تكنولوجيا واتصالات

الحكومة «ساقطة شبكة»

حريق «سنترال رمسيس» يكشف هشاشة البنية التحتية لمنظومة الاتصالات

في قلب القاهرة، وعلى بعد خطوات من ميدان رمسيس الحيوي، وبين شرايين الاتصالات التي تربط البلاد ببعضها، اندلع في صباح يوم الإثنين 7 يوليو 2025 حريق هائل في مبنى سنترال رمسيس، المركز الرئيسي لشبكات الهاتف الأرضي والاتصالات الدولية في مصر.

لم يكن هذا السنترال مجرد منشأة تقنية، بل كان منذ تأسيسه في أوائل القرن العشرين رمزًا للتحديث والربط الشبكي، إذ لعب دورًا محوريًا في تطور منظومة الاتصالات المصرية منذ عهد الملكية وحتى العصر الرقمي الحديث.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يشتعل فيها المبنى، لكنها كانت الأخطر، فقد سبق أن تعرض السنترال لعدة حرائق محدودة في سنوات سابقة، أبرزها حريق يونيو 2002 نتيجة ماس كهربائي في الطابق الرابع٬ وفي يوليو 2008 أندلع حريق بسبب ماس في كابلات غرفة المفاتيح٬ وحادث آخر في أكتوبر 2012 داخل وحدة الطاقة الاحتياطية (UPS)، بسبب زيادة أحمال الكهرباء، وتمت السيطرة عليه دون إصابات، وقد نُبه حينها لغياب أنظمة إنذار فعّالة، إلا أن تحذيرات الخبراء بشأن غياب أنظمة الحماية الحديثة وتردي البنية التحتية ظلت حبيسة الأدراج.

أما هذه المرة تعد الأكبر والأخطر من حيث الخسائر البشرية والمادية وتأثيره على البنية التحتية الرقمية للدولة، فقد خرجت النيران عن السيطرة، واستمرت لساعات طويلة لتلتهم الطوابق العليا من المبنى، متسببًا في وفاة عدد من العاملين وتعطيل خدمات الاتصالات والإنترنت  والهاتف الأرضي على نطاق واسع، مع تأثيرات امتدت إلى قطاعات الطيران، البنوك، والتعليم والخدمات الحكومية، مخلفة وراءها خسائر بشرية ومادية جسيمة، وسط حالة من الارتباك التكنولوجي لم تشهدها البلاد منذ سنوات.

وفيما أعلنت النيابة العامة فتح تحقيق موسع، لا تزال تداعيات الكارثة تتفاعل على أكثر من مستوى؛ فالمبنى الذي صمد لعقود، أطلق من جديد شرارة نقاش وطني حول أولويات السلامة، ومخاطر الاعتماد على بنية متهالكة في زمن أصبحت فيه التكنولوجيا هي شريان الحياة اليومية.

وعاد السؤال المؤلم إلى الواجهة: هل كان حريق سنترال رمسيس نتيجة حادث طارئ، أم تتويجًا طبيعيًا لمسار طويل من التجاهل وسوء الصيانة؟

إن تكرار الحوادث في ذات المبنى، وعلى مدى أكثر من عقدين، يكشف عن أزمة هيكلية في إدارة منشآت الدولة الحيوية، وهو ما يفرض ضرورة فتح تحقيق شفاف وإعادة هيكلة شاملة لتأمين مراكز الاتصالات المصرية؟

لماذا لم يتم تدارك الخلل بعد تكرار الحوادث؟ لقد تحول حريق سنترال رمسيس من مجرد حادث عرضي إلى ناقوس خطر يقرع في وجه قطاع الاتصالات والبنية التحتية المصرية، ما يستوجب مراجعة شاملة وحاسمة للجاهزية الفنية وأنظمة الأمان في مؤسسات الدولة الحيوية؟.

6 ساعات من الجحيم تقطع خطوط الاتصالات فى مصر

بدأ الحريق في ساعات المساء واستمر لمدة ست ساعات، حيث نشب نتيجة ماس كهربائي في غرفة الأجهزة بالطابق السابع من المبنى، مما أدى إلى تلف بعض الكابلات الرئيسية والسيرفرات الحيوية، وامتدت ألسنة اللهب إلى عدة طوابق داخل المبنى. رغم جهود قوات الحماية المدنية التي دفعت بعدد من سيارات الإطفاء والإنقاذ والإسعاف، تجددت النيران لاحقًا بعد السيطرة المبدئية، نتيجة وجود كميات كبيرة من المواد القابلة للاشتعال كالأوراق والمقاعد الخشبية، بالإضافة إلى السخونة الشديدة بالمبنى٬ وتسبب الحريق في انقطاع واسع النطاق لخدمات الإنترنت والهواتف في مناطق متعددة، بالإضافة إلى تأثيره على خدمات الملاحة الجوية، حيث أدى إلى تأخير بعض الرحلات من مطار القاهرة الدولي.

وكشف مصدر مطّلع تفاصيل  الحريق، موضحًا أن النيران اندلعت في البداية داخل المكتب الخاص بموظفي قسم تكنولوجيا المعلومات “IT” في الطابق السابع، قبل أن تمتد بسرعة إلى باقي الطوابق، بفعل كثافة الكابلات والأجهزة الإلكترونية.

وأوضح المصدر أن النيران لم تتوقف عند المبنى الرئيسي، بل امتدت لتصل إلى المبنى الملحق المكون من 6 طوابق، ما أدى إلى تصاعد كثيف للدخان وتفاقم الحريق بشكل غير متوقع.

وأضاف أن الحريق التهم كابلات “الفايبر” الخاصة بالاتصالات الدولية، ما تسبب في تعطل عدد كبير من الخدمات الحيوية، من بينها شبكات المحمول، خدمات الإنترنت الأرضي، الاتصالات البنكية، الدفع الإلكتروني، وخدمة الطوارئ 122 في بعض المناطق.

ودفع قطاع الحماية المدنية بأكثر من 20 سيارة إطفاء مدعّمة بسلالم هيدروليكية ومعدات تنفس صناعي، إلى جانب وحدات التدخل السريع، وتم فرض طوق أمني حول محيط السنترال بالتنسيق مع قوات الأمن المركزي لتأمين المنطقة وإخلاء المبنى من العاملين، وخاض رجال الإطفاء معركة شرسة امتدت لأكثر من 13 ساعة، تخللتها عمليات تبريد مستمرة وإعادة انتشار للسيطرة على جيوب النار التي كانت تشتعل بفعل الأسلاك المحترقة داخل الغرف التقنية المغلقة.

وأعلنت وزارة الصحة والسكان عن وفاة 4 أشخاص وإصابة 27 آخرين٬ تم نقل المصابين إلى مستشفيات قريبة لتلقي الرعاية، بينما تلقى عدد من الحالات الخفيفة العلاج ميدانيًا دون الحاجة للنقل٬ بينما تسبب الحريق في تدمير وحدات التحكم في الاتصالات، مما أدى إلى انقطاع خدمات الهاتف الأرضي والإنترنت في مناطق واسعة من القاهرة والجيزة. وقد أفادت تقارير بأن الاتصال بالإنترنت انخفض بنسبة 62% على مستوى البلاد خلال فترة الحريق.

شلل فى الخدمات المصرفية والتجارية

أدى الحريق إلى تعطيل خدمات الاتصالات بشكل واسع، مما أثر على الأعمال المصرفية والتجارية. استجابة لذلك، رفع البنك المركزي المصري حد السحب النقدي اليومي إلى 500,000 جنيه لتسهيل المعاملات. كما تم تعليق التداول في البورصة المصرية يوم الثلاثاء التالي للحريق بسبب تعطل أنظمة التداول.

أولاً: انقطاع خدمات المحمول

* تأثرت جميع شركات المحمول الثلاث الكبرى في مصر، بما في ذلك خدمات الصوت والبيانات، وذلك نتيجة توقف بعض الدوائر الفنية المرتبطة بمركز رمسيس الحيوي.

* العديد من المستخدمين أبلغوا عن صعوبة إجراء المكالمات أو انقطاعها بشكل متكرر، إضافة إلى بطء في استقبال الرسائل النصية.

* مصدر في وزارة الاتصالات أن الأعطال تركزت في خدمات الربط الداخلي والخارجي التي تمر عبر تجهيزات سنترال رمسيس.

ثانياً: توقف خدمات الإنترنت الأرضي

* تسبب الحريق في تعطل أجزاء مهمة من الشبكة القومية للاتصالات، مما أدى إلى توقف الإنترنت المنزلي (ADSL وVDSL) في عدة مناطق، خاصة في وسط وشرق القاهرة.

* صرح الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أن الأعطال “جزئية ومؤقتة”، وأكد أن الفرق الفنية تعمل على تحويل المسارات إلى سنترالات بديلة لضمان استعادة الخدمة تدريجياً.

ثالثاً: تأثر الخدمات الرقمية والمالية

* خدمات الدفع الإلكتروني عبر تطبيقات المحمول والمحافظ البنكية تأثرت بشدة، ما أدى إلى تعطل معاملات مالية كثيرة يوم الحريق وحتى صباح اليوم التالي.

* أجهزة الصراف الآلي المرتبطة بأنظمة الاتصال في محيط رمسيس واجهت مشكلات في الاتصال بالخوادم الرئيسية.

تم تعطيل خدمة حجز تذاكر القطارات إلكترونيًا عبر الإنترنت أو من خلال ماكينات الخدمة الذاتية، نظرًا لاعتمادها على الشبكة المركزية.

«عمرو طلعت»: «سنترال رمسيس»  ليس المركز الرئيسى لخدمات الاتصالات

وقال الدكتور عمرو طلعت٬ وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات٬أن فرق الطوارئ تعمل على إعادة الخدمات تدريجيًا، مع التركيز على المناطق الأكثر تضررًا٬ ونفى أن تكون مصر معتمدة على سنترال رمسيس فقط كمركز رئيسى لخدمات الاتصالات٬ هذا وبدأت الشركة المصرية للاتصالات أعمال تركيب 4 كبائن جديدة أمام مقر السنترال، ضمن خطة طارئة لربطها بشبكات السنترالات المحيطة، بهدف دعم استمرارية الخدمة وتقليل الضغط على البنية التحتية المتضررة.

كما عقد مجلس النواب جلسة طارئة لمناقشة الحادث، حيث طالب النواب بمحاسبة المسؤولين عن الإهمال في صيانة المبنى وتحديث أنظمة السلامة.

وأكد المهندس أحمد بدوي، رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، أنه سيتم تعويض جميع المستخدمين المتأثرين بانقطاع الخدمة الناتج عن حريق سنترال رمسيس، من خلال باقات إنترنت إضافية ورصيد مجاني .

أما عن سنترال رمسيس، فقد أوضح النائب أن سنترال رمسيس لا يعمل حاليًا، وهو تحت تصرف النيابة العامة التي تُجري التحقيقات لكشف أسباب الحريق.

وأكد أنه فور انتهاء التحقيقات، سيتم تسليم المبنى إلى وزارة الاتصالات، وتشكيل لجنة هندسية متخصصة لإعادة هيكلة السنترال بأحدث أنظمة التكنولوجيا المتوافقة مع منظومة التحول الرقمي العالمية

وطالب عدد من خبراء قطاع الاتصالات من الحكومة إتاحة الفرصة لشركات المحمول الثلاث العاملة بالسوق المحلية «فودافون» وأورنج » و«إى آند مصر» بالاستثمار فى شبكات البنية الأساسية للاتصالات بعد حريق سنترال رمسيس.

وأكد الدكتور عمرو طلعت أن  الخدمات الأرضية (بيانات)، لم  يحدث لها   انقطاع في الخدمة خارج محيط سنترال رمسيس، وأستعادة جميع الخدمات  جودة الأداء في المعدلات الطبيعية، بينما في محيط السنترال كان قد حدث  عطل كامل أثر على العملاء، وتم استعادة الخدمة كليا، لافتا في الوقت نفسه إلى تداعيات الحادث على الخدمات الأرضية (صوت)، موضحا أنه خارج محيط سنترال رمسيس لا يوجد تأثير على الخدمة، وتم استعادة الخدمة ، بمعدلاتها الطبيعية،

وفيما يخص خدمات المحمول (صوت)، أوضح وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أنه في بداية الأزمة، تأثرت الخدمة سلباً للمشغلين الأربعة من ناحية الجودة، خارج محيط السنترال وتم استعادة الجودة  خلال ٢٤ ساعة    وتم  الوصول إلى متوسط 95% من المعدلات الطبيعية للشركات الأربع، ثم استعادت كامل جودتها ..بينما في محيط السنترال تأثرت جودة الخدمة في بداية الأزمة بشكل كبير بالنسبة لشركات (أورانج – فودافون – اتصالات – we)، وتم استعادة الخدمة كاملة تدريجياً حتردي وصلت  لمعدلها الطبيعي .

وأشار الدكتور عمرو طلعت إلى أن الخدمة تأثرت في قطاع البنوك في بداية الأزمة بشكل جزئي ( في عدد قليل من البنوك التي لم يكن عندها بديل للربط احتياطي)، إلا أنه تم عمل مناورات بالشبكات وتم حل المشكلة الجزئية لكافة البنوك التي تأثرت .

وبالنسبة للبورصة، تم التأكد من استعادة الخدمات مساءً في نفس يوم الحادث من جانب البورصة، ولكن تحسبت البورصة من وجود مشكلات من أي نوع قد تظهر، وفضلت تعليق جلسة  الثلاثاء 8/7/2025، وعند تأكدها من استقرار خدمات السماسرة تم فتح الجلسة بشكل طبيعي يوم  الأربعاء 9/7/2025.

وأكد الوزير أن خدمات التموين تعمل منذ اليوم الأول بدون أعطال، وتم استعادة الخدمة في المطار/ مصر للطيران في الجزء الذي تأثر خلال ساعتين مساءً في نفس يوم الحادث، وتعمل النجـدة بدون تأثر على الإطلاق، لكن الإسعـاف في بداية الأزمة، تأثرت خدمة الاتصال بـ 123 من الشركات الثلاث (أورانج – فودافون – اتصالات)، في بعض المحافظات، وتم استعادة الخدمة كاملة .   علماً بأنه تم تخصيص أرقام بديلة لكل محافظة لتيسير الوصول لخدمة الإسعاف قبل الانتهاء من استعادة الخدمة.

كما أكد المهندس محمد إبراهيم، رئيس قطاع أول التفاعل المجتمعي بالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، أن خدمات الإنترنت الأرضي عادت  على مستوى الجمهورية، موضحًا أن خدمات المحمول وشركات الاتصالات عادت أيضًا، مضيفًا: “المكالمات الصوتية عادت بالفعل”.

وأشار إلى أن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات حاليًا في مرحلة حصر شامل للوضع، وأن الهدف الأساسي هو إعادة تشغيل كافة الخدمات بالكامل، مؤكدًا على وجود آليات لتعويض المواطنين الذين تأثروا نتيجة تدني مستوى الخدمة خلال الفترة الماضية.

وتابع: “لا يمكن الجزم بخروج سنترال رمسيس من الخدمة بشكل نهائي، خاصة أن الشركة المصرية للاتصالات هي المالكة للسنترال”، مشيرًا إلى أن الأمر ما يزال قيد التقييم الفني والمعاينة.

وأوضحت «ڤودافون مصر» أنه إيمانًا منها بأهمية الشفافية ورضا العملاء، سيتم تقديم تعويض لجميع العملاء المتأثرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *