عالم

سياسات ترامب التجارية.. تفكك النظام العالمي وصراع الأجندات الداخلية

بينما يشتد الجدل في أروقة الكونغرس الأمريكي حول إقرار مشروع قانون الضرائب والإنفاق الشامل، المعروف باسم “القانون الكبير الجميل” الذي اقترحه الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، تتضح الأبعاد السياسية العميقة لنهجه الذي لا يزال يؤثر بقوة على الساحتين السياسية والاقتصادية عالميًا، ففي ظل أجندة “أمريكا أولاً” التي تسعى لإعادة تشكيل العلاقات الدولية والمشهد الاقتصادي برمته، تتصاعد صراعات داخلية وخارجية قد تنهي حقبة من الاستقرار، وتدفع بالعالم نحو تقلبات جيوسياسية غير مسبوقة.

«القانون الكبير الجميل»: تداعيات مالية أمريكية تمتد عالميًا:

في خطوة سياسية محورية، صوت مجلس الشيوخ الأمريكي يوم الثلاثاء الماضي، بالموافقة على مشروع القانون الضريبي بأغلبية ضيقة، حيث جاء التصويت حاسمًا بنتيجة 50-50، ليُدلي نائب “ترامب”، “جيه دي فانس” بصوته المرجح الذي رجّح كفة الإقرار، وقد صوت ثلاثة أعضاء جمهوريين ضد هذا الإجراء، فيما لم ينضم أي عضو ديمقراطي لدعمه، أُعتبر هذا التشريع، انتصاراً لأجندة “ترامب” المالية، الذي يهدف إلى تمديد العديد من أحكام قانون تخفيضات الضرائب والوظائف لعام 2017، ويشمل تعديلات هامة كرفع الحد الأقصى للخصم الضريبي على مستوى الولايات والمستوى المحلي (SALT) من 10,000 دولار أمريكي إلى 40,000 دولار أمريكي للأسر ذات الدخل المرتفع.

بينما رحبت جهات داخلية مثل جمعية المصرفيين الأمريكيين (ABA) بهذه الأحكام، معتبرة إياها “إعفاءً ضريبياً مطلوباً بشدة” للاقتصاد الأمريكي، في وقت أخذت المخاوف بشأن تداعياتها العالمية في الازدياد، وقد أشار “ديفيد سيف”، كبير الاقتصاديين في الأسواق المتقدمة في بنك نومورا، إلى أن القانون سيكون “جيداً بلا شك” للاقتصاد الأمريكي على المدى القصير، لكن تداعياته المالية الكلية تثير قلقاً دولياً.

ويتوقع مكتب الميزانية في الكونغرس (CBO)، وهو هيئة مستقلة، أن يضيف مشروع القانون ما لا يقل عن 3 تريليونات دولار إلى العجز الفيدرالي الأمريكي خلال العقد المقبل، هذه الزيادة الكبيرة في الدين الأمريكي تثير مخاوف في الأوساط المالية الدولية من تأثيرها على أسعار الفائدة العالمية واستقرار الاقتصاد الكلي، فارتفاع مستويات الاقتراض الحكومي في الولايات المتحدة قد يؤدي إلى ضغط تصاعدي على العوائد، مما يزيد تكلفة الاقتراض على مستوى العالم ويؤثر على تدفقات الاستثمار الدولي، وقد حذرت “إريكا يورك”، نائبة رئيس السياسة الضريبية الفيدرالية في مركز السياسة الضريبية الفيدرالية التابع لمؤسسة الضرائب، من أن “هذا الأمر غير مسؤول مالياً، ويؤدي إلى زيادة كبيرة في عجز الميزانية والديون”، كما أن التوقعات بأن يصبح 11.8 مليون أمريكي إضافي غير مؤمن عليهم بحلول عام 2034، حسب تحليل مكتب الميزانية في الكونغرس.

حرب التعريفات: إعادة تشكيل خارطة التجارة الدولية:

تظل السياسات التجارية المشددة، التي يتبناها “ترامب” تحت شعار “أمريكا أولاً”، القوة الدافعة وراء الاضطراب في منظومة التجارة الدولية، فمع اقتراب الموعد النهائي الذي فرضه ترامب في 9 يوليو لإعادة فرض رسوم جمركية مشددة، تهدف إدارة “ترامب” إلى إبرام اتفاقيات تجارية أصغر وأسرع، بدلاً من الصفقات الكبيرة، في تكتيك وصفه محللون دوليون بـ “تاكو” (Trump Always Chickens Out)، ما يشير إلى طبيعة مفاوضاته القائمة على التهديد ثم التراجع، ورغم أن هذه الاتفاقيات قد تساعد الدول على تجنب أشد الرسوم الجمركية، إلا أن الشركاء التجاريين لا يزالون يواجهون الرسوم الجمركية الحالية، مع استمرار المحادثات وتهديدات “ترامب” بفرض رسوم جديدة على قطاعات حيوية مثل السيارات والصلب والألمنيوم، ومثال على ذلك، ما نشره “ترامب” على موقع “Truth Social” عن إرساله رسالة إلى اليابان بمعدل تعريفة جمركية جديد، مشيراً إلى عدم رغبتها في قبول صادرات الأرز الأمريكية، ما يؤكد استخدام التجارة كأداة للضغط السياسي.

وفي سياق هذه الاستراتيجية، كانت حكومة “ترامب” قد وضعت هدفاً طموحاً لتأمين “90 صفقة تجارية خلال 90 يوماً”، إلا أن هذا الهدف لم يتحقق إلى حد كبير، حيث لم تنجح الإدارة سوى في إبرام صفقة واحدة حقيقية، إضافة إلى عدد قليل من الاتفاقيات الأولية التي ما زالت قيد الإنجاز.

لقد أدت هذه السياسات إلى إرباك القطاع الصناعي داخل الولايات المتحدة وخارجها، ففي يونيو، أظهر مسح معهد إدارة التوريد (ISM) تباطؤاً في قطاع التصنيع الأمريكي للشهر الرابع على التوالي، حيث بلغ المؤشر 49.0 نقطة، منخفضاً عن عتبة الـ 50 نقطة التي تشير إلى النمو، فهذا الانكماش في قطاع يمثل 10.2% من الاقتصاد الأمريكي يعكس تأثير الرسوم الجمركية على سلاسل التوريد العالمية، وضعف الطلبات الجديدة (المؤشر الفرعي للطلبات الجديدة المستقبلية انخفض إلى 46.4 نقطة من 47.6 نقطة في مايو) وارتفاع أسعار المدخلات (مؤشر الأسعار ارتفع إلى 69.7 نقطة من 69.4 نقطة) يدلان على الضغوط التي تواجهها المصانع الأمريكية والعالمية نتيجة لسياسات “ترامب”، كما أن انخفاض مؤشر التوظيف في القطاع إلى 45.0 نقطة من 46.8 نقطة في مايو، يشير إلى تداعيات عالمية على أسواق العمل بسبب اضطراب الطلب التجاري.

الأسواق العالمية تتأرجح تحت وطأة السياسات الأمريكية:

تتفاعل الأسواق المالية حول العالم بشكل مباشر مع التطورات السياسية والاقتصادية في واشنطن، فبينما أظهرت بيانات وزارة العمل الأمريكية ارتفاع فرص العمل المتاحة بمقدار 374 ألف وظيفة إلى 7.769 مليون وظيفة في مايو، مما دعم الدولار مؤقتاً، فإن المخاوف من حرب تجارية شاملة تظل مهيمنة، وقد شهد الدولار الأمريكي انخفاضاً بنسبة 0.22% ليصل إلى 143.67 ين، وارتفاعاً بنسبة 0.06% ليصل إلى 0.7925 فرنك سويسري، مما يعكس حساسية العملات العالمية للتوترات التجارية.

وفي أسواق السندات، ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية بعد بيانات فرص العمل، حيث ارتفع عائد سندات الخزانة الأمريكية القياسية لأجل 10 سنوات بمقدار 4.1 نقطة أساس ليصل إلى 4.267%، هذه الزيادة تؤثر على تكاليف الاقتراض للشركات والحكومات حول العالم.

أما أسواق الأسهم، فقد شهدت تقلبات متباينة، فبينما ارتفعت عقود مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.2%، تراجعت الأسهم الآسيوية، بما في ذلك الأسهم اليابانية التي انخفضت بنسبة 1%، بعد تهديدات “ترامب” المباشرة، ومن ناحية أخرى، سجل الاقتصاد القطري نمواً بنسبة 3.7% في الربع الأول، ارتفاعاً من 1.5% في العام السابق، وفق بيانات حكومية، مما يسلط الضوء على تباين الأداء الاقتصادي بين المناطق في ظل المشهد العالمي المتغير.

وحافظ الذهب على مكانته كملاذ آمن مفضل للمستثمرين العالميين، مسجلاً ارتفاعًا بنسبة 2% خلال الجلستين السابقتين، مما يؤكد دوره كملاذ موثوق به في أوقات الاضطراب السياسي والاقتصادي الذي يشهده العالم.

مستقبل النظام العالمي: تآكل الثقة وتزايد التوتر الجيوسياسي:

تزداد التكهنات بأن الاقتصاد العالمي لن يعود إلى ما كان عليه قبل هذه سياسات “ترامب” المتهورة، وأن النظام التجاري المتعدد الأطراف قد يواجه تحديات غير مسبوقة، ولم تعد واشنطن تُعتبر بالضرورة شريكاً موثوقاً به في المؤسسات الدولية، مما يترك بعض هذه المؤسسات تحت ضغط مالي أو سياسي، بينما قد تُجبر أخرى على تغيير جذري.

إن استمرار ارتفاع الديون والعجز في الميزانية الحكومية الأمريكية، وتدهور البنية التحتية، وتصاعد العنف السياسي الداخلي، يجعل من الصعب على الولايات المتحدة الإصرار على أنها القوة الأكبر التي يحتاجها العالم أكثر مما يحتاج العالم إليها، هذه التطورات تشير إلى تراجع في الدور القيادي التقليدي للولايات المتحدة على الساحة الدولية، وقد تؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات الاقتصادية والسياسية العالمية.

وفي ظل هذه الخلفية السياسية والاقتصادية المتقلبة، يتوقع العديد من المحللين أن تستمر “سياسة حافة الهاوية” التجارية، وأن تصبح المنازعات القانونية والتغييرات المفاجئة في السياسات هي الوضع الطبيعي الجديد، هذا المشهد المعقد يتطلب من الحكومات والشركات والمستثمرين في جميع أنحاء العالم البقاء على أهبة الاستعداد، ومراقبة التطورات التشريعية والسياسية العالمية عن كثب لاتخاذ قرارات استراتيجية تحميهم من التقلبات المتزايدة.

بمقدار 4.1 نقطة أساس ليصل إلى 4.267%، هذه الزيادة تؤثر على تكاليف الاقتراض للشركات والحكومات حول العالم

أما أسواق الأسهم، فقد شهدت تقلبات متباينة، فبينما ارتفعت عقود مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.2%، تراجعت الأسهم الآسيوية، بما في ذلك الأسهم اليابانية التي انخفضت بنسبة 1%، بعد تهديدات “ترامب” المباشرة، ومن ناحية أخرى، سجل الاقتصاد القطري نمواً بنسبة 3.7% في الربع الأول، ارتفاعاً من 1.5% في العام السابق، وفق بيانات حكومية، مما يسلط الضوء على تباين الأداء الاقتصادي بين المناطق في ظل المشهد العالمي المتغير.

وحافظ الذهب على مكانته كملاذ آمن مفضل للمستثمرين العالميين، مسجلاً ارتفاعًا بنسبة 2% خلال الجلستين السابقتين، مما يؤكد دوره كملاذ موثوق به في أوقات الاضطراب السياسي والاقتصادي الذي يشهده العالم.

مستقبل النظام العالمي: تآكل الثقة وتزايد التوتر الجيوسياسي:

تزداد التكهنات بأن الاقتصاد العالمي لن يعود إلى ما كان عليه قبل هذه سياسات “ترامب” المتهورة، وأن النظام التجاري المتعدد الأطراف قد يواجه تحديات غير مسبوقة، ولم تعد واشنطن تُعتبر بالضرورة شريكاً موثوقاً به في المؤسسات الدولية، مما يترك بعض هذه المؤسسات تحت ضغط مالي أو سياسي، بينما قد تُجبر أخرى على تغيير جذري.

إن استمرار ارتفاع الديون والعجز في الميزانية الحكومية الأمريكية، وتدهور البنية التحتية، وتصاعد العنف السياسي الداخلي، يجعل من الصعب على الولايات المتحدة الإصرار على أنها القوة الأكبر التي يحتاجها العالم أكثر مما يحتاج العالم إليها، هذه التطورات تشير إلى تراجع في الدور القيادي التقليدي للولايات المتحدة على الساحة الدولية، وقد تؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات الاقتصادية والسياسية العالمية.

وفي ظل هذه الخلفية السياسية والاقتصادية المتقلبة، يتوقع العديد من المحللين أن تستمر “سياسة حافة الهاوية” التجارية، وأن تصبح المنازعات القانونية والتغييرات المفاجئة في السياسات هي الوضع الطبيعي الجديد، هذا المشهد المعقد يتطلب من الحكومات والشركات والمستثمرين في جميع أنحاء العالم البقاء على أهبة الاستعداد، ومراقبة التطورات التشريعية والسياسية العالمية عن كثب لاتخاذ قرارات استراتيجية تحميهم من التقلبات المتزايدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *