوى المعيشة.
وشدد الدكتور بلال شعيب على أن “بريكس” دعت في القمة إلى إصلاح مؤسسات التمويل الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي، لمعالجة الخلل الهيكلي الذي لا يُنصف الدول النامية.
ومن المكاسب غير المباشرة التي أبرزها الدكتور أشرف غراب، أن انضمام مصر لـ”بريكس”، وفي ظل الأمن والاستقرار، يمكن استثماره للترويج للسياحة المصرية، خاصة مع افتتاح المتحف المصري الكبير، ووجود مشروعات مثل مدينة رأس الحكمة، وتنوع مصر ما بين الآثار الفرعونية والشواطئ والمزارات الإسلامية. كما أصبحت مصر جزءًا من “بنك التنمية الجديد”، وهو ذراع تمويلية أساسية للمجموعة، تتيح فرصًا لتمويل مشروعات البنية التحتية والتنمية المستدامة بعيدًا عن شروط المؤسسات المالية الغربية. وقد وافق البنك على قروض بنحو 35 مليار دولار لما يقارب 100 مشروع بدول “بريكس”، كما أشار غراب.
وأوضحت الدكتورة هدى الملاح، أن تقليل الاعتماد على الدولار سيدعم المشروعات المحلية، ويوسّع فرص العمالة، خاصة إذا تم التوجه نحو تصنيع ما تستورده مصر حاليًا، باستخدام مدخلات إنتاج من دول “بريكس” بالعملات المحلية.
الدكتور مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادي، أوضح أن مشاركة مدبولي جاءت في توقيت بالغ الحساسية، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، وتأثيراتها على الاقتصاد العالمي، وعلى طرق التجارة الحيوية مثل قناة السويس، التي تعد معبرًا رئيسيًا ضمن “طريق الحرير” الصيني.
وأكد بدرة أن مصر خلال القمة طرحت قضايا تخص الشرق الأوسط، مثل تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة، وأثرها الاقتصادي، بالإضافة إلى أزمات الوقود والغذاء، التي تؤثر على الأمن الإقليمي والدولي على حد سواء.